إعلان

مراد الثاني .. السلطان الزاهد المجاهد الذي تنازل عن عرشه مرتين

02:47 م السبت 15 سبتمبر 2018

مراد الثاني

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب -هاني ضوه :

كانت الدولة العثمانية واحدة من أعظم الدول في تاريخ الإسلام، وكان حكامها كذلك من أعظم الحكام، حيث علموا على توسيع الخلافة العثمانية حتى امتدت ربوعها إلى كثير من دول أوروبا، لدرجة أن حكام وملوك أوروبا كانوا يخطبون ودها.

واليوم حديثنا عن واحد من سلاطين العثمانين الذين امتازوا بالزهد والورع، بل كان السلطان العثماني الوحيد الذي تنازل عن الحكم لأبنه مرتين ليتفرغ لعبادة الله وطاعته.

إنه السلطان مراد الثاني الذي تحل ذكرى وفاته اليوم 5 محرم سنة 855 هـ الموافق 7 فبراير سنة 1451م، فقد ولد عام (806هـ = 1404م)، ونشأ في بيت الدولة العثمانية، التي غرست في أبنائها حبَّ العلم والجهاد في سبيل الله، فنشأ السلطان مراد الثاني نشأة إسلامية صحيحة؛ وهذا ما أهَّلهُ لتولي السلطنة وعمره 18 عامًا، وعرف طوال فترة حكمه بين الناس بالصلاح والتقوى والعدل والرحمة بالناس، وفي عهده اهتم بالجهاد في سبيل الله وفتح الكثير من بلاد أوروبا.

وذكر كتاب "تاريخ الدولة العلية العثمانية" للكاتب محمد فريد بك الكثير من سيرة هذا السلطان العثماني فكر الكاتب أن السلطان مراد الثاني حرص منذ توليه الحكم على أن يعمل على توحيد ربوع السلطنة العثمانية في الأناضول والتي كان تيمورلنك قد فككها عن الدولة العثمانية، فقام السلطان مراد بجمع شتاتها حتى يستطيع التفرغ للتوسع في أوروبا كما كان الحال في عهد السلطان بايزيد الأول.

عقب ذلك توفي أكبر أولاد السلطان واسمه "علاء الدين"، فحزن عليه والده حزنًا شديدًا وسئم الحياة وأراد أن يتفرغ للعبادة؛ فتنازل عن الملك لابنه "محمد الثاني" (محمد الفاتح) البالغ من العمر أربع عشرة سنة، ولصغر سنِّه أحاطه والده ببعض أهل الرأي والنظر من رجال دولته، ثم ذهب إلى مغنيسيا في آسيا الصغرى؛ ليقضِيَ بقيَّة حياته في عُزلة وطمأنينة، ويتفرَّغ في هذه الخلوة إلى عبادة الله –سبحانه وتعالى، والتأمُّل في ملكوته؛ وذلك بعد أن اطمأنَّ إلى استتباب الأمن والسلام في أرجاء دولته.

ولم تمر سوى بضعة أشهر حتى علم أن ملك المحجر قد نقض العهد والهدنة بينهما وأغار على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة اعتمادًا على تحريض من الكردينال "سيزاريني" (مندوب البابا) وتفهيمه لملك المجر أن عدم رعاية الذمة والعهود مع المسلمين لا تعدُّ حنثًا ولا نقضًا.

ولما ورد عليه خبر هذه الخيانة ونكث العهد خرج السلطان مراد الثاني من عزلته وقام بجيشه لمحاربة المجر فوجدهم محاصرين لمدينة وارنة الواقعة على البحر الأسود، وبعد قليل اشتبك القتال بين الجيشين في ما تعرف بمعركة فارنا فقتل ملك المجر المدعو "لادسلاس" وتفرق الجند بعد ذلك، ولم تفد شجاعة هونياد شيئًا.

وفي اليوم التالي هاجم العثمانيون معسكر المجر واحتلوه بعد قتال شديد قتل فيه الكردينال "سيزاريني" سبب هذه الحرب، وتم للعثمانيين الفوز في 12 نوفمبر سنة 1444م.

بعد أن هزم السلطان مراد الثاني المجر واستتب الأمن له عاد مرة أخرى إلى عزلته وتنازل للمرة الثانية عن العرش لأبنه محمد مرة أخرى، وهي المرة الأولى التي يذكر فيها التاريخ أن حاكمًا تنازل عن عرشه مرتين غير السلطان مراد.

ولكن تأبى الأحداث والظروف إلا أن يخرج السلطان مراد للمرة الثانية من عزلته إلى ساحة الجهاد، فلم يَكَدْ يذهب إلى معتزله بآسيا الصغرى حتى ثار الانكشارية في أدرنة وشغبوا، وهاجوا وماجوا، وتمرَّدُوا، وطغوا، وأفسدوا، وكان السلطان محمد الثاني فتى يافعًا حديث السنِّ، وخشي بعض رجال الدولة أن يستفحل الأمر، ويعظم الخطر، ويتفاقم الشرُّ، وتسوء العاقبة، فبعثوا إلى السلطان مراد الثاني يستقدمونه ليتولَّى الأمر بنفسه.

وخرج من عزلته وجاء السلطان مراد وقبض على زمام الأمر، وخضع له الانكشارية، وأرسل ابنه محمدًا إلى مغنيسيا حاكمًا عليها بالأناضول، وبقي السلطان مراد الثاني على العرش العثماني إلى آخر يوم في حياته، وقد قضاها في الغزو والفتح.

كان السلطان مراد الرابع محبًا للعلم والعلماء والشعر حتى أنه جعل من قصره جامعة للعلماء والشعراء، عن ذلك يحكي الكاتب محمد حرب في كتابه "العُثمانيون في التاريخ والحضارة" عن السلطان مراد الرابع: "«مراد الثاني وإن كان مُقِلًّا وكان ما لدينا من شعره قليلًا، لصاحبُ فضلٍ على الأدب والشعر لا يُجْحَدُ؛ لأن نعمته حلَّتْ على الشعراء، الذين كان يدعوهم إلى مجلسه يومين في كل أسبوع ليقولوا ما عندهم، ويأخذون بأطراف الأحاديث والأسمار بينهم وبين السلطان، فيستحسن أو يستهجن، ويختار أو يطرح، وكثيرًا ما كان يسدُّ عوز المعوزين منهم بنائلة الغمر، أو بإيجاد حرفة لهم تدرُّ الرزق عليهم؛ حتى يفرغوا من هموم العيش، ويتوفروا على قول الشعر، وقد أنجب عصره كثيرًا من الشعراء».

لقد حوَّل مراد الثاني القصر الحاكم إلى نوع من الأكاديمية العلمية، ووصل به الأمر أن كان الشعراء يُرافقونه في جهاده، ومن أشعاره: «تعالوا نذكر الله لأننا لسنا بدائمين في الدنيا».

لقد كان سلطانًا عالمًا عاقلًا عادلًا شجاعًا، وكان يُرسل لأهالي الحرمين الشريفين وبيت المقدس من خاصة ماله في كل عام ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار، وكان يعتني بشأن العلم والعلماء والمشايخ والصالحين، مَهَّد الممالك، وأمَّن السبل، وأقام الشرع والدين، وأذلَّ الكفَّار والملحدين، وقال عنه يوسف آصاف: «كان تقيًّا صالحًا، وبطلًا صنديدًا، محبًّا للخير، ميَّالًا للرأفة والإحسان».

وبعد رحلة الحياة العامرة تلك تُوُفِّيَ السلطان مراد الثاني في قصر أدرنة في (16 من المحرم 855هـ= 18 من فبراير 1451م) عن عمر يُناهز 47 عامًا، وبِنَاءً على وصيته –رحمه الله- دُفِنَ في جانب جامع مرادية في بورصة، ووصى بأن لا يُبْنَى على قبره شيء، وأن يُبنى أماكن في جوانب القبر يجلس فيها الحفَّاظ لقراءة القرآن الكريم، وأن يدُفن في يوم الجمعة فنُفِّذَتْ وصيَّته.

فيديو قد يعجبك: