إعلان

"فتاوى الدم والنار" تكريس لـ"الإسلاموفوبيا"

طارق أبو هشيمة.. رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية ب

"فتاوى الدم والنار" تكريس لـ"الإسلاموفوبيا"

08:01 م الجمعة 02 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - طارق أبو هشيمة

رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء

تمثل ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي تعني الخوف من الإسلام والمسلمين، كابوسًا مخيفًا لكل غيور على هذا الدين الذي يدعو دائمًا إلى التسامح والتعايش السلمي بين الجميع، وهذا ما يدفعنا لإثارة تساؤل مهم في هذا الإطار: كيف السبيل لبيان صورة الإسلام الصحيحة لدى الغربيين؟ وما العمل لجعل المواطن الغربي والدول الأجنبية يُفرّقون بين الأقلية العنيفة المتطرفة والجماعات المتشددة، وبين الأغلبية المسلمة المعتدلة الداعية إلى نشر روح الإسلام السمحة؟ هذا هو التحدي الحقيقي لدعاة الإسلام وعلمائه.

في شهر مارس الماضي طردت السلطات الفرنسية إمامًا مغربي الجنسية بسبب “فتاوى حول الجهاد”، كان يلقيها في خطبة بمسجد “تورسي” الواقع بضواحي باريس.

وألقى الإمام المغربي خطابات متطرفة تضمنت دعوات لشن هجمات ضد الغرب، والذين كان يصفهم بــ"أعداء الإسلام"، وعلى الفور أغلقت السلطات الفرنسية المسجد “لاعتباره مكانًا لتمرير أفكار متشددة ودعوات إلى الجهاد”.

ولا غرو أن مثل تلك الدعوات تزيد من قناعة الرأي العام الغربي ووسائل الإعلام الأجنبية أن الدين الإسلامي خطر داهم يهدد قيم الغرب وحياته، بزعم أن أسلوبه يتعارض مع أساليب الحياة الحديثة التي صارع الغرب ليؤسسها بعد أن تحرر من سلطة الكنيسة والتشريعات والقوانين الدينية.

وقد نشر مركز الفكر الغربي (CWESTT)، وهو مؤسسة علمية بحثية، أن بعض المصطلحات ارتبطت في الصورة الذهنية للمواطن الغربي بمعان ساهمت في انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وبالتالي إبراز العداء للإسلام والمسلمين، فذكر أن كلمة "فتوى" (Fatwa) بات يفهمها بعض الغربين غير الملمين باللغة العربية والفقه الإسلامي (وهم الغالبية منهم) أنها تعني "حكم بالقتل ضد شخص" والسبب انتشارها إعلاميًّا مع فتوى الخميني ضد الروائي سلمان رشدي الذي حثت على قتله لازدرائه الدين الإسلامي.

كما ارتبطت عبارة (Sharia Law) "الشريعة؛ الحكم بالشرع" بالزواج المبكر للإناث دون سن الـ18 عامًا، الأحكام "البربرية/الهمجية/الوحشية" ضد السرقة والزناة والشواذ والمثليين ومنع بعض الأطعمة التي يحبها الإنسان الغربي مثل لحم الخنزير والخمور، والتضييق على المرأة في ملبسها، ومنع النساء من تولي مناصب في الدولة...وغيرها.

والعودة إلى تعاليم الإسلام السمحة هي أول خطوة في الطريق القويم للقضاء على فزاعة هذه الظاهرة وغيرها؛ وبالتالي تحسين صورة الإسلام للقضاء على التمييز العنصري من قبل بعض الأفكار المتطرفة في الغرب.

والحق أن تعاليم الإسلام السمحة لا السيف، كما يدعي بعض كارهي هذا الدين، كفلت للناس كافة حريتهم، لا لأتباعه وحدهم، بل لكل من عاشوا في ظلاله، سواء كانوا مسلمين أم غيرهم؛ في رسالة مفادها أن وحدة الإنسان وحدةٌ يعمها العدل والرخاء والسلام والأمان.

وقد خرج المؤشر العالمي للفتوى، والذي أطلقته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم برعاية دار الإفتاء المصرية مؤخرًا، بتوصيات ونتائج تخص هذا الجانب تحديدًا، والتي كان من أبرزها التوسع في إنشاء مجامع فقهية تُعنى بأحكام النوازل وفتاوى الأقليات المعاصرة.

أما في جانب المفتين فقد قال المؤشر إنه يجب على الأئمة والدعاة مراعاة اختلاف أعراف وظروف وأحوال البلاد الإسلامية قبل إصدار الفتوى، والدعوة إلى دعم المدارس الإسلامية بالدول الأجنبية وتزويدها بالمعلمين والمفتين، وكذلك توفير المعلمين لتدريس الدين الإسلامي بالمدارس، فضلاً عن توفير الكتب الإسلامية للدارسين وفق منهج موحد بمرجعية الأزهر الشريف.

كما أبرز المؤشر أهمية توحيد النشاط الإسلامي الغربي، وتنقية العمل الإسلامي من الشيوخ المتطرفين الذين يقومون بتشويه صورة الإسلام، والوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تصاعد ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) في الدول الأجنبية، لا سيما بعد تفعيل دور الحركات المتطرفة والدعاية ضد الإسلام والمسلمين ظلمًا من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية.

هذا كله فضلاً عن التنسيق بين المؤسسات الإسلامية في الدول الأجنبية بمختلف جنسياتها وتوجهاتها في تصحيح صورة الإسلام في الغرب، ودعوة الحكومات والمؤسسات المعنية للوقوف ضد التيارات اليمينية المتطرفة التي تغذي بدعايتها السوداء تيارات العنف والتطرف.

إن "الإسلاموفوبيا" هي ظاهرة لها أسبابها الواضحة الجلية، نتجت في غالبية مستوياتها كرد فعل لأعمال العنف والإرهاب التي جرت باسم الدين بعد تطويع بعض الفتاوى لتلك الأفعال والأعمال من قِبل الجماعات المتطرفة، لذا لا بد من تغيير جذري مع وجود آليات جديدة لتلك المفاهيم والمناهج الدينية الداعية للعنف، والتي تتعارض وبصورة كلية مع كل القيم الإنسانية الحضارية المتعارف عليها بين البشر، كل البشر.

إعلان