إعلان

صلاح منصور.. "العمدة عتمان" المنافس الشرس لـ"عتاولة" الزمن الجميل

04:49 م الجمعة 19 يناير 2018

الفنان صلاح منصور

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- سما جابر:

ملامح وشكل خارجي لا يوحي بفنان وسيم أو "معشوق نساء" مثل معظم فناني جيله، لكن قوة تمثيله رشحته لأن ينافس بقوة بل يتفوق على بعض زملائه الذين يقدمون أدوارًا مشابهة، فبالرغم من عدم قيامه بأدوار البطولة المطلقة، لكن الشخصيات التي جسدها على مدار مشواره، صنعت شخصًا لا يستطيع أحد تقليده، وهو صلاح منصور.

"خسارة فيا.. لا خسارة ليا".. "الليلة يا عمدة.. هي حبكت!".. حوار لا يمكن أن ينساه المشاهد المصري للفنان الراحل في فيلم "الزوجة الثانية"، والذي يعتبر من أشهر ما قدم الفنان القدير وشهد قمة تألقه، فبالرغم من مشوار فني طويل نتج عنه أكثر من مائة عمل فني، لكن كان لـ"العمدة عتمان"، معزّة خاصة لدى جمهور منصور الذي تحل ذكرى وفاته اليوم، الموافق 19 يناير.

بداية المشوار.. صحافة

بدأ منصور مشواره من خلال عمله كمحرر في جريدة روزاليوسف عام 1940، ولم يكن عمره قد تجاوز الـ17 عامًا، ومن شدة حبه للسينما قرر العمل بالقسم الفني في الجريدة، وأجرى حوارات كثيرة مع عدد كبير من النجوم، ومنهم المطربة الراحلة أسمهان، لكنه لم يستمر بالعمل في الصحافة لفترة طويلة، إذ علم بافتتاح معهد الفنون المسرحية وقرر الالتحاق به، وكانت الدفعة الأولى به تضم مجموعة من "عتاولة" الفن مثل فريد شوقي وشكري سرحان وحمدي غيث، والذين نافسهم منصور بقوة بعد تخرجه في المعهد عام 1947، واستطاع أيضًا التفوق على بعضهم بالرغم من أدواره الصغيرة بالمقارنة بهم.

image (7)

أخذ المسرح مساحة كبيرة من مشواره، حيث أسس مع الفنان زكي طليمات فرقة المسرح الحر عام 1954، وقدم عددًا من العروض المسرحية، أبرزها "ملك الشحاتين" و"برعي بعد التحسينات" و"زقاق المدق" وغيرها، كما قام بإخراج عدد من المسرحيات منها "عبد السلام أفندي" و" وبين قلبين".

علاقته بالسينما بدأت حينما عمل ككومبارس في فيلم "غرام وانتقام"، عام 1944، مع يوسف وهبي وأسمهان، وظل يتنقل ككومبارس من عمل لآخر، كما ظهر في اسكتش العقلاء لإسماعيل ياسين من فيلم "المليونير"، عام 1950.

image (6)

 

الوجه الطيب لصلاح منصور

رغم أن معظم أدواره كانت تتسم بالشر، لكن المشاهد كان لا يملك سوى أن يتعاطف معه في بعض مشاهده التي يظهر فيها بنظرة تملؤها الكسرة والضعف، حتى في قمة "جبروت" الشخصية التي يؤديها، فلا يمكن أن تنسى نظرته عندما أخبرته سعاد حسني "فاطمة" في فيلم "الزوجة الثانية"، بنبأ حملها من زوجها وحبيبها الحقيقي "أبو العلا"؛ الخبر الذي أدى لإصابته بالشلل خلال أحداث الفيلم.

image (5)

لا يمكن أن تنسى العامل الأحدب "مدبولي" الذي ظهر في فيلم "مع الذكريات" بطيبته وسذاجته التي جعلته محل سخرية من حوله، ما عدا "شريف" الذي جسد دوره أحمد مظهر، إذ دفعت سذاجة مدبولي لأن يقتل حبيبة "شريف" بعد أن اكتشف خيانتها وخداعها له، معتبرًا أنه بذلك يقوم بإنقاذه ويرد له جميله عليه، روعة أدائه لتلك الشخصية جعلت الممثل البريطاني تشارلز لوتون، عندما عرض الفيلم في لندن عام 1962، وبعدما صافحه، يقول: "لو أن هذا الممثل الموهوب موجود عالميًا لكنت أسلمت له الشعلة من بعدي".

image (4)

قدّم "منصور" أيضًا واحد من أكثر المشاهد قوة في تاريخه، والتي أظهرت فيه الجانب الطيب للممثل، عندما جسد شخصية الجنرال حسن الذي كتب نهاية الظلم في فيلم "ثمن الحرية" وقتل الحاكم العسكري الإنجليزي انتقامًا للضحايا المصريين الذين قُتلوا بأمر منه، وسكت "حسن" على قتلهم.

 image (3)

دويتو صلاح منصور وسناء جميل

رغم عملهما سويًا مرتين فقط خلال أشهر فيلمين في تاريخ السينما المصرية وهما "بداية ونهاية" و"الزوجة الثانية"، لكن كوّن صلاح منصور وسناء جميل ثنائي فني متناغم خلال أدائهما لمشاهدهما بالعملين، لدرجة جعلت الجمهور يتذكر حوارهما نصًا في الأفلام وخاصة "الزوجة الثانية" الذي شهد قمة تألق وعظمة تمثيل كل منهما، فلغة أعينهما وصمتهما وحركاتهما الجسدية وصمتهما في بعض المشاهد كافية لكتابة مقالات وإلقاء محاضرات عن كيفية التمثيل باحتراف وصدق يجعل المشاهد يكرههما من أعماق قلبه.

image (2)

أداء الإثنين من المؤكد أنه كان سببًا في وضع "الزوجة الثانية"، و"بداية ونهاية" أيضًا، في قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996، وبالإضافة إليهما، ساهم منصور بسبعة أفلام أخرى في تلك القائمة، وهي "غرام وانتقام" 1944، "أمير الانتقام" 1950، "اللص والكلاب" 1962، "المستحيل" 1965، "البوسطجي" 1968، "قنديل أم هاشم" 1968، "العصفور" 1974.

image (1)

معاناته مع المرض

لم يعان منصور فقط مع مرضه الذي أصيب به قبل وفاته بأكثر من 3 سنوات، لكنه عاش أيامًا صعبة مع مرض ابنه الأصغر هشام حينما مرض واضطر للسفر معه إلى الخارج لتلقي العلاج على نفقة الدولة، حيث أجرى جراحة عاجلة بلندن، تكلفت مبالغ طائلة.

واحتاج هشام لتجديد طلب العلاج على نفقة الدولة، ومدّ فترة بقائه لثلاثة أشهر أخرى، وفي تلك الأثناء تصادف زيارة الرئيس الراحل أنور السادات لهناك، فطلب منه منصور مدّ فترة علاج ابنه ووافق السادات فعلًا لكن ابنه توفي مباشرة بعد إجرائه للعملية الجراحية.

image

بعد وفاة ابنه اشتد المرض عليه، وربما كان "قهره" عليه هو ما عجّل بوفاته، ففي نهاية السبعينيات وأثناء استعداده لتقديم مسرحية بعنوان "بكالوريوس في حكم الشعوب"، أمام النجم الشاب وقتها نور الشريف، اعتذر صلاح منصور للمرة الأولى عن العمل بعد تعاقده عليه بسبب مرض السرطان، وظل يعاني من سرطان في الرئة وتليف في الكبد، ويقاوم آلام المرض أكثر من ثلاثة أعوام، دون أن يصارح أحدًا بحقيقة مرضه، حتى توفي عام 1979.

آخر ما قاله قبل الوفاة

قبل وفاته، ظل صلاح منصور، بالمستشفي لمدة عشرة أيام سبقها ثلاثة أشهر أمضاها في منزله بسبب مرضه الشديد، وقيل إن آخر كلماته لأفراد أسرته الذين التفوا حوله بالمستشفى، بعدما فشل الأطباء في إنقاذه: "أرجوكم.. لا تحزنوا.. عشت حياتي لا أحب رؤية الدموع في عيونكم.. ولن أحبها أيضاً بعد وفاتي"، لتصعد روحه إلى بارئها عن عمر ناهز 56 عامًا، تاركًا أعمالًا جعلته واحدًا من الفنانين الذين يمكن أن نلقبهم بـ"عتاولة" الفن المصري.

image

فيديو قد يعجبك: