إعلان

وجهة نظر: الصهيونية في مخادع العرب

الصهيونية في مخادع العرب

وجهة نظر: الصهيونية في مخادع العرب

05:59 م الجمعة 20 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

لا يخفى على أحد أن أرض العرب من بلاد النهرين إلى أراض المغاربة كانت دائماً وستظل محط أنظار الصهاينة منذ ظهورهم الأول كجماعة سياسية مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.. وقد دأبت كلابهم على النباح بضراوة كلما اقترب من تخومهم أي عربي حتى لو كان ينشد السلام!.

منذ أن لاحت في الآفاق المصرية السعودية ملامح ما يسمى باتفاقية ترسيم الحدود غامضة المعالم حتى كتابة تلك السطور، لم نسمع أي نباح يصدر من طرف بني صهيون بهذا الشأن، وكأن مسألة تسليم قطعة غالية من "الأرض المصرية" متمثلة في جزر تيران وصنافير لمملكة النفط الجار المتطلع لبسط نفوذه أمر لا يعنيهم ولا يؤرق أجفانهم التي نادراً ما تغمض.. من ينظر للارتياح الإسرائيلي لما مر بالمنطقة من متغيرات جيوسياسية مؤخراً على الصعيد السوري، والعراقي والمصري واليمني والخليجي، ربما لن يجد ما يفسره إلا بأن كل ما يحدث على تلك الأصعدة لابد وأنه يصب بلا شك في مصلحة دولة الاحتلال، ودون أن يكبدها عناء أي تحركات أمنية باهظة التكاليف، الأمر الذي أشارت له منذ سنوات دراسة نشرت في مجلة كيفونيم الصادرة عن الكيان الصهيوني المحتل في فبراير عام 1982 بعنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط" كتبها الصحفي الإسرائيلي عوديد ينون وقام بترجمتها الكيميائي إسرائيل شاحاك، وقد أوضح فيها ينون أن أي استراتيجية لتفتيت العالم العربي لن تنجح إلا إذا كانت قادرة على إضعاف الدولة المصرية وإنهاكها. كان هذا حديث ثلاثون عاماً مضت..! فماذا حين تلوح في الأفق بوادر صفقات غامضة ربما هي الأخطر والأكثر إثارة للريبة، وأحسبها قد تعصف في لحظات بثوابت أزلية كتلك التي عشناها وتكبدنا تبعاتها جيلاً بعد جيل..؟

لن أسهب في الحديث عن كراهية أزلية يضمرها الصهاينة لنا نحن العرب على وجه الخصوص ولكل من هو غير يهودي في العموم، فالمعتقد الديني الإسرائيلي يدعم ذلك ولا ينكره، بل أنه ثابت من داخل نصوص أسفار العهد القديم، وشروح التلمود العنصرية التي حددت مقياسين أخلاقيين أحدهما للتعامل مع اليهود والأخر للتعامل مع الأغيار "غير اليهود"، هؤلاء الذين خلقهم الرب حسب المعتقد التلمودي على هيئة الإنسان فقط ليكونوا لائقين لخدمة الشعب المختار الذي خُلقت من أجله الدنيا.. الخلاصة من هذا الهزل التلمودي هي أن عنصرية هؤلاء ثابتة من أفعالهم وقبل ذلك من تراثهم العقائدي، الذي لم يضيع فرصة واحدة إلا ووجه فيها رسالة مباشرة عن مصائر "الأغيار" على يد مسيح مخَلِّص ربما يخشى أن يأتي من فرط خوفه على مصيره هو شخصياً.. فكم من مسيح كذبوه ووشوا به أو شوهوا صورته وقتلوه!

سأبدأ من تلك الزاوية الخاصة، ومنها سأذهب لسؤالين؛ ثم لنقوم معاً بعملية ترسيم لأخر تحديث لخارطة المصالح، فربما بعدها تتضح لنا ملامح الكارثة التي تلوح في الأفق، والتي قد تدركنا نتائجها قبل حلول عام الرخاء المزعوم 2030.. السؤال الأول: هل تغير فجأة مزاج الصهاينة الكاره دائماً للعرب وهل صارت لديهم رغبة مفاجئة في لم الشمل على طريقة "أنا وأبناء العم على الغريب" كما يقول العوام في مصر المحروسة؟ والسؤال الثاني: لماذا يبادر جانب من المفترض أنه صاحب الأرض، ومالك الحُجة الأقوى على رقعة اللعبة السياسية بتقديم تنازلات مجانية، وتسهيلات غير مسبوقة، بل ويسعى للاعتراف رسمياً بمن لا يرغب حتى في الاعتراف بآدميته، وهو كما يعلم الجميع عدو أزلي لا يبوح تاريخه بأي بادرة حسنة..؟

نظرة سريعة لخارطة المصالح قد تبوح لنا بمفتاح اللغز. فعلياً بدأ العم سام الراعي الرسمي لمصالح بني صهيون والمستفيد الأول من تركة آل سعود النفطية في التحرك لفك الارتباط الأمريكي تدريجياً بالشرق الأوسط، وكعادة أي كيان استعماري فإنه يخلف مكان انسحابه ألغام قابلة للانفجار في أي لحظة.. وهذا الانسحاب التدريجي لن يعني بالضرورة أن تحل هناك قوى أخرى سريعاً كالصين مثلاً؛ فالولايات المتحدة تعي تماماً أن صراعها غير المعلن مع الصين في شرق أسيا قد يطال علاقتهما في مناطق النفوذ، لكنها شبه مطمئنة على الأقل مرحلياً إلى أن ما سيعطل طموح الصين في الشرق الأوسط هو الثمن الذي لابد أن تدفعه هناك في اطار علاقاتها الخليجية مقابل دعمها الدبلوماسي القوي لنظام الأسد في سوريا، وكذلك حليفها القوي إيران!

الموقف هو نفسه بالنسبة لروسيا، تلك التي تقف على نفس المسافة من النظام السوري وإيران، لذا لا ترى الولايات المتحدة غضاضة في التحرك ببطء تجاه فك الارتباط بالشرق الأوسط مع الاحتفاظ بالحق في العودة حين تقتضي الظروف عن طريق الحلفاء التقليديين في المنطقة، بالإضافة إلى ضم حليف جديد يتطلع أيضاً للنفوذ والهيمنة لكنه لم يستوف كل الشروط بعد وهو إيران.

في سياق أخر، تبدو أمريكا وكأنها قررت بالفعل تقليص حجم إنفاقها الخارجي الداعم لهيئات دولية ربما حان الوقت لتفكيكها بعد ثبوت عدم جدوى أنشطتها، ومع تعاظم قيمة فواتيرها.. وهنا تحضرني مقولة الليكودي الوقح جون بولتون الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة 2005 ولمدة عام تقريباً داخل المنظمة: "لا يوجد شيء اسمه الأمم المتحدة، لو أن بناية السكرتارية في نيويورك فقدت عشرة طوابق لما كان هناك فارق أبداً"..! وفي نفس السياق، لكن على جانب أخر من المشهد، نرى الولايات المتحدة تبادر بسحب جنودها من قوات حفظ السلام تدريجياً من عدة نقاط استراتيجية على خريطة الشرق الأوسط وأهمها أرض سيناء.

ما سبق أظنه يشي بسيناريو أراه الأقرب للواقع من خلال المعطيات المتوافرة على الساحة.. ففي المملكة المتعطشة لزعامة تتصدى بها للمد الشيعي الإيراني، يتم الإعداد بهدوء لتسليم مقاليد الأمور كافة للأمير الشاب الذي حارت الموسوعات في مسألة إعداد سيرة ذاتية تليق بمركزه، حتى خرج لنا من حيث لا ندري المشروع الأكثر طموحاً "رؤية السعودية 2030".. ربما سيكون من الإجحاف النظر لمثل هذا التطلع باستهانة، فهو أمر لو صدق لصعد بنجم السعودية لعنان السماء، وبالطبع لا ننكر هذا الحق على ا الأشقاء هناك لما سيجلبه لهم من الخير والرخاء، ولكن هل مثل هذا الشعور متوافر بنفس المقدار لدى الصهاينة الذين يتلذذون يومياً بمشاهد تقطيع أوصال العالم العربي بواسطة عصابات المرتزقة؟

يبدو أن هناك أمر جلل جمع فجأة بين مصالح المملكة ودولة الاحتلال.. هذا الأمر هو بالطبع التقارب الأمريكي الإيراني الذي سمح للأخيرة بالتنفس بحرية والصعود بعد سنوات من الحصار.. وليس خافياً أن غرفاً مغلقة قد جمعت في الآونة الأخيرة بين شخصيات ضالعة في صناعة القرار السياسي من الرياض وتل أبيب.. حتى أن لقاءات علنية باتت تجمع قيادات الظل أمام الكاميرات بدون أدنى حرج.. ففي العام الماضي التقى رسمياً في واشنطن الإسرائيلي دوري جولد رئيس مركز القدس للدراسات مع السعودي أنور بن ماجد عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية وعراب الصفقات السياسية السرية نيابة عن البلاط الملكي السعودي، وهو اللقاء الذي أثار الكثير من التساؤلات حول المغزى من وراءه. هذا ولم تمر شهور حتى جاء مؤخراً لقاء أخر أكثر سخونة في معهد واشنطن لدراسات لشرق الأوسط ليجمع بين ياكوف عميدور الضابط السابق برتبة لواء في جيش الاحتلال، وبين الأمير تركي الفيصل مدير الاستخبارات السعودية السابق، حيث قام كلاهما بمناظرة علنية متلفزة حول رؤى أمنية تشمل التهديد النووي الإيراني وصعود قوى التنظيمات الإرهابية، وكذا التحول في الدور الأميركي في المنطقة.

بين تكرار تلك اللقاءات، وبين تصريح السيد/ عشقي مؤخراً بأن المملكة قد تدرس وجود تمثيل دبلوماسي لها في تل أبيب ما إذا التزمت الأخيرة بمبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يبدو أن ميزان التوازنات الاستراتيجية بدأ في الميل تجاه منعطف خطير في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.. وها هو رئيس مصر يلقي بالكرة في ملعب الصهاينة مبادراً بهجوم مفاجئ للسلام، وكأن لسان الحال يهدف لإقناع عصابة السفاحين الصهاينة بحتمية القبول بواقع جديد.. لكن تبقى تساؤلات أظنها مشروعة عن ملامح هذا الواقع الجديد وعلى أي أسس يرتكز..؟ وما هو الهدف من تزليل عقبات استراتيجية طالما حجمت من آداء ماكينة المكر الاستيطاني الصهيوني..؟ ومن يضمن أن تتحرك الأمور في المسارات المحتملة لها بشكل يحقق الجدوى من فاتورة تكاليفها غير المبررة..؟ والأهم، ما الذي قدمه الصهاينة من خطوات ملموسة لكي يحصلوا على عروض سخية بين تسويات مجانية وتعديلات جيوسياسية واعترافات رسمية تمنحهم شرعية التحرك في المنطقة رأساً برأس كأصحاب الأرض الأصليين الذين هم حالياً مشردون بلا أرض؟

المنح المجانية لا تُجدي مع مكر الصهاينة.. وليس من السياسة في شيء أن يلوح السفاح نتانياهو عمداً باستعراض قدراته على ارسال قوات خاصة للقاهرة لإجلاء الطاقم الدبلوماسي الإسرائيلي بعد نشوب أزمة السفارة الإسرائيلية 2011، ويكون رد رئيس مصر مبادرة سلام مجانية دون أن يصفعه أولاً..! هجوم السلام بدون درع واقي يقويه ربما يكون انتحار سياسي مبكر أمام من لا يعرفون للسلام لغة..! المصالحة على الدم مع قاتل لا تجوز.. والأرض كاملة هي المقابل الوحيد الذي قد يستحق عناء التفكير قبل طرح تسويات من أي نوع.. وما غير ذلك فهو باطل.. والتاريخ يثبت أنه إذا ما دخل الصهاينة مخادع العرب أفسدوها، ولا داعي إذاً لأذكركم بعهود بني صهيون مع العرب في بلد الشيخ، ودير ياسين وصبرا وشاتيلا وبحر البقر وقانا والحرم الإبراهيمي.. ناهيك بالطبع عن موسم القصف الشتوي السنوي لقطاع غزة!.

إعلان