إعلان

''ذيب''.. عندما تصمد الفطرة أمام تقلبات الحياة

01:52 م الأربعاء 10 يونيو 2015

فيلم ذيب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-هدى الشيمي:

''التكيف'' هبة منحها الله للإنسان، ولولاها لما تأسست الشعوب، ولما ظهرت تلك المجتمعات، بدونه لم يتمكن الأوروبيون من العيش في وطنهم مع تلك البرودة القارسة، ولما عاش الأفارقة في تلك الحرارة التي تٌحرق الأبدان، ولما استطاع أحدهم العيش في الصحراء، أو الغابات.

ولما لهذا الأمر من شأن كبير، حاول صنّاع السينما ابرازه في الكثير من أعمالهم الفنية، فمثلا حاول روبرت زيميكس تسليط الضوء على ذلك الأمر في فيلمه ''Cast away'' والذي لعب بطولته الممثل الأمريكي توم هانكس والذي فاز بجائزة الجولدن جلوب كأفضل ممثل عن ذلك الدور الذي جسد فيه شخصية شخص تمكن النجاة من حادث تحطم طائرة، ليعيش في غابة لسنوات عدة مع صديقه ''ويلسون'' والذي كان عبارة عن كرة نجت معه من الحادث، كما ركز ''أنج لي'' على نفس القضية في فيلمه ''Life of pi''، والذي دار حول المراهق بي الذي تمكن من النجاة بعد غرق سفينته، لينجو ببعض المساعدات الطبية، والبسكويت الجاف الذي يرافق مراكب الإنقاذ، ليكمل رحلته ويصل إلى بر الأمان، وركز على نفس القضية أيضا المخرج الأردني ناجي أبو نوّار صاحب فيلم ''ذيب''، الذي يُعرض الآن في السينمات المصرية.

فيلم ذيب

يحاول ناجي أبو نوار في الفيلم الذي كلفه حوالي خمسة أعوام من حياته، قضى فيهم سنتين في كتابته وعامين أخرين في تنفيذه وتصويره، وعدة أشهر في انتقاء الممثلين، إلقاء نظره على التحول الذي يحدث للإنسان عندما تضعه الحياة أمام ظروف معينة، وتجبره الظروف على البقاء، ليتحول إلى قوي لا يأكله الضعفاء، مستغلا شخصية الطفل ''ذيب'' في استعراض ذلك.

''ذيب'' طفل صغير توفي والده الشيخ ''أبو حمود'' منذ فترة قصيرة، فعاش مع شقيقيه، الأكبر أصبح خلفا لوالده، أما الأوسط ''حسين'' كان الشقيق الأكبر المثالي لذيب، يعلمه كل شيء ويدافع عنه ويحاول مساعدته ليكبر، ويتأقلم على حياة البادية الشاقة والتي لا يتحملها سوى الرجال الأشداء.

يبدأ الفيلم بلقطات سريعة مليئة بالحياة والحيوية، والتي تجمع بين حسين و''ذيب''، وتعرض مدى الارتباط الذي يجمع بين الأخين، حتى تأتي نقطة التحول، بعد وصول الضيف الغريب، والذي يعلم ''ذيب'' فيما بعد أنه إنجليزي، فيثير ذلك كل حواسه، فيراقبه ويراقب كل شيء يفعله، مثلما يراقب ويتابع الجميع كل ما هو جديد، يتفاجأ ذيب بـ''الولاعة'' الذهبية والساعة التي تحمل صورة امرأة جميلة والصندوق الخشبي الضخم، الذين يملكهم الإنجليزي، ويستطيع ناجي أبو نوار التعبير عن تلك الدهشة التي انتابت ذيب باللقطات القريبة جدا، وتصوير نظرات أعين ذيب، واغلاقه لهم عندما يستمع لصوت عقارب الساعة الذهبية.

فيلم ذيب

تدور أحداث الفيلم في الفترة التي شهدت الحرب العالمية الأولى، والثورة العربية ضد الحكم العثماني، إلا أن ناجي أبو نوار، لم يتطرق لتلك الأحداث كثيرا، واكتفى بأن يجعلها غلافا لفيلمه، والذي اتسم بروعة وجمال الصورة والمناظر، والتي أظهرت الجبال والسماء والنجوم، في أبهى صورهم، ودقة التفاصيل عند تسليط الكاميرا على الذباب، وقطرات المياه، وحبات الرمل.

فيلم ذيب

قد يخدع الفيلم المشاهد، ويجعله يعتقد إنه رحلة تجمع بين ذيب وشقيقه حسين والإنجليزي الذي يبحث عن كتيبته، وصديقه الدليل السعودي الذي يرشده على الطريق إلى البئر، والتي بدت صافية وهادئة، لا يعكرها سوى ''شقاوة'' ذيب، ورغبته في معرفة كل شيء، إلا أن عنصر المفاجأة كان أحد أبطال الفيلم، في الكثير من المشاهد، كمشهد البئر، أو الطلقات النارية المفاجأة، فكانت بمثابة ''وخز الدبوس'' فينقل المشاهدين من حالة لأخرى، ليحملقوا في الشاشة، ويفتحون أفواههم، مندهشين.

فيلم ذيب

وبجانب روعة الصورة، واختيار الكادرات المناسبة التي حافظت على تركيز الجمهور طوال مئة دقيقة هم فترة عرض الفيلم، اختار المخرج الممثلين بدقة وعناية واضحتين، فعلى الرغم من أن كلهم لم يشاركوا في اعمال أخرى، وأن هذا الفيلم أول تجاربهم التمثيلية، إلا أنهم كانوا تلقائيين، فأشعروا المشاهدين وكأنهم يتابعون أحد حلقات برنامج تليفزيون الواقع، تأقلموا جميعا مع تفاصيل الفيلم، وما به من أحداث شاقة، وكان أكثرهم طبيعية وحقيقية الطفل ذو الأحد عشر عام جاسر عيد، والذي لعب دور ''ذيب'' الشخصية المحورية في الفيلم، والذي اختير بمحض الصدفة، فوالده عيد أبو جاسر أحد المنتجين والذي قدم لصناع الفيلم ولده لكي يعدوا مقدمة إعلانية للحصول على تمويل، فتفاجئ به كل القائمين على العمل السينمائي، لبراعته الشديدة، وتلقائيته أمام عدسة الكاميرا، وكأنه يعمل في هذا المجال لسنوات عدة.

''ذيب'' كان اسم على مُسمى، حيث حمل الطفل ''ذيب'' الكثير من اسمه، وحمل صفات الذئب، فكان كوالده ''الذئب'' والذي لا ينجب سوى ''ذئب''، حيث اتسم بالشجاعة والذكاء والفطنة، والكرامة والكبرياء، وحبه لأرضه ولحريته، واعتبارهما أشياء مقدسة، مما جعل حيوان ''الذئب'' صديقا للعرب في الصحراء، يتبع ''ذيب'' نفس استراتيجية الذئب، وهي البقاء مهما كانت الظروف، ويغير تكتيكاته مع تغير الظروف، وينتظر الفرصة الأفضل للهجوم حتى إذا تأخر الوقت.

فيلم ذيب

فيلم ''ذيب'' يحاول قول إن الانسان قد يمر بالكثير من الظروف الصعبة، والتي قد تغير الكثير به، وتدفعه إلى فعل أشياء لم يتخيل أو يتوقع أن يقوم بها في يوم من الأيام، ولكنها مع ذلك لن يضحي بفطرته السليمة، وبمبادئه الأسمى، فيعلم الناس أنهم سيتمكنون من النجاة، والحياة بكرامة إذا عاشوا مثل ''الذئاب'' كذيب.. طفل البادية.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان