كيف تُسلم مواقع التواصل الاجتماعي بياناتك لحكومات العالم؟


"يجب أن يكون هذا كافيًا لإطلاق إنذار في أذهان الجميع".. كانت هذه استغاثة الناشطة الأمريكية "إيمليا تالاريكو" بعد أن أصدرت محكمة أمريكية ضدها هي ورفيقيها ماكولي وليجا، مذكرة تقضي بتفتيش حساباتهم الإلكترونية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

أسس الرفاق الثلاثة في 2016 صفحة باسم "DisruptJ20" تدعو لتظاهرات ضد تولي ترامب الرئاسة، وهو ما لم يُفوّتْه ترامب الذي أراد معرفة بيانات من شاركوا في الاحتجاجات ضده.

قبل سنوات من واقعة إميليا، وتحديدا في سبتمبر 2014 نوقشت قضية تسليم بيانات المستخدمين في جلسة داخل الأمم المتحدة بعنوان "الحق في الخصوصية في العصر الرقمي".

إعلان

إعلان


تملك "إيميليا" ورفيقيها الذعر، بعد قرار المحكمة، والذي يعني أن تتسلم الحكومة الأمريكية جميع كلمات المرور الخاصة بحساباتهم، وبيانات بطاقات الائتمان الخاصة بهم، وأسهمت نتائج الاجتماع الذي شهدته قاعة الأمم المتحدة نصف الدائرية في خريف 2014 في تقنين تتبع إيميليا ورفيقيها.. وبالفعل حصلت الحكومة على بيانات حساباتهم.

شركات الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي تيسر للحكومات الحصول على بيانات المستخدمين، وتقييد وحذف محتواهم، عبر طلبات رسمية، ما يخالف المادة 17 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، ويشكل انتهاكًا لسياسات الخصوصية التي تكفلها تلك الشركات.

لكن ماذا تمنح مواقع التواصل الاجتماعي للحكومات وكيف؟ ولماذا؟.. هذا ما يكشفه التحقيق.

متوسط استخدام الإنترنت يوميا للأفراد في العالم

6

ساعات يوميا

عدد مستخدمي السوشيال ميديا عبر الموبايل حول العالم

2.958

مليار مستخدم

عدد مستخدمي السوشيال ميديا حول العالم

3.196

مليار مستخدم

عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم

4.021

مليار مستخدم


مراسلات الثورة!

في يوليو 2012، بدأت "ويكيليكس" نشر أكثر من مليوني رسالة إلكترونية، عبارة عن مراسلات ترجع تواريخها للفترة من أغسطس 2008 إلى مارس 2012، بين أجهزة مختلفة في الحكومة السورية منها وزارات شؤون الرئاسة، والشؤون الخارجية، والمالية، والإعلام، والنقل والثقافة، وبين شركات وجهات دولية بينها موقع فيسبوك. وكشف الأخير خلال هذه المراسلات عن تفاصيل أنشطة مستخدميه في سوريا، مثل تسجيل أحدهم الدخول من مكان ما، وأحدهم تلقى طلب صداقة، وآخر تلقى رسالة.

جاءت هذه المراسلات خلال ذروة الصراع في سوريا. وبعدها بدأت 43 شركة من شركات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، من بينها "فيسبوك" إصدار ما يسمى بـ "تقرير الشفافية"، الذي يكشف عن عدد طلبات الحكومات لإتاحة بيانات المستخدمين وحذف المحتوى وموقف الشركات منها، بشكل نصف سنوي في جميع دول العالم، التزامًا بمعايير منظمة الشفافية الدولية، لكن الوصول إليها يتطلب مهارات عالية في البحث، وتحليل البيانات، التي وضعت في ملفات Excel بطريقة معقدة.

اطلع "مصراوي" على تلك التقارير، وحصل على نسخ منها، واخترنا مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شيوعًا في العالم "فيسبوك - تويتر - خدمات التواصل الاجتماعي على محرك البحث جوجل"، لتحليل بيانات الطلبات الحكومية المقدمة إليها، وآلية تقديمها، وأسباب رفضها أو قبولها.

إعلان

إعلان








عدد مستخدمي فيسبوك حول العالم

2.170 مليار مستخدم




عدد المستخدمين النشطين

1.4 مليار مستخدم


"العالم يضع قوانين تسهل عليه الأمر"

معاهدة المساعدة القانونية MLAT، هي اتفاقية وُقعت في 2003 بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، خلقت التزامات بموجب القانون الدولي للحكومات لمساعدة بعضها البعض في التحقيقات الجنائية والملاحقات القضائية، ومنذ بداية فبراير 2010، يستخدمها رجال تنفيذ القانون، حينما يحتاجون إلى مساعدة للحصول على أدلة داخل ولاية دولة أخرى.

تطبق أحكام تلك المعاهدة، على شركات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي في نطاق الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من استمتاع مستخدمي تلك الشركات بحماية أحكام قانون خصوصية الاتصالات الإلكترونية الأمريكي ECPA، بصرف النظر عما إذا كان المستخدم نفسه موجودًا بالولايات المتحدة الأمريكية أم لا. لكن طلبات الحكومات الرسمية المرفقة بأذون "استدعاء أو تفتيش أو محكمة"، تستطيع أن تكسر كل تلك الأحكام، وفقًا لبنود MLAT.

تصف شركة جوجل طريقة عمل "MALT" بـ "البسيطة"، كما هو في الفيديو جراف التالي:






"شركة تحدت الـ FBI"

كان ديسمبر 2015 بداية شتاء قاسٍ في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وتحديدًا في مدينة سان برناردينو، التي شهدت هجومًا إرهابيًا وقتها، عبر إطلاق نيران قتل إثره 14 شخصًا، وأصيب 17، لكن الشتاء كان أشد قسوة على شركة APPLE التي وضعت في مواجهة مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، والمحكمة الفيدرالية من بعده، التي قضت بإلزام شركة أبل بإنشاء ثغرة في نظام تشغيل هواتفها الذكية IPHONE 5، لتسهيل مهمة فتح جهاز مشتبه به في تنفيذ هذا التفجير، من دون ضياع البيانات التي يحملها - حيث تحمي أجهزة IPHONE 5 بيانات مستخدميها بعد 10 مرات فاشلة من محاولة الفتح -. كما قضت بتسهيل فتح أي جهاز لمستخدم آخر يحتمل تورطه في أي قضية أخرى.

الأمر الذي اعتبرته شركة APPLE طلبا رسميا بإنشاء باب خلفي للحكومة الأمريكية للحصول على بيانات المستخدمين، ورفضته رفضًا قاطعا، عبر بيان رسمي قالت فيه: "سنقاتل من أجل حماية بيانات المستخدمين"، واستمر هذا الصراع قرابة العام، أعلنت فيه شركات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي تضامنها مع APPLE، عبر بيانات رسمية، مثل فيسبوك، وتويتر وجوجل، وتويتر، ولينكدإن، وياهو".

إعلان

إعلان








عدد مستخدمي جوجل حول العالم

2 مليار مستخدم




عدد المستخدمين النشطين

359 مليون مستخدم


محاولة اغتيال بتويتر

في مطلع سبتمبر الماضي، بدأت الانتخابات الرئاسية في البرازيل بأجواء دامية، كان مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو يتوسط أنصاره، وهم يهتفون باسمه، إلا أن نشوته بالتأييد لم تدم. لحظات واقتحم أحد المتطرفين الجمع، وطعنه، ليرقد بعدها أيامًا طويلة، داخل إحدى غرف العناية المركزة في حالة خطيرة.

الحادث رفع من أسهم بولسونارو كمرشح رئاسي، كما أثار شماتة بعض معارضيه، الذين احتفوا بمحاولة اغتياله على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ما دفع قاضي المحكمة الانتخابية في البرازيل للتقدم بطلب بيانات 16 مستخدما لتويتر، مستندا إلى إدانتهم بجرائم التحريض على الكراهية - تهمة يعاقب عليها القانون البرازيلي.

تجاهلت الشركة الأمريكية التعليق على طلب المحكمة الانتخابية، وتقدمت بطعن قضائي ضد قرار تسليم البيانات، لكن القاضي البرازيلي أقر رفضه، وأمهل الشركة يومين من أجل تسليم البيانات، كما قرر تغريم الشركة، 12345 دولارًا، عن كل يوم تأخير، إلى أن تنفذ الأمر.

خبير سيبراني: ما قيمة المعلومات التي تمتلكها مواقع التواصل الاجتماعي عنك؟








عدد مستخدمي تويتر حول العالم

1.3 مليار مستخدم




عدد المستخدمين النشطين

330 مليون مستخدم


"الكشف لأغراض الأمن القومي"

كان موقف دول العالم جليًا وواضحًا، في محضر اجتماع "مفوضية الأمم المتحدة" حول الخصوصية في العصر الرقمي. قال أحد ممثلي الدول، إن ثمة بواعث قلق أمنية مشروعة، منها الإرهاب، والجرائم الإلكترونية، وتزايد استخدام الإنترنت بغرض القيام بأنشطة إجرامية، ومعادية للمجتمع، تجعل هناك حاجة لطلب المعلومات المتعلقة بالاتصالات الرقمية، ومراقبة البيانات، كتدبير فعال مشروع لأغراض إنفاذ القانون، مستندين إلى المادة الثانية من العهد الدولي التي تنص على أن "التزامات الدول تطبق على جميع الأفراد الموجودين في إقليمها، الخاضعين لولايتها، وأن أي تدخل في الحق في الخصوصية ينبغي أن يمتثل لمبادئ الشرعية، والتناسب والضرورة، بغض النظر عن جنسية الأفراد التي تراقبهم وتجمع بياناتهم".

موقف أصاب لجنة حقوق الإنسان، بالمفوضية العامة للأمم المتحدة بالقلق، فتدخلت المديرة القانونية للمنظمة الدولية لحماية الخصوصية، لتحسم الجدل قائلة: "على الحكومات أن تتحلى بمزيد من الشفافية فيما يتعلق بالأنشطة التي ينبغي أن تُشارك البيانات، من أجل توفير الأمن القومي".

الأمر، الذي حسمته مصر بإصدار قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات"، المعروف إعلاميًا، بقانون "مكافحة الجرائم الإلكترونية"، الصادر في 18 أغسطس 2018، في المادة الثانية منه، والتي جاء نصها:

"مع مراعاة حرمة الحياة الخاصة التى يكفلها الدستور، يلتزم مقدمو الخدمة والتابعون لهم، أن يوفروا حال طلب جهات الأمن القومى، ووفقا لاحتياجاتها كافة الإمكانيات الفنية التى تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها وفقا للقانون".

إعلان

إعلان


ودوليًا:

"تعمل السلطات المصرية المختصة على تيسير التعاون مع البلاد الأجنبية فى إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها، أو تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، بتبادل المعلومات بما من شأنه أن يكفل تفادى ارتكاب جرائم تقنية المعلومات".

الأمر الذي جعلنا نتتبع البيانات الرسمية لوزارة الداخلية المصرية، التي تعلن فيها عن طلبها من مواقع التواصل الاجتماعي بيانات المستخدمين أو حذف محتواهم، في التسلسل الزمني التالي.

  • يناير 2017
    غلق 5 حسابات وضبط 5 متهمين لتورطهم بجرائم عبر شبكة الإنترنت.
  • مايو 2017
    الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية تعلن تكثيف مخاطبة مواقع التواصل الاجتماعي لإغلاق حسابات تابعة لحركات إرهابية.
  • أغسطس 2017
    السيطرة على 4 حسابات على مواقع التواصل تنشر مشاركات تحريضية لارتكاب أعمال تخريب.
  • سبتمبر 2017
    السيطرة وإغلاق 6 حسابات تنشر مشاركات تحريضية لارتكاب أعمال تخريبية

المصدر: بيانات صادرة عن قطاع نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية.

في النهاية، الطلبات الرسمية التي تقدم إلي مواقع التواصل الاجتماعي ليست الوسيلة الوحيدة لدى الحكومات للحصول على بيانات المستخدمين، هناك شركات بريطانية وإسرائيلية وفرنسية وإيطالية وألمانية متخصصة في الصناعات الدفاعية وأدوات المراقبة، تنتج تطبيقات للمراقبة وتبيعها للدول مقابل ملايين الدولارات، وفقًا لما جاء في وثائق ويكيليس، ونشرته بعض حكومات هذه الدول بشكل معلن في بيانات رسمية، والتي بررت ذلك بأنه "بغرض مكافحة الإرهاب والجريمة".

والآن، أصبحت مبادئ وسياسات الخصوصية التي تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي في مهب المحاكمات، إما لتسليم بيانات المستخدمين بموجب الطلبات الرسمية، أو لاتهامهم بتسريب بيانات المستخدمين في مواقف أخرى بعيدة عن أهواء الحكومات، الأمر الذي جعل مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج، يمتثل أمام محكمة الكونجرس الأمريكي في إبريل الماضي، ويعترف بتورط فيسبوك، في تسريب بيانات 87 مليون مستخدم لشركة "كامبريدج أناليتيكا"، أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي كانت تعمل لصالح حملة المرشح الرئاسي دونالد ترامب، وقتها، ليسجل في سبتمبر الماضي رقمًا قياسيًا من الاعتذارات لمستخدمي موقع التواصل الأكبر في العالم.