إعلان

المولد النبوي الشريف بين السُّنية والبدعية وكيفية الاحتفال

د. السيد عرفة

المولد النبوي الشريف بين السُّنية والبدعية وكيفية الاحتفال

01:54 م الأحد 18 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم د. السيد عرفة

عضو مركز الأزهر العالمي للرصد والإفتاء الإلكتروني

إن الاحتفال بميلاده ﷺ تعظيمٌ واحتفاءٌ بالجناب النبوي الشريف، وهو عنوان محبَّته التي هي ركن من أركان الإيمان.

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (1/ 48، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): (محبَّة النبي ﷺ من أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها اللهُ بها، وتَوَّعَدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء من الأمور المحبَّبة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك).

والمراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف: يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد فى مدحه والثناء عليه ﷺ، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله ﷺ، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم ﷺ إلى الدنيا، فميلاده ﷺ كان ميلادًا للحياة.

قال تعالى:﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾[يونس: 58]، والنبي ﷺ هو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فضلُ الله: العلمُ. ورحمتُه: مُحَمَّد ﷺ؛ قال الله تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين ﴾" أخرجه أبو الشيخ في "تفسيره".

من السنة النبوية:

كان النبى ﷺ إذا سُئِل عن صوم يوم الاثنين، فقال: «ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فِيهِ» وهذا إيذانٌ بمشروعية الاحتفال به ﷺ بصوم يوم مولده.

وهو ليس من البدع التى يتحدث عنها البعض:

لابد ان نعرف معنى البدعة؟ لان الدين علم .. فلابد من العلم في دين الله؟

معنى البدعة وأقسامها، إذ ليس كل بدعة تنكر بل حسب ماهيتها، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري شرح البخاري: (البدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة)، وقال الإمام المحدث الفقيه أبو شامة المقدسي في الباعث على إنكار البدع والحوادث: (فالبدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي وذلك نحو بناء المنابر والربط والمدارس وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر، ثم ذكر .. ومِن أحسن ما ابتُدِع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يُفعَل بمدينة إربل -جبرها الله تعالى-كلَّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي ﷺ من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور؛ فإن ذلك -مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء- مشعرٌ بمحبة النبي ﷺ وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله، وشكرًا لله تعالى على ما منَّ به مِن إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين).

قال الإمام النووي في شرح مسلم عند الكلام عن حديث:" من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة" وحديث:" من دعا إلى هدى ومن دعا إلى ضلالة" قال النووي: هذان الحديثان صريحان في الحثِّ على استحباب سن الأمور الحسنة وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة وأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان ذلك الهدي والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك).

قال السخاوى رحمه الله في "الأجوبة المرضية" (1/ 1116، ط. دار الراية) فقال: ثم ما زال أهل الإسلام فى سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون فى شهر مولده ﷺ وشرف وكرم يعملون الولائم البديعة المشتملة على الأمور البهجة الرفيعة، ويتصدقون فى لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون فى المبرات بل يعتنون بقراءة مولده الكريم وتظهر عليهم من بركات كل فضل عميم).

وقد دَرَجَت الأمة الإسلامية منذ القرن الرابع والخامس من غير نكير على الاحتفال بمولد الرسول ﷺ بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام والصيام والقيام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله ﷺ ، كما نص على ذلك المؤرخون؛ كالحافظ ابن الجوزي وابن دِحية وابن كثير وابن حجر والسيوطي وغيرهم كثير، رحمهم الله تعالى.

وعليه: فالاحتفال بميلاده ﷺ جائز، وهو من سبل إظهار المحبة لرسول الله ﷺ.

كيفية الاحتفال بالمولد النبوي:

وحين نحتفل بذكرى مولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذه الأيام، فإننا يجب علينا أن نهتدى بهديه ونتحلى بأخلاقه الكريمة التى نحن فى أمس الحاجة إليها اليوم، ونستلهم من سيرته العطرة ما يعيننا على العبور بسلام من تلك المرحلة الدقيقة فى تاريخنا، ونتلمس من سبل الهداية فى منهجه الحكيم ما يعالج مشكلات واقعنا وقضايانا المعاصرة، وبيان موقف الإسلام من الجرائم التى ترتكب من بعض ممن ينتسبون اليه، وبراءته من كل ما يهدد أمن وأمان البشرية جمعاء وليس المسلمين فقط.

