إعلان

الأزهر الذي قصم الحملة الفرنسية وأغلقه نابليون.. "الليمونة التي قتلت عاصرها"

04:42 م الأربعاء 20 يونيو 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - هاني ضوه:

الجامع الأزهر الشريف لم يكن مجرد مسجد تقام فيه الصلوات فحسب، ولا جامعة يتجمع فيها طلبة العلم من شتى بقاع الدنيا ليتلقوا العلوم الشرعية على يد أكابر العلماء، بل كان فوق كل ذلك مركزًا للمقاومة ضد المحتلين على مر العصور.

ولا أدل على ذلك مثل فترة الحملة الفرنسية المحتلة لمصر والتي أدركت خطورة الأزهر الشريف وعلمائه وطلبته في محاربة احتلالهم والمقاومة العنيفة التي قادها كبار علماء الأزهر على كافة المستويات، وكان الجامع خلال تلك الفترة الأفضل لدى عموم المصريين والأولى بتلقي العلوم والتفقه في الدين من خلاله وأصبح مركزا لأكبر تجمع لعلماء مصر.

وخلال الحملة الفرنسية على مصر كان الأزهر مركزاً للمقاومة وفى رحابه خطط علماؤه لثورة القاهرة الأولى وتنادوا اليها، وتحملوا ويلاتها وامتهنت حرمته، وفى أعقاب ثورة القاهرة الثانية تعرض كبار علماء الأزهر لأقسى أنواع التعذيب والألم، وفرضت عليهم الغرامات الفادحة، وبيعت ممتلكاتهم وحلي زوجاتهم الذهبية استيفاء لها، وعقب مقتل كليبر فجع الأزهر فى بعض طلبته وفي مقدمتهم سليمان الحلبي، وبينما كان الاحتلال الفرنسي يلفظ أنفاسه الأخيرة حتى صدرت الأوامر باعتقال شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي، وهكذا ظلت تخيم أزمة عدم الثقة بين الأزهر وسلطات الاحتلال الفرنسي حتى آخر أيامه ورحيله عن البلاد.

وقد تجلى ذلك بشكل كبير عقب سقوط مصر في يد المحتل الفرنسي بعد معركة إمبابة، وحينها أصبح المحتل وجهاً لوجه مع الأزهر، الذي قاد مقاومة عنيفة على مختلف المستويات من المقاومة التي قادها الشيوخ الكبار داخل المجالس التي شكلها نابليون لحكم مصر، إلى المقاومة الوطنية العنيفة التي قادها الشيوخ الصغار بالحركات السرية وأعمال المقاومة الشعبية، وتصاعد الصدام الذي انتهى بإغلاق أبواب الأزهر بعد مصرع (كليبر) على يد سليمان الحلبي أحد طلبة الأزهر الشريف وذلك يوم 20 يونيو عام 1800 ميلاديًا وظل مغلقًا حتى رحيل الحملة الفرنسية عن مصر.

يقول محمد جلال كشك في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر" إنه بعد أن بطش كليبر بالمصريين قتلاً وحرقا وسبياً وبعدما اعتصر البلاد "كما يعتصر الشربتلي اللمونة"- على حد وصفه- حيث أفلسها بالغرامات، وبعدما زرع الأحقاد الممزقة لوحدة الأمة، ظن أن "الليمونة المعصورة" فقدت قدرتها على الحياة، فإذا بالليمونة تعصره وتقذفه إلى الفناء.

وفي شهر يونيو عام 1800 ميلاديًا وقعت حادثة كبيرة أربكت الحملة الفرنسية وقائدها نابليون بونابرت، فبعد أن قويت آمال كليبر في تخليد ذكراه في وادي النيل لتأسيس مشروعات سياسية وعسكرية بعيدًا عن بونابرت، تبددت تلك الآمال في لحظة اعتداء بخنجر نفذها شخص سوري من حلب يدعى سليمان الحلبي أنهت حياة القائد العام لجيش الشرق عصر يوم 14 يونيو عام 1800، وأسهمت في تبدل مصير الحملة الفرنسية في مصر.

كان كليبر ذهب إلى جزيرة الروضة لتفقد عرض عسكري لكتيبة من الأروام انضمت للجيش الفرنسي في مصر، عاد بعدها بصحبة المهندس المعماري "بروتان" لمتابعة أعمال ترميم مقر القيادة العامة ودار إقامته في الأزبكية الذي أصيب بأضرار خلال انتفاضة القاهرة الثانية، وانصرفا معا إلى دار الجنرال "داماس"، رئيس الأركان، لتناول الغداء مع مجموعة من القادة وأعضاء المجمع العلمي.

عاد الاثنان إلى مقر القيادة العامة وكانت حديقة القصر تجاور منزل داماس، وبينما كان كليبر وبروتان يسيران في الحديقة خرج عليهما رجل اقترب من كليبر مستجديا شيئا، فلم يخالج كليبر ارتياب من نوايا الرجل فمد إليه يده، فطعنه سليمان الحلبي طعنة في قلبه، وأسرع بروتان للإمساك به فكان نصيب المعماري ست طعنات سقط بها على الأرض.

وعاد الحلبي إلى كليبر مرة أخرى وطعنه ثلاث طعنات للتأكد من قتله، على الرغم من أن الطعنة الأولى كانت القاضية على حياة الجنرال وفقا لتقرير كبير أطباء وجراحي الحملة الفرنسية "ديجنيت".

تلقى أهالي القاهرة نبأ اغتيال كليبر بخوف وحذر من ثأر الفرنسيين، بينما تلقاه الفرنسيون بحزن وحذر من اندلاع انتفاضة ثالثة من الأهالي، وهددوا بالثأر وإحراق المدينة انتقاما لمقتل قائدهم، وأُطلقت دوريات عسكرية للبحث عن الجاني، أما سليمان فقد اختبأ في حديقة مجاورة إلى أن أمسكوا به ومعه الخنجر الذي ارتكب به الحادث (والذي يحتفظ به الفرنسيون إلى يومنا هذا في متحف الإنسان بقصر شايو في باريس مع جمجمة سليمان الحلبي في علبة من البلور مكتوباً تحتها: جمجمة مجرم).

حكمت المحكمة بإحراق اليد اليمنى لسليمان الحلبي وإعدامه على خازوق مع ترك جثته للطير، وإعدام شركائه بقطع رؤوسهم وإحراق جثثهم بعد تنفيذ الإعدام ومصادرة أموال المتهم الهارب عبد القادر الغزي، وبراءة مصطفى البرصلي وإطلاق سراحه.

وبالفعل بعد مراسم تشييع كليبر بدأت مراسم إعدام سليمان الحلبي، وقُطعت رؤوس الأزهريين أمامه، ثم أحرقت يده وأُعدم على الخازوق، وسرعان ما تفرق الحاضرون بعد هذا المشهد وظل الحلبي على قيد الحياة لمدة أربع ساعات، وما إن غادر الجميع حتى أعطاه جندي فرنسي كأس ماء يشربه عجل بموته في الحال، حسبما أشار المؤرخ الفرنسي هنري لورنس في دراسته "الحملة الفرنسية على مصر وسوريا".

وبعدها ونظرًا لإدراك بونابرت لخطورة الأزهر الشريف في مقاومة الاحتلال الفرنسي أمر بإغلاق الجامع الأزهر وظلت أبوابه مغلقة حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية ورحيل الاحتلال الفرنسي في أغسطس 1801.

* مصادر:

- كتاب "ودخلت الخيل الأزهر" - محمد جلال كشك.

- كتاب "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" - المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي.

- موسوعة ويكيبيديا

فيديو قد يعجبك: