إعلان

ومات صديقي الذي لم أراه

ومات صديقي الذي لم أراه

02:12 م الجمعة 06 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم/ محمد الشرقاوي:

منذ الساعات الأولى لوفاة الصديق الذي أنارت بسمته كافة الوجوه التي رأها، وتركت علامة لم تمحيها مرارة العيش وبؤس الحياة، طافت صورته كل صفحات الزملاء المشتركين بيننا، وكانت الصدمة وقتما رأيته، كأني أعرفه من عمر فات، وزمن مضى قضينا فيه ساعات نضحك ونرسم البسمة سوياً، وكأنه توأمي الذي لم تلده أمي، لم أكن أعلم من هو، سوى اسمه المكون من أربعة أحرف، هي الواو واللام والياء منتهياً بالدال.

تيبست أطرافي فجأة وكدت أن أجهش بالبكاء، وسارعت مخاطباً صديقة عزيزة بأني أصبحت أخشى الموت، وأننى أخش أن أموت وحيداً بعيداً عن أهلى أثناء الترحال، ووجدت نفسى أرثي صاحب الأربعة حروف الضاحكة، كغيري من زملاءه وأقرانه، لم أكن أعرف لم أفعل ذلك، وقمت فزعاً من مرقدي أتوضأ خوفاً من خروج روحي كما خرجت من صديقي.

في اليوم الثاني، لوفاة صاحب الأربع حروف، زاد حنقي وأصبحت لا أجد ما أقول، ذاهباً إلى عملي، لا أجد ما أكتب، هل أكتب عن صديقي الذي لم أراه، أم أكتب عن مرارة العيش التي نعيشها، وفراق الأصحاب، أم أكتب عن بحور الدم التي أجراها داعش من منابع الجثث التي ماتت بدون ذنب.

لم أتمكن من حضور الجنازة، ولكني كنت موقناً، أن صاحب الابتسامة ستزفه الملائكة، وكأنه عريساً إلى جنة الخلد، حيث حور عين أغنته عن حور الدنيا، وولدان يبتسمون كلما رأوه، وطيور امتلأت حواصلها بحبات الخير التي نثرها على وجوه كل من رأه، وملائكة كانوا في خدمته، وحوض للكوثر تجهز كي يشرب منه من سقانا حلو الحياة وسكرها.

ومر اليوم، وأنا أتدبر ملامح هذا الشاب العشريني، أيقنت وقتها مقولة جدتي "وش موت" - المقولة ليست للتشاؤم - فحينما سألت جدتي ما معناها، قالت: "أن الطيبين الذين يفرشون الأرض سلاماً لايخلدون معنا ولكن تخلد ذكراهم، تخلد سيرتهم العطرة وكلامهم الطيب في قلوب البشر".. هكذا كان "وليد العربي" بشهادة كل من حضروا عزاءه، بشهادة زملاءه الذين ارتسم على ملامحهم حزن يكفي لتهتك عضلات الوجه، وجدير بأن يحيا بسببة الإنسان سنوات مريرة، لا يستطيع نسيانه.

لا نزكيه على الله، فهو أرحم به منا، ولكن حينما قرأ الشيخ في سرادق العزاء، قول الله تعالى: "واصبر وما صبرك إلا بالله"، كاد قلبي أن يخرج من بين تلك الضلوع، وانتفض الجسد وكأنها صفعة على وجهى، وكأنها أيضاً رسالة لكل السامعين من الإنس والجن، "أن مات وليد فلا تحزنوا".

أثناء العزاء، تخلل مسامعي أصوات لحيوانات أدركت بعد ذلك أنها إبل، ناحت على فراقه، خرتّ من خشية الله، وكأن وقع كلمات القرآن الكريم كانت شديدة عليها، لم تتحملها، فأخذت تنوح نواح الثكالى، حزناً على فراق جارها، الذي استغفر له كل الحضور.

لم يكن يعلم صاحبي، أن صورته التي كان يضحك فيها، واضعاً يديه كالمتعجب والمستنكر للحزن الذي في الوجوه، أنها ستكون صورة رثاءه، علها كانت رسالة لنا من الله، بألا تحزنوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم، وأنه لا مفر من قدر الله، فما هي إلا أنفاس معدودة قد تخرج ولا تعود.

وداعاً ياصديقاً تمنيت لقياه، فربك أرحم بك منا.

إعلان