إعلان

الإمام الخضر حسين .. الجزائري الذي تولى مشيخة الأزهر وكتب استقالته يوم توليته

01:58 م السبت 16 سبتمبر 2017

بقلم - هاني ضوه :

في ١٦ أغسطس ١٨٧٦م الموافق 26 رجب 1293هـ بمدينة "نفطة" التونسية، ولد الإمام الأكبر فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله لأسرة جزائرية فأبوه من عائلة "العمري" من قرية "طولقة" بمدينة "بسكرة" الجزائرية، وأمه من "وادي سوف" بالجزائر.

حفظ الشيخ الخضر حسين القرآن الكريم، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة سنة (1305هـ - 1887م) وهو في الثانية عشرة من عمره، والتحق بجامع الزيتونة، وأكبَّ على التحصيل والتلقِّي، وكانت الدراسة فيه صورة مصغرة من التعليم في الجامع الأزهر في ذلك الوقت.

ثم تخرَّج محمد الخضر الحسين في الزيتونة غزير العلم، واسع الأفق، فصيح العبارة، محبًّا للإصلاح، فأنشأ مجلة (السعادة العظمى) سنة (1321هـ - 1902م) لتوقظ الغافلين من أبناء أمته، وتفضح أساليب الاستعمار، وترشد الناس إلى مبادئ الإسلام وشرائعه.

وقد لفت الأنظار إليه بحماسه المتقد ونظراته الصائبة، فعُهد إليه بقضاء “بنزرت”، والخطابة بجامعها الكبير سنة (1324هـ - 1905م)، لكنه لم يمكث في منصبه طويلاً، وعاد إلى التدريس بجامع الزيتونة وتولى تنظيم خزائن كتبه، ثم اختير للتدريس بالمدرسة الصادقية وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس، وقام بنشاط واسع في إلقاء المحاضرات التي تستنهض الهمم، وتنير العقول وتثير الوجدان، وأحدثت هذه المحاضرات صدى واسعًا في تونس.

مصر .. بداية الرحلة ونهايتها

ولما قامت الحرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا جاهد الشيخ الخضر حسين بقلمه ولسانه مع الدولة العثمانية التي كانت هي دولة الخلافة حينها، ورفض العمل في محكمة فرنسية، فضيق الاستعمار الفرنسي عليه الخناق فاضطر إلى مغادرة تونس عام 1910م واتجه إلى إسطنابول.

ومن اسطنابول بدأت رحلة الشيخ الخضر حسين وبدأها بزيارة مصر وهو في طريقه إلى دمشق ومنها إلى اسطنابول ليعود مرة أخرى لتونس بعد فترة قصيرة، إلا أنه سرعان ما استقر في دمشق وظل في حل وترحال إلى أن وصل إلى مصر ليستقر هناك عام 1920م، واشتغل بالبحث وكتابة المقالات، ثم عمل محررًا بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، واتصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر وتوثقت علاقته بهم، ثم تجنَّس المصرية، وتقدَّم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، وعقدت له لجنة الامتحان برئاسة العلامة عبد المجيد اللبان مع نخبة من علماء الأزهر الأفذاذ، وأبدى الطالب الشيخ من رسوخ القدم ما أدهش الممتحنين، وكانت اللجنة كلما تعمَّقت في الأسئلة وجدت من الطالب عمقًا في الإجابة وغزارة في العلم، وقوة في الحجة، فمنحته اللجنة شهادة العالمية، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة بالطالب العالم أن قال: “هذا بحٌر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حِجاج”.

توليه مشيخة الأزهر

وذاع صيت وعلم الشيخ الخضر حسين في مصر حتى نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة “القياس في اللغة العربية” 1950م، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخا للجامع الأزهر في (26 ذي الحجة 1371هـ الموافق 16 سبتمبر 1952م)، وكان الاختيار مفاجئًا له فلم يكن يتوقعه أو ينتظره بعدما كبر في السن وضعفت صحته.

ورغم ذلك كان للشيخ الخضر حسين أثرًا كبيرًا في الأزهر الشريف بعد توليه المشيخة فقد كان صادعًا بالحق ولا يخشى في الله أحدًا وتصدى لكثير من الدعوات الهدامة وكان قوله دائمًا: "إن الأزهر أمانة قي عنقي أسلمها حين أسلمها "، وكان كثيرا ما يردد: "يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء".

ولم يلبث الشيخ الخضر أن قدم استقالته احتجاجًا على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، فقدم استقالته من مشيخة الأزهر في 7 يناير 1954م.

استقالته يوم تعيينه

ومن المواقف التاريخية العجيبة للإمام الأكبر الشيخ الخضر حسين أنه لما تولى مشيخة الأزهر كتب استقالة غير مؤرَّخة من صورتين، احتفظ بإحداهما في مكتبه، وأعطى الأخرى للشيخ بسيوني مدير مكتبه، وقال له: "إذا رأيتني ضعيفًا في موقف من المواقف فابعث بالصورة التي معك إلى المسؤولين نيابةً عني، وهذه مسؤوليتك أمام الله".

وفاته

وبعد استقالته من المشيخة تفرغ للبحث والمحاضرة حتى انتقل إلى رحمه الله في مساء الأحد 28 من فبراير 1958م، ودفن بجوار صديقه أحمد تيمور باشا بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: "إن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالما ضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شئونهم، حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكار منابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم".

فيديو قد يعجبك: