إعلان

المساواة في الميراث.. مطلب صادم أيّـده واقع ظالم

المساواة في الميراث.. مطلب صادم أيّـده واقع ظالم

08:44 م الخميس 29 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. هبة صلاح
باحثة ومترجمة بدار الإفتاء المصرية

إن قضية المساواة بين الجنسين في الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية أصبحت حديث الساعة في العالم وليس في العالم العربي أو الشرق الأوسط فحسب، غير أنه لابد من الاعتراف بأن هناك فروقاً تميز كل منطقة عن الأخرى ويتحكم في هذه الاختلافات عامل واحد فقط هو "الأعراف الاجتماعية".

السؤال الذي لا ينتبه إليه الكثير ممن يتعجبون من هذه الحالة هو: ما الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة هذه المطالبات في المجتمعات العربية حتى وصلت إلى المطالبة بالمساواة في الميراث في بعض دول العالم العربي؟
بالنظر إلى السياق العربي عامة والسياق المصري خاصة، نجد حالة من الواقع الاجتماعي المضطرب سببه الأول هو توتر العلاقات بين الجنسين بسبب الأعراف والتقاليد الاجتماعية الناتجة عن إلصاق هذه العادات زورًا بشرائع الدين ومن ثمّ تأتي تصرفات بعض الفئات في المجتمع صادمة وظالمة ظنا منهم أن هذا (دين)!
إذا أردنا أن نخصص الحديث هنا عن قضية المساواة في الميراث التي سببت جدلا واسعًا مؤخرًا، سيأخذ الحديث صورة أخرى تعتني بالحاجة إلى دراسة الواقع في الأساس؛ فعلم المواريث يطلق عليه في علوم الشريعة (علم الفرائض) وكلمة الفرائض جمع لكلمة فريضة، والفريضة هي ما أوجبه الله على عباده من حدوده التي بينها بما أمر وما نهى عنه. ولذا فالميراث فريضة من فرائض التشريع مثله مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، أي من ثوابت الدين التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص.
هناك من يحافظون ويحرصون على إقامة الصلاة وصوم رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت، لكن عندما تطالبه أخته أو زوجته أو أمه أو من لها حق في ميراث شرعي في تركة ما يأكل حقها ويحرمها من ميراثها لأن أعراف مجتمعه "تنص" على أن النساء لا ترث والرجل هو القوام يرعى وينفق ولذا أعطاه الله ضعف ما أعطى للمرأة، فطالما أنها لا ينقصها شيء فهي ليست بحاجة إلى مال أو أي نصيب في التركة، وهذا كلام أيده واقع النساء في صعيد مصر وهنّ لسن عنه ببعيد!

مجموعة من الأعراف والتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان سادت في عصور الجاهلية قبل الإسلام رُسخت منذ عقود، ومازالت قائمة في صعيد مصر تحرم النساء من الميراث، بل والأدهى من ذلك يطلق "حق العيب" على نساء حصلن على نصيبهن، حتى مع تعديل مادة المواريث رقم 77 من القانون 1943، التي تُجرم حرمان المرأة من الميراث، وتعاقب المخالف بالحبس والغرامة، فحصول المرأة على ميراثها في صعيد مصر، لا تزال حتى اللحظة فريضة غائبة ويلصقون هذا زورا وبهتانا بالدين الذي ظلم المرأة، فعن أي ظلم يتحدث هؤلاء؟ هل ظلمها أنها في أربع حالات فقط أعطاها الله نصف ما يحصل عليه الرجل وفي باقي الأحوال يكون نصيبها مساوياً له أو ضعفه؟ أو ظلمها لأنها لا تأخذ أياً من هذه الحقوق في الأساس بسبب أعراف وعادات اجتماعية من زمن الجاهلية؟!
كلما حاولت التفكير في فكرة المساواة في الميراث في "الأربع" حالات التي حددها الله، أجد هذا الواقع الذي نشاهد ونسمع فيه يوميا مئات الحالات من خلط الأوراق بين الدين والأعراف هو سبب زيادة وتيرة ضياع حقوق النساء حتى وصل الأمر بهن إلى سلوك كل الطرق والمذاهب للمطالبة بالمساواة، والحال أصلا كما شرعه الله في القرآن دستوراً وهادياً ليس به ما يثير كل هذا الكم من عدم المساواة، بلغة أخرى نحن من حضرنا العفريت ولا نستطيع أن نصرفه!
الآيات القرآنية الخاصة بتحديد الأنصبة الشرعية للورثة واضحة وضوح الشمس لكل ذي عينين وألقى السمع وهو شهيد وتتحدى في معناها المباشر الصريح غير القابل (للتأليف) أن الآيات لم تظلم المرأة وإنما من ظلم المرأة وهضم حقها هو واقع غريب تتحكم فيه النزعة القبلية والجاهلية ولا سبيل إلى تغييره إلا إذا شاء الله، هذا الواقع مثبت ومحقق في لجان الفتاوى الخاصة بفض المنازعات المتعلقة بأنصبة الميراث، فهناك من يتنازل عن حقه لأخته أو زوجته أو أمه عن طيب خاطر وهناك من ينتزع حقها في الميراث بكل أريحية.
فمن أراد وطالب بالمساوة في الميراث، فليعلم أنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

إعلان

إعلان

إعلان