التذكير بسنته وسيرته:

رسول الله ﷺ هو النبي الوحيد، بل الإنسان الوحيد الذي حفظت سيرته وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته في اليقظة والمنام بهذا الشكل، فلم يهتم أحد بحفظ سيرة أحد على الأرض على مر التاريخ على هذا النحو، واهتم المسلمون بنقل كل شيء عن رسول الله ﷺ ، وأنشئوا العلوم لحفظ سيرته وسنته، ولقد بدأ هذا في الصدر الأول للإسلام، فابن عباس - رضي الله عنه - يتحرى الليلة التي يأتي فيها النبي ﷺ إلى خالته ميمونة ـ إحدى زوجاته رضي الله عنها ـ ويبيت عند خالتي حتى يراقب النبي ﷺ في أكله ونومه وعبادته، ويتمثل به كما روى ذلك مسلم وغيره.

فكان حفظ سيرته وأخباره في كتب الصحاح والسنة والسيرة دليل واقعي تاريخي آخر على خصوصية وفضل ذلك النبي العظيم ﷺ، فليس هناك تسجيل تاريخي تفصيلي، حفظ بتلك الهيئة لأحد إلا له ﷺ.

قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقال ﷺ: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه". وقال ﷺ: " ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله ﷺ كما حرم الله ". وعن حسان بن عطية قال: "كان جبريل ينزل على رسول الله ﷺ بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن".

فأدرك الصحابة ومن بعدهم أهمية ما يصدر عن النبي ﷺ من أقوال وأفعال وحركات وسكنات وقاموا بتسجيلها لحفظ ذلك الدين الخاتم.

حضور مجالس الذكر والمديح:

وهذه المجالس مرغب فيها شرعا؛ لأن فيها من الخير الواضح ما لا يخفى على أدنى متأمل ومنصف لأن من فضائل مدح النبي، وإظهار السرور به ﷺ، وشد القلوب إلى محبته وتعظيمه وتوقيره، وتذكير الناس بسيرته الطاهرة، ومحبته وتعظيمه وتوقيره واجب شرعا، والوسائل لها أحكام المقاصد.

فقد جاء عن الحافظ ابن حجر فتح الباري: أن المدح "ربما كان مستحباً"، وسبقه إلى بيان ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم فقال:( بَلْ إِنْ كَانَ يَحْصُل بِذَلِكَ مَصْلَحَة كَنَشَطِهِ لِلْخَيْرِ، وَالِازْدِيَاد مِنْهُ، أَوْ الدَّوَام عَلَيْهِ، أَوْ الِاقْتِدَاء بِهِ، كَانَ مُسْتَحَبًّا).

ولا ريب للمتأمل في ذلك أن مدح النبي ﷺ يحصل به الحث على الاقتداء به وعلى حبه وتوقيره ﷺ ؛ وجاءت روايات كثيرة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يمدحون النبي ﷺ في الشعر، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر في حر شديد، وما فينا صائم إلا رسول الله ﷺ وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقد كان من شعراء الصحابة المشهورين، ومما نقله البخاري من شعره في رسول الله ﷺ:

وفينا رسول الله نتلو كتابـــــــه * إذا انشق معروف من الفجر ساطع*

ببيت يجافي جنبه عن فراشه* إذا استثقلت بالمشركين المضاجــع*

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا* به موقنات أن مــــا قال واقــــــع*

ثم إن في مدحه ﷺ شكراً لله عز وجل على إرساله ﷺ ، وعرفاناً لرسول الله ﷺ بالجميل، وقد قال ﷺ فيما رواه أبو داود في سننه ورجاله رجال الصحيحين بروايته عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَتْ الْأَنْصَارُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: لَا مَا دَعَوْتُمْ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ)، وهو مديح، وقد بين الحديث أن ذلك الثناء يجعلهم شركاء في الأجر هم والأنصار، الذين آووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهو أجر عظيم غاية العظم، والأجر لا يكون إلا على طاعة لله تعالى.

وفي مدحه ﷺ شهادة له بما شهد الله له به من البلاغ وحسن الخلق، وكونه قدوة الخير، وفي ذلك أجر عظيم أيضاً والله أعلم.

وفي خلاصة هذا المقال نرى:

حضور مجالس مدح الرسول ﷺ مرغب فيها شرعا وخصوصا في شهر ميلاد النبي ﷺ ، لأن فيها من الخير الواضح ما لا يخفى على أدنى متأمل ومنصف، وفيها شد القلوب إلى محبته وتعظيمه وتوقيره، وتذكير الناس بسيرته الطاهرة، ومحبته وتعظيمه وتوقيره واجب شرعا.

إعلان