إعلان

هل حج الأنبياء السابقون؟ وهل أمروا أقوامهم بالحج؟

03:19 ص السبت 19 سبتمبر 2015

هل حج الأنبياء السابقون؟ وهل أمروا أقوامهم بالحج؟

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

يجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية :

فرض الله تعالى طاعته على الخلق جميعًا؛ فإنهم لذلك خُلقوا، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. [الذاريات:56]، وأرسل رسله الكرام بذلك، ولم تختلف الرسل في ثوابت الرسالة كتوحيد الله وعدم الإشراك به، كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.. [الأنبياء:25]، وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}.. [الزخرف: 45].

أما في فروع الشريعة فقد تختلف الأحكام من شريعة لأخرى كما قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48]، وقال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}.. [النساء:160]، وذكر لنا قول عيسى لبني إسرائيل في ذلك: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} .. [آل عمران:50]، وغير ذلك كما هو معلوم.

ورسل الله هم الذين قال الله تعالى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.. [الأنعام:90]، فلا ريب أنهم أول من يلبي نداء الله بحج بيته، وقد وردت الأحاديث تؤيد وتوضح ذلك إجمالا وتفصيلا، فقد أخرج الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

ويوضح هذه الرواية ما رواه البيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله» وذكر الحديث.

وقد وردت الآثار عن السلف أيضًا بنحو ذلك، فعن عبد الله بن ضمرة السلولي قال: ما بين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيًّا، جاءوا حجاجًا فقُبروا هنالك.

وعن مُجاهد قال: حج خمسة وسبعون نبيًّا، كلهم قد طاف بالبيت وصلى في مسجد منى، فإن استطعت أن لا تفوتك الصلاة في مسجد منى فافعل.

وعن عبد الله بن عباس رضوان الله عليه أنه كان يقول: لقد سلك فج الروحاء سبعون نبيًّا حجاجًا، عليهم لباس الصوف، مخطمي إبلهم بحبال الليف، ولقد صلى في مسجد الخيف سبعون نبيًّا. (روى كل ذلك الأزرقي في أخبار مكة رقم 68، 69، 72، ط. الأندلس).

فهذا بعض ما ورد في حج الأنبياء إجمالا، أما ما ورد في ذلك تفصيلا، فمن ذلك ما ورد النص على بعضهم بأعيانهم، كما في صحيح ابن خزيمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن آدم أتى البيت ألف أتية لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه».

وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ. قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَابِطًا مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ. ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى. قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي. قَالَ هُشَيْمٌ يَعْنِي لِيفًا. وفي مسلم أيضا عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا».

فهذا ما يتعلق بالأنبياء عليهم السلام.

أما ما يتعلق بأقوامهم: فمعلوم أنه ليس كل الأقوام قد آمنوا برسلهم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فأما من كفر فإما أن يكون قد دعاهم نبيهم إلى الحج فأبوا الإذعان بالفرع إذ كفروا بالأصل، وإما أنه لم يدعهم إلى الحج حتى يؤمنوا، كما ورد نظير ذلك في الحديث المتفق عليه عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ». فلما استمروا على عنادهم لم يدعهم إلى ذلك، ويكون هو قد حج ومن آمن معه حينئذ أو بعد هلاك الكافرين، وهذا الأخير قد يستأنس له بما أخرجه الأزرقي في أخبار مكة (رقم 68) عن محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت فيه، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر».

وأما من آمن كبني إسرائيل فإما أن يكونوا قد أمروا بالحج فجحدوا، وهذا ليس مستبعدا؛ إذْ مَنْ قتل الأنبياءَ وعبد الطاغوت لا يستبعد منهم أن يعرضوا عن أمر من الأوامر، أو يكون قد استجابت أمة منهم، كما قال الله تعالى عنهم: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} .. [المائدة: 66] وقال: {لَيْسُوا سَوَاءً} .. [آل عمران:113]، ويستأنس له أيضا بما ذكره الصالحي في كتاب «سبل الهدى والرشاد» (1/212، ط. دار الكتب العلمية) «حج بني إسرائيل وغيرهم: روى أبو نُعيم عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاة. وروى ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: إن كانت الأمّة من بني إسرائيل لتقدم مكة، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيمًا للحرم. وروى الأزرقي وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: حجّ الحواريّون، فلما دخلوا الحرم مشوا حفاة تعظيما للحرم».

وإن ما لم نستطع الجزم بما ورد في هذه الآثار لعدم ورود شيء منها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولإمكان تلقي هؤلاء المذكورين مثل هذه الأمور عن أهل الكتاب، هذا لو صح الإسناد إلى هؤلاء السلف.

ولو سلمنا جدلا أن رسلهم حجوا لكن لم يأمروهم بالحج، فلا يكون ذلك خيرًا لهم، بل هو شر لهم؛ إذْ حُرموا من هذا الفضل العظيم.

فلو كان الحج لم يفعله إلا الأنبياء وفعله أتباع هذه الأمة، لكان ذلك من خصائصها، وكانوا أحق بها وأهلها.

وقد عرَّض القرآن الكريم بأهل الكتاب الذين لا يحجون بيت الله في قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} حيث زعمت اليهود والنصارى أنهم على ملة إبراهيم فبيّن الله كذبهم، من حيث إن حج الكعبة كان ملة إبراهيم، واليهود والنصارى لا يحجون، فيدل هذا على كذبهم في ذلك. كما ذكره الفخر الرازي في تفسيره (8/ 295، ط. دار إحياء التراث العربي).

وبناء عليه: فإن الأنبياء السابقين قد حجُّوا، ويحتمل أن يكون أتباعهم قد أمروا بالحج، ويحتمل أنهم لم يؤمروا به. 

والله تعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك: