إعلان

د. علي جمعة: كيف لنا أن نبني حضارة دون استيعاب مفهوم التوبة في أدبياتنا وثقافتنا

08:53 م الخميس 18 أكتوبر 2018

الدكتور علي جمعة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إيهاب زكريا:

قال الدكتور علي جمعة ، المفتي السابق عضو لجنة كبار العلماء إن التوبة لو فهمناها لأدخلناها عنصراً من عناصر الإدارة، وعنصراً أساساً في الاقتصاد الذي يجري بين الناس، وعنصراً أساساً في الحكم، وعنصراً أساساً في السياسة، خارجيِّها وداخليِّها، وعلى هذا المفهوم كيف لنا أن نبني حضارة دون استيعاب مفهوم التوبة في أدبياتنا وثقافتنا!

وأضاف جمعة، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أن التوبة معنى عظيم، ودلالتنا على المعنى الصحيح الواسع الذي أراده الله ليس معناها أن الفهم المحدود للتوبة محض خطأ، بل هو عجز وقصور، فالمرء إذا ما أذنب ذنباً وجب عليه التوبة، فـ«كلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاء، وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (الترمذي) وكما علّمنا سيدنا محمد ﷺ.

أنك إن فعلت ذنباً وجب عليك أن تقلع عنه، وأن تظهر الندم عليه، وأن تعزم ألا تعود لمثله أبداً، ثم بعد ذلك إن كان متعلقاً بحقوق العباد أن ترد إلى العباد حقوقهم، وإن كان متعلقاً بالله -والله كريم- فإن الله يسامحك ويغفر لك لأنه عفو غفور رحيم، لا تضره المعصية كما لا تنفعه الطاعة.

وكتب فضيلة المفتي السابق: والتوبة ينتج عنها المراجعة، ولما أن فرَّغنا التوبة من معناها الدنيوي وقصرناها على غيب الآخرة فسر المفسرون قوله تعالى: (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) أي: إلى مدة حياتكم، ولكننا إن أرجعنا لها المعنى الواسع، فيظهر لنا ضرورة المراجعة الدائمة، لأن فن المراجعة وسنة الله سبحانه وتعالى فيه أن يستمر ذلك دائماً، ويرشدنا سيد الخلق ﷺ إلى أن نفعل ذلك كل يوم، فالله يصحح لنا أعمالنا ويحفظ علينا نظامنا وييسر لنا أفعالنا إلى أجل مسمى.. لابد بَعدَه -قصر أو طال- من مراجعة أخرى.. ومن توبة ثانية.. من بعد توبة.

وتابع د. علي جمعة: ليتيقن المرء أن الله «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» يصلح الحال إذا ما تحققنا بهذا، ولا يكفي واحداً فينا أن يفعل ذلك حتى يتغير المجتمع أو تصحو الأمة (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) إذا أراد المؤمن أن يكون واحداً من أمة ويريد لهذه الأمة أن تتقدم البشر وأن تقوم برسالتها، وأن تكون لها العزة والكرامة فعليه أن يفعل ذلك وأن يأمر غيره به، فواحد لا يكفي، من تاب على مستواه بارك الله له في حياته وجعله مفلحاً فيها ولا نرى أثر ذلك في الأمة إلا إذا تحرك جمع منا يتوب إلى الله فينصر الله به الأمة.

ويقـول ربنا سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)، و«نَصُوحاً» من النُّصح، ويقول ﷺ: «الدِّينُ النَّصِيحَة» (مسلم)، ونفهم نحن «نَصُوحاً» على أنها توبة صادقة، ولكن لو تعمقنا في «النون والصاد والحاء» في «النصح»، وجدنا أن النُّصح هذا له أركانه وله شروطه، ومنها أن نكون مجتمعاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، عن صواب وعلم ووعي وإخلاص، وقد فنيت حضارات عديدة بسبب إغفالها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وأكد فضيلة المفتي السابق أن هذه خلاصة النصيحة.. فإذا عرفنا ذلك عرفنا أن توبتنا ينبغي أن تتصف بتلك الصفات: أن تكون لله، وأن تكون صادقة، وأن تكون ذات همة.. وهذه الهمة إنما هي لتغير أحوالنا إلى أحسن حال- كما يريدنا الله عز وجل- في جانبيها: في جانب الشهادة وفي جانب الغيب، لأنه سبحانه وتعالى عالِم الغيب والشهادة، وبيده الملك والملكوت، وهو رب الدنيا والآخرة، فالاختزال بتر لمراد الله من أوامره وإرشاداته..! ونحن نأمل أن يعود الأمر إلى الأمر الأول، لا أن نهتم بدنيانا ونترك آخرتنا، ولا أن نهتم بآخرتنا ونترك دنيانا، ولكن علينا أن نفهم عن الله مراده كما أراد، فنعبده كما أراد سبحانه، ونعمر كونه كما أرشدنا في كتابه، ونزكي أنفسنا مثلما دلنا في هدى نبيه ﷺ.

فيديو قد يعجبك: