إعلان

محفوظ عبدالرحمن.. عاشق التاريخ الذي تمنى أن يصبح صحفيا

02:14 م الخميس 03 أغسطس 2017

 

 

 

 كتبت- ناهد سمير:

أثرى الكاتب محفوظ عبدالرحمن، الذي ولد 11 يونيو عام 1941، عالم الأدب والفن العربي، بجواهر حقيقية، وجدد في المقال، والقصة القصيرة، والرواية، والمسرح، وأصبح من رواد الدراما التليفزيونية، وزار قليلًا عالم السيناريو السينمائي.

دور القاضي

تخرج الكاتب والباحث والمؤلف محفوظ عبدالرحمن من جامعة القاهرة عام 1960، وبدأ حياته العملية بكتابة النقد، وعن توقفه عن النقد قال: "توقفي عن كتابة النقد ربما يكون مفتاحًا لشخصيتي، فأذكر أننى كتبت نقدًا عن أحد الكتب الأدبية، وبعد مرور عام، قرأت نفس الكتاب مرة أخرى، وشعرت أنني ظلمت صاحبه، لحظتها حاسبت نفسي بشدة وتأكدت أنني غير مناسب لدور القاضي، وتركت المجال على الفور".

كتب في العديد من الدوريات الصحفية منها على سبيل المثال: الآداب، المساء، الجمهورية، الأهرام، البيان الإماراتية، والعربي. ونشرت له مجموعة من الأعمال الأدبية منها "البحث عن المجهور، أربعة فصول شتاء، واليوم الثامن".

حلم لم يتحقق

العمل بالصحافة هو حلم محفوظ عبدالرحمن، الذي لم يتحقق خلال مسيرته الإبداعية، وقال عن ذلك إنه كان يرغب في العمل بالصحافة كمحترف، والانضمام لنقابة الصحفيين التي لم يحصل على عضويتها لعدم حصوله وقتها على عضوية "الإتحاد الاشتراكي" وهو التنظيم السياسى الوحيد فى مصر الستينيات "ومن ثم قرر العمل في قسم الوثائق التاريخية بوزارة الثقافة".

محدش يعرف له عنوان

لم يخطر بباله أن يحترف الكتابة، لأنه يكتب لمزاجه الخاص، ليعبر عن نفسه، وبعد النجاح الذي حققته كتاباته، شعر أنه ينجرف للكتابة بشكل لم يتوقعه، وأن ذلك سيفرض عليه التزامًا يخالف طبيعته، فهو شخص منطلق في الحياة، لا يعرف أحدًا له عنوانًا، فحسم الأمر بينه وبين ذاته إما بالاستمرار أو التوقف، فاختار الاستمرار ووضع لنفسه كتالوج.

المؤلفات

من مؤلفاته الدرامية "العودة من المنفى، ساق البامبو، أهل الهوى، بلقيس، إيزيس، بوابة الحلواني، أم كلثوم، ساعة ولد الهدى، قابيل وقابيل، الكتابة على لحم يحترق، عنترة، سليمان الحلبي، الزير سالم".

وقام بكتابة عدة أفلام هي "حليم، ناصر 56، القادسية"، إضافة إلى مجموعة من المسرحيات مثل "عريس لبنت السلطان، ليلة من ألف ليلة وليلة، السندباد البحري، احذروا، الحامي والحرامي، محاكمة السيد ميم، بلقيس".

لم يجد المجد بسهولة

قامت الناقدة والكاتبة سميرة أبو طالب، بإصدار كتابات عن حياة وآثار الكاتب محفوظ عبد الرحمن الأول بعنوان "محفوظ عبدالرحمن مقاطع من سيرة ذاتية"، أوضحت من خلاله أن محفوظ لم يجد المجد بسهولة، وواجه الكثير من الصعوبات، التي كان من الممكن أن توقفه عن استكمال مشواره، ولكن قيمه الإنسانية، التي كان يؤمن بها كانت دافع لاستمراره.

البحث عن غير المألوف

يبحث محفوظ عن الغير مألوف، فهو عربي يستعيد أمجاد تاريخه، مؤمن بقيمة ما يكتبه، وبدوره في المجتمع، وتعد كلماته وسيلة لاهتداء الإنسان إلى حقيقة وجوده، وحقه في الحياة والكرامة والحرية والعدل، ويمكن للقارئ أن يرى في كتاباته غربته، وتمرده، وبساطته، وكرامته، وميله للوحدة العربية، خاصة أنه انشغل في كتاباته بالأخطار التي تحيط بالكيان العربي.

دعم الدولة المدنية

اعتذر الكاتب محفوظ عبدالرحمن عن العمل في بعض الأعمال، على سبيل المثال عندما طلب منه مجموعة من الأشخاص الأتراك، كتابة مسلسل عن رجل صوفي معروف مقابل مبلغ كبير جدًا، ورغم أن القصة نالت إعجابه، رفض العمل لرؤيته أنه بذلك يناصر الدولة الدينية، وهو ما يخالف موقفه من دعم الدولة المدنية.

التطبيع

وكان هناك مشروع مع المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، يتضمن فيلمًا ومسلسلًا، يتم تصويرهما بديكور واحد، ونالت الفكرة إعجاب "محفوظ" أيضًا، وكان الموضوع خاص بـ"الهلالية"، الذين احتلوا تونس، ولكن محفوظ وجد أن الحدث يشبه ما حدث من إسرائيل تجاه فلسطين، فخشي أن يُقال عنه إنه مع التطبيع فرفض المشروع.

يُقال عنه أنه كاتب بطيء، وردًا على ذلك قال إنه بالفعل أبطئ من غيره، وذلك لرغبته في أن يعيش عمله 100 عام، وأنه لا يهتم بالشهرة، ويكتب ما يستهويه، ورغم ذلك كتبت أفلامه الثلاثة تحت ضغط، ولم يكرر تلك التجربة رغم عشقه للسينما، إلا أن الكتابة السينمائية لا تروقه، واهتمامه الأكبر ينصب في المسرح.

لعنة الله على الكتابة

يرى محفوظ عبدالرحمن أن المسئول عن تردى الأخلاق بهذا الشكل هم مجموعة المؤلفين، الذين يكتبون من أجل المال، بحجة أنهم مضطرون ولو لم يفعلوا هذا لن يستعين بهم أحد، وهو أمر يستفزه، ويرى أن المضطر يبحث عن مهنة أخرى يتكسب منها وأن "لعنة الله على الكتابة" بهذا الشكل، لأن المواطن أصبح مخوخ ومشوه بسبب ما يراه من دراما مليئة بالإسفاف، غير موجودة في تليفزيونات أمريكا وفرنسا وانجلترا، على حد قوله.

ولم يقتنع محفوظ بفكرة ورش الكتابة، خاصة أنه لا يستطيع العمل مع شخص آخر، ولرؤيته أن الكتابة بحاجه إلى الخصوصية، ويتعجب كيف يكتب في وجود شخص آخر أو مجموعة أشخاص.

أكتب التاريخ لأني أحبه

كتب محفوظ التاريخ لأنه يحب كتابته، وعن ذلك قال إن الرقيب العربي لا يتحفز ويثبت نظارته ويكتم أنفاسه إلا عندما يرى عملًا تاريخيًا ليس فقط لأن العمل التاريخي أقدر على إخفاء الممنوعات من العمل العصري، بل لأن التاريخ عادة يعالج قضايا السلطة في غالب الأمور، وهي أخطر من وجهة نظر الرقيب من غيرها، وإن حصرنا الأعمال الممنوعة في التليفزيونات العربية لوجدنا أكثرها من الاعمال التاريخية.

جلطة في المخ

أصيب السيناريست محفوظ عبدالرحمن مؤخرًا، بجلطة في المخ، نُقل على إثرها للعناية المركزة، بأحد مستشفيات منطقة الشيخ زايد، ومع الوقت أصبح قادًا على الحديث، ولازمته خلال تلك الأزمة زوجته الفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز.

آخر ظهور

كان آخر ظهور إعلامي للكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، منذ أسبوع في احتفالية الكاتب لويس جريس بعيد ميلاد زوجته الفنانة الراحلة سناء جميل، والذي أقيم داخل المسرح القومي، وكانت حالته الصحية جيدة، ورافقته في هذه الاحتفالية زوجته سميرة عبدالعزيز.

حصل محفوظ عبدالرحمن عام 2013، على "جائزة النيل" في مجال الفنون، والتي تعد أعلى جائزة ثقافية مصرية.

لحظة وداعي ليست تقليدية

لم يكتب محفوظ أي وصية وليس لديه أموال يورثها لأبنائه، فهو رجل ولد وكبر وعاش وسيموت وهو منتمٍ للطبقة المتوسطة، ولكن هناك أشياء طلبها من أسرته منها عدم إقامة سرادق عزاء له، لأنه لا يود أن تكون لحظة وداعه مسألة تقليدية، أو أن يتسبب في إجهاد الناس، لكن أسرته رفضت هذا الطلب تمامًا، ورغم أن فكرة الموت لا تخيفه إلا أنه يخشى فقد الناس، وأصعب شيء في حياته حينما يتلقى خبر وفاة أحد المقربين له.

 

فيديو قد يعجبك: