إعلان

النساء وقضايا الحوار.. نافذة على الواقع

هبة صلاح

النساء وقضايا الحوار.. نافذة على الواقع

06:44 م الثلاثاء 24 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم/ هبة صلاح

باحثة ومترجمة-دار الإفتاء المصرية

شارَكت منذ أيام في مؤتمر مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) الذي عُقد في العاصمة النمساوية، فيينا في الفترة من 11-12 ديسمبر تحت عنوان: "الحوار بين أتباع الأديان وأهداف التنمية المستدامة-المواطنة والتماسك الاجتماعي"، وهو المؤتمر الأول الذي يجمع شبكة زملاء كايسيد من مختلف البرامج الدولية والعربية بهدف تسليط مزيدًا من الضوء وتقديم تفاصيل أكثر عن أهمية الحوار في النهوض بحقوق الإنسان وخطة التنمية لعام ٢٠٣٠.

في الوقت الذي يسعى فيه العالم جاهدًا نحو تحقيق الأهداف التي حددتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، انطلق مؤتمر كايسيد كي يعلن دعم أهداف التنمية المستدامة التي بدورها تدعم الحوار بين الأديان والثقافات بشكل أساسي، ولذا خصص المؤتمر جلساته على مدار يومين للأهداف الأربعة وهي: الهدف الرابع حول التعليم والهدف الخامس حول تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، والهدف السادس عشر وهو إقامة مجتمعات مسالمة والهدف السابع عشر حول تعزيز وسائل التنفيذ ووسائل الشراكة من أجل التنمية المستدامة.

بالنظر إلى الهدفين الرابع والخامس وهما التعليم وتمكين النساء لدعم أهداف الحوار نجد بينهما ارتباطا وثيقا، حيث لا يمكن تمكين النساء دون تعليم، ولذلك التعليم هو أول قضية لابد أن نسلط عليها الضوء، إلا أنني ومن خلال جلسة النقاش التي شاركت فيها على هامش المؤتمر وكان موضوعها "إسماع أصوات النساء في عملية الحوار: ضمان المشاركة الكاملة والفاعلة للمرأة في عمليات الحوار وصنع القرار"، خَلُصت إلى أن غالبية النساء في وطننا العربي لا يفهمن معنى أهداف التنمية المستدامة في الأساس أو ما الذي يتحدث عنه هؤلاء المؤتمرين؟ تأكدت لدي هذه الفكرة في حوار بعد الجلسة مع واحدة من الأساتذة التي شاركت على المنصة في الحوار حيث أكدت نفس المفهوم في حوار بيننا.

تلك هي أول مشكلة على طريق تحقيق الهدف الخامس، لكنها ليست المشكلة الوحيدة، وإنما هناك حاجة إلى التواصل والتشبيك بين المؤسسات والأفراد المعنية بهذا الشأن، فبالرغم من أن الدين يمثل عنصر أساسي من هوية الأفراد في المجتمعات العربية، إلا أننا نجهل تمامًا أن الهدفين الرابع والخامس من من أهداف التنمية المستدامة هي تشريع سماوي جاءت به الرسالات السماوية، فأول آية نزلت في القرآن الكريم على نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) هي "اقرأ"، وهي الهدف الرابع من تلك الأهداف، والخطاب هنا في هذه الآية إلى الإنسان عامة، رجال ونساء على حد سواء دون تميز، فالتعليم حق للرجل والمرأة، وهو ما ينادي به الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة من المساواة بين الجنسين وما نحن بصدده في هذا السياق.

في ظل تلك الجهود الحثيثة للتغلب على كل أشكال التمييز بين الجنسين، والتي تسببت ممارسات العادات والتقاليد الخاطئة باسم الدين في خلق حالة من اللبس في فهم الدين ذاته داخل المجتمعات، نجد أن واقع النساء أنفسهن يحتاج إلى التأمل قبل النزول إلى أرض المعركة إن صح التعبير، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من بين الأسئلة التي تطرحها النساء على المفتين في وقتنا الحالي أسئلة مثل: هل من حقي أن أكمل دراستي في الجامعة حيث يوجد طلاب من الجنسين؟ هل يجوز للنساء المشاركة العلمية في تأليف كتب بالتعاون مع الرجال؟ هل يجوز لي السفر لاستكمال دراستي بالخارج؟ هل يجب على الزوجة خدمة أهل زوجها؟ ما حكم الحجاب؟ من الذي يجب عليه النفقة في البيت وعلى الأولاد، الرجل أو المرأة؟ زوجي يعنفني لفظيا وبدنيا، ماذا أفعل؟ إلخ.

تلك الأمثلة تعد مؤشرا واضحا على أن الواقع الذي تعرفه وتعيشه النساء مغاير تماما لما جاءت به الأديان، ويجعل من الصعب وضع تصور عن كيفية إدماج النساء في قضايا الحوار والحال هكذا.

من هنا يجب اتباع خطوات منطقية للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة، لابد أن يكون لدينا تصور لما نحن عليه الآن "فالحكم على الشيء فرع عن تصوره"، كما جاء في القاعدة الفقهية، هنا نجد ضرورة مُلِحة للتعاون بين القائمين على قضايا الحوار من جهة، والقائمين على الخطاب الديني السائد في المجتمعات من جهة أخرى ثم يأتي دون الإعلام في إبراز هذه العناصر في صورة راقية بلغة بسيطة بعيدة عن التحيز أو تحريض طرف ضد الطرف الآخر.

إن دور النساء في المجتمعات العربية قديما وخاصة في عصر صدر الإسلام لم يعرف أو يشهد ما نحن عليه الآن من تخبط واضطراب وإحساس بالدونية، وإنما النساء كن شريكات للرجال في صنع واتخاذ القرار، وكان الحوار أساس تلك المجتمعات، فمن الأمثلة التي أقف أمامها وأجدها خير مثال لما كان عليه الحوار، قوله تعالى في سورة المجادلة: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا"، وهي خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، وقد مر بها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خلافته والناس معه، فاستوقفته طويلا ووعظته، فقال له من كانوا معه: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال والله لو حبستني من أول النهار لآخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة. أتدرون من هذه العجوز؟ سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أسمعها رب العالمين ولا يسمعها عمر؟ سورة كاملة في القرآن سماها الله "المجادلة" كي يعلمنا أن الحوار هو حل للمشكلات، ولكي يرسخ المُشرِع لفكرة المساواة في الحوار بين الجنسين جعل قصة ثعلبة مثال يتلى إلى ما لا نهاية، لكن مشكلتنا الحقيقية هي أننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم أو نعقل ما قرأنا، ولذا فلا تتجاوز القراءة محل نظرنا في الكتب.. وللحديث بقية.

موضوعات متعلقة..

- مصراوي يحاور صاحبة مبادرة "أصواتهن للسلام": نستهدف تصحيح مفاهيم خاطئة لرواد سوشيال ميديا

- "تزويج" الأطفال في زمن الحداثة

إعلان

إعلان

إعلان