إعلان

زينات علوي وسهير زكي.. "هوانم" الرقص الشرقي

07:52 م الجمعة 05 يناير 2018

هوانم الرقص الشرقي

كتبت- سما جابر:

بنظرات ممزوجة بالحدة والقوة والرقة والهدوء في آن واحد، استطاعت كل من الراقصتين سهير زكي وزينات علوي، أن يصبحا اثنين من أهم الراقصات في مصر والوطن العربي.. تشابهت الاثنتين في أمور كثيرة كان أبرزها "شهر يناير" الذي شهد ميلاد سهير ووفاة زينات.

عند مشاهدة وصلة رقص لإحداهن فتجد أن "المزاج" هو سيد الموقف.. ترقص كل منهما على أنغام الموسيقى المميزة بتركيز شديد، وهدوء ورقي كأنهما في عالم مختلف بعيدًا عن الواقع بكل تفاصيله، تجدهما يرقصا لأنفسهن وليس للجمهور كأنهما يردن إمتاع نفسهما، وبالتالي يخرج الجمهور مستمتعًا أيضًا، يتمايلن برشاقة وثبات لا تليق سوى على "هوانم" هذا العصر، وسعت كل منهما للارتقاء بالمهنة ووضعها في مكانة لا تقل عن أهمية المهن الأخرى، عكس ما أصبح الرقص الشرقي حاليًا، يراه البعض شيء مبتذل لا يهدف سوى إلى الإثارة.

البدايات

ولدت زينات في محافظة الإسكندرية، وكان والدها شديد القسوة للدرجة التي دفعته لضربها، مما دفعها للهرب من منزلها وهى في عمر الـ16 واتجهت للقاهرة للجلوس لدى إحدى قريباتها التي كانت هاربة هى الأخرى، وسبقتها بالعمل في كازينو بديعة مصابني، إلا أن قريبتها رفضت أن تبقيها لديها فترة طويلة خوفاً من انتقام أهلها، وعرضت زينات على قريبتها أن تساعدها على العمل في فرقة بديعة إلى أن وافقت على مساعدتها في ذلك، وبالفعل وافقت بديعة عليها بمجرد أن رأتها.

بدأت مع فرقة بديعة بالرقص وسط عدد كبير من الراقصات، لكن تألقها دفع "مصابني" اختيارها للرقص في الصفوف الأمامية، ونجحت في التفاعل مع الجمهور كما ابتكرت حركات جديدة، واشتهرت بقدرتها على الرقص بالعصا، واستطاعت المزج بين الرقص الشرقي والتحطيب، وعرفت في الوسط الفني باسم "زينات قلب الأسد" لانضباطها.

so

أما سهير فاسمها الحقيقي سهير زكي عبد الله، ولدت فى محافظة المنصورة، واشتهرت بالرقص على أغاني أم كلثوم، فكانت أول راقصة تفعل ذلك، وشبهها الرئيس الراحل انور السادات بأنها "أم كلثوم الرقص" وقال لها في أحد المرات: "كما تغني أم كلثوم بصوتها، تغنين أنتِ بجسدكِ".

بدأت شهرتها في محافظة الإسكندرية ثم انتقلت للقاهرة لترقص في برنامج أضواء المسرح، رقصت أمام كبار القادة والسياسيين في مصر والعالم،حيث رقصت في حفلات زفاف جميع أبناء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما رقصت أمام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، ورقصت في حضور شاه إيران السابق كما زارت موسكو بدعوة من الجنرال جريتشكو وزير الدفاع السوفيتى إبان حكم الرئيس بريجينيف.

2

العمل بالسينما

ربما لم تحصل كل منهما على الشهرة المرجوة التي تمتعت بها معظم الراقصات في هذا العصر مثل سامية جمال وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد، بسبب قلة عملهما بالسينما، فلم يظهرا إلا في استعراضات محدودة في بعض الأفلام فقط، لكن لم يقدما أدوارًا رئيسية في أي عمل فني.

فمن أشهر ما قدمته زينات علوي كان المشهد الذي جمعها مع الفنان الكبير رشدي أباظة في فيلم "الزوجة رقم 13"، والذي حاول بعدها الارتباط عاطفيا بها، لكنها كانت له بالمرصاد وكشفت ألاعيبه ورفضت خيانة سامية جمال زوجته، كما رفضت الانغماس في التمثيل وحافظت على لقب "الراقصة" حتى وفاتها.

أما سهير فقدمت أدوارًا صغيرة في بعض الأفلام مثل "مطلوب زوجة فورًا" و"بيت الطالبات" و"آخر العنقود"، كما قدمت العديد من استعراضات الرقص الشرقي في أفلام مثل "تجيبها كدة تجيلها كدة هي كدة".

الصراعات

لم يخلُ أي مجال من الصراعات بداخله، حيث خاضت كل مهما صراعًا مختلفًا مع "الكبار" في مصر، سواء في مجال الفن أو السياسة، ومهما من انتهي صراعها نهاية سعيدة، ومنهما من انتهى صراعها بنهاية لا يتمناها أحد، فعندما بدأت سهير احتراف الرقص، لجأت إلى أشهر الألحان الموجودة وقتها وهي ألحان أغاني أم كلثوم، التي تسببت في تميزها وسط منافسيها، وقدمت الرقصة الأشهر على انغام أغنية ألف ليلة وليلة، وعندما علمت أم كلثوم بأن هناك راقصة تقوم بالرقص على أغانيها، غضبت بسبب رفضها لأن يتم استغلال أغنياتها في أي ملهى ليلي أو يتم الرقص عليها، وطلبت من ملحن الأغنية بليغ حمدي أن يتأكد من هذا وبالفعل ذهب حمدي إلى الكازينو التي كانت ترقص فيه سهير زكي، وتأكد من المعلومة، لكنه أخبر أم كلثوم بانها يجب عليها الذهاب لتشاهد العرض بنفسها، وبالفعل ذهبت أم كلثوم وجلست بعيدًا عن سهير لترى أمتع عرض رقص شرقي، لدرجة جعلتها تهنئ سهير على ما شاهدته من مستوى راقٍ ومحترم، حيث قالت لها: "كنت ناويالك على نية مش كويسة، لكن بمجرد ما شفت أدائك المختلف اكتشفت إنك إضافة".

3

أما زينات علوي فقد ضاقت مما تتعرض له الراقصات في ذلك الوقت من ظلم واضطهاد ومطاردة مستمرة من شرطة الآداب دون وجه حق ومن معاملة الدولة العنيفة للراقصات، وسعت لإنشاء نقابة للراقصات تحمي حقوقهن، وكونت تحالفا ضخما للضغط على وزارة الثقافة لتنفيذها، ورغم الجهود التي بذلتها مع الراقصات الشهيرات تحية كاريوكا ونجوى فؤاد، وسهير زكي، وسامية جمال، وغيرهم، إلا أنه تقرر تفعيل القرار الخاص بالرقابة على المصنفات الفنية وتشديده، والذي كان ينص على أنه حتى تحصل الراقصة على تصريح، يجب ألا تكون من أرباب السوابق، وحسنة السير والسلوك، وأن تثبت مزاولتها للرقص بصورة واضحة، وأن تحصل على تصريح بكل رقصة تؤديها من رقابة المصنفات، ومن يخالف ذلك يسجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 6 أشهر وغرامة قدرها 50 جنيهاً ولا تزيد على 100 جنيه"، كذلك يتم معاقبة مدير المكان الذي تعملفيه الراقصة والذي يخضع لنفس العقوبة بالإضافة إلى إغلاق المكان، واعترضت علوي على ذلك القرار وقررت الاعتزال عام 1965 لكنها بعد ذلك تعرضت لضائقة مالية أجبرتها على التراجع عن الاعتزال.

zz

لكنها اعتزلت نهائيًا عام 1971، خاصة بعدما تم الضغط عليها لإحياء حفل لجنود الجيش والرقص في قاعدة أنشاص ببلبيس بالشرقية، في احتفال كبير ليلة النكسة، وقد وافقت تجنبًا للصدام مع الحكومة وقتها، وكانت تلك المرة الأولى التي يكون بها رقص شرقي في حفلات الجيش.

الاعتزال

بعد زواجها من المصور محمد عمارة في اوائل التسعينات، قررت سهير زكي الاعتزال، لكنها لم تنس عشقها للرقص، حيث انتشر فيديو لها مؤخرًا خلال وجودها في أحد المناسبات العامة وقت اعتزالها، وظهرت فيه وهي تتمايل على أنغام الموسيقى بانسجام كامل وهي جالسة على المقعد، إلى أن ابتعدت تمامًا عن الأنظار ووسائل الإعلام.

أما زينات علوي، فبعد اعتزالها عاشت وحيدة وحزينة لمدة 20 عامًا، قضتها في الفقر والمرض، لدرجة دفعتها لبيع أثاث منزلها، لتوفير نفقات الطعام والعلاج، وعلي الرغم من فقرها الشديد، رفضت طلب المعونة من أي شخص، وقالت ابنة شقيقتها لإحدى الصحف إنها رفضت تقديم طلب للرئيس السادات، لعلاجها على نفقة الدولة، وفي عام 1988 وجد جثمانها بعد وفاتها بمنزلها، وظلت 3 أيام متوفية دون أن يشعر بها أحد، حتى اكتشفت موتها خادمتها، التي رفضت أن تتركها، وذكر تقرير الطب الشرعي أنها توفيت بأزمة قلبية حادة.

فيديو قد يعجبك: