إعلان

الحج لتحقيق الإجتماع ونبذ الإفتراق

01:22 م الخميس 18 أغسطس 2016

الحج لتحقيق الإجتماع ونبذ الإفتراق

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم - أبو ذر القصراوي:

المفكر والباحث الإسلامي

حرص الإسلام أيما حرص على التأليف بين المسلمين وتعزيز أواصر الأخوة بينهم من أجل توحيد الأمة الإسلامية، فتكون بذلك أمة واحدة قوية متماسكة كما قال الله تعالى: {وَإنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون}.. [المؤمنون : 52]، فلا يشك عاقل في أن الإجتماع قوة ورحمة والإفتراق ضعف وعذاب، وهذا ما وضحه القرآن بأعظم البيان، إذ حث على الإجتماع وحذر من الإفتراق، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.. [آل عمران : 103]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين}.. [الأنفال: 46].

يعتبر الحج من أهم المواسم التي يجب على المسلم أن يغتنمها لما له من فضل عظيم وأجر عميم، فهي عبادة تعمل على توحيد المسلمين وتجميعهم ونشر التآلف بينهم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو عبادة وقربة إلى الله سبحانه ومظهر من مظاهر توحيده وإفراده بالعبادة من طواف وسعي بين الصفا والمروة ودعاء لله وحده واستغاثة به وحده وتلبية يُسمع صوتها مدويا معلنا بتوحيد الله رب العالمين، وتربية للنفس على الخير والإبتعاد عن الشر قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.. [البقرة: 197].

يبدأ الأمر بتوافد الحجيج من كل بقعة من بقاع الأرض نحو بيت الله الحرام، قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.. [الحج: 27-28]، فيلتقي فيها أناس من كل الجنسيات ومن ألوان مختلفة ولغات مختلفة وأشكال مختلفة ليقوموا بعبادة رب واحد، فتزول عوائق التفاخر بالأنساب ويفقهون أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، فالحج فرصة للقضاء على هذه الأخلاق الجاهلية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ)، فيتعرف بعضهم على بعض ويتقرب بعضهم من بعض فيتآلفون ويشعرون بدفء الأخوة الدينية التي جمعتهم في مكان واحد.

ثم يلبسون لباس الإحرام فيظهرون بلباس واحد وبمستوى واحد فلا يُعلم الغني من الفقير ولا الحاكم من المحكوم ولا السيد من المملوك، فيكونون جميعا سواسية فتزول بذلك الحواجز والفوارق الإجتماعية التي تكون في أكثر الأحيان سبب للتنافر والتحاسد والتدابر، فينتشرون في الأرض لأداء هذه العبادة البدنية الشاقة فتغبر أجسامهم وتنهك أبدانهم وتحرق الشمس جلودهم وهم يتقاسمون كل هذه المشاق ويتبادلون الآلام والأوجاع، فتنشأ بينهم علاقات أخوة ومحبة وتزول كل الحواجز والفوارق بينهم فيرون نعمة الإجتماع والحب في الله ويرون عظمة الله سبحانه وتعالى الذي ألّف بينهم كما قال سبحانه: {لو أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.. [الأنفال: 63]، ألف بينهم إذ جمعهم في المكان نفسه ويلبسون اللباس نفسه ويعبدون الله العبادة نفسها فلا إله إلا الله العليم الحكيم.

لا شك أن إنجاح هذا الملتقى العظيم وتسيير هذا الحشد الكبير من الناس يحتاج إلى تضافر الجهود وتبادل المهام والخبرات فإن مسؤولية تنظيم الحج مسؤولية الجميع من حكومات ومحكومين، فيجب على الحكومات تعليم الحجيج النظام وطرق وآليات تسيير هذا الملتقى العظيم ومن جهة أخرى يجب على الحجيج العمل بجهد من أجل تحقيق الإنضباط وتطبيق تعاليم المسيرين والمنظمين للحج وهذا ما يسمح من جهة بإنجاح هذا الملتقى المهم وهذه العبادة العظيمة، ومن جهة أخرى تطوير لغة التواصل بين الناس وحكامهم وتطوير مهارة تسيير الأمور المشتركة بين الحجيج أنفسهم وهذا ما يبعث في نفسية الحاج الطمأنينة في نفسه اتجاه المسيرين والمسؤولين واتجاه إخوانه الحجاج فتنموا بينهم روح التعاون والتآزر والتضامن وهذا ما يساعد على التأليف بين قلوبهم وتوحيد صفوفهم.

لقد تبين لنا من خلال ما ذكر أن الحج له مقاصد عظيمة ومهمة ولهذا يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تحقيقها، من توحيد لله رب العالمين وتحقيق للوحدة والإجتماع والتآلف كي نفوز بالأجر العظيم لهذه العبادة العظيمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).


موضوعات متعلقة:

الحجاج .. عهد ووعد وميلاد جديد

هل صحيح أن عبادة الحج تزيد طاقة الإنسان؟

أيها الحاج.. حتى لا تفسد فريضتك ''افعل ولا تفعل''!

فيديو قد يعجبك: