إعلان

سراب البحث عن طوق النجاة

رأفت حمودي

سراب البحث عن طوق النجاة

03:43 م الثلاثاء 17 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- رأفت حمودي:

في مطالعتي لكتابٍ تناولَ موضوعهُ ؛ الاسلامُ السياسي وحركات الأحزاب الإسلامية، وما آل اليهِ الوضعُ السيء في بعض الدول العربية نتيجة الحراك الشعبي الذي أوصل حال بعض الدول الى مفترق طرقٍ حيث أجهز على دولٍ إقليمية، بينما تمكنت الأخرى من مسك زمام الامور قبل انهيار البلد برمتهِ، لاسيما أن الذاكرة العربية الشريفة لازالت محملة بألآم تلك الحقبة السوداء التي مرت بالعراق بعدما تركت الأثر والإرث السيء بالرغم من الكم الهائل لسراب الرسائل الديمقراطية الذي صُدرْ من جهة الغرب للمنطقة العربية والذي لم يُلتمس منها أي بارقة آملٍ ليومنا هذا .

من هنا استوقفني التفكير في التعبير الإعجازي للآية الكريمة عند قوله تعالى "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ".. (الآية 39 سورة النور)، ولسان حالنا في العراق المبعثر يعكس الواقع المرير لثلاثة عشر سنة من الاحتلال بأنواعه السياسي و الفكري وغيره حتى أُوغلنا باحتلال أعمق لمكنونات الفكر العراقي ولعاداته ولتقاليدهُ من قبل تنظيمات إجرامية كانت غائبة وبعيدة كل البعد عن المواطن العراقي المعتدل بافكاره وأراءه .

وإذ أُوكد هنا أنني لست في مقام لربط الجماعات الدينية الاسلامية الحاكمة بحالتي الكفر والايمان، أو توصيف أوضاعها المذهبية وارتباطاتها الاقليمية وغيرها، ولكني قصدت ربط الواقع المؤلم بمفهوم السراب وما يتجلى حالياً على الساحة العراقية السياسية من إرهاصات قادت الى التصارع والتناحر بين الأحزاب السياسية الدينية من أجل أن يحكم حزب معين دون غيره لاسيما إن المعضلة الكبرى تكمن هنا في سذاجة العقول التي لازالت تلهث وراء الشعارات الرنانة التي يلقيها البعض من زعماء تلك الاحزاب متناسين الحقيقة المُرة ..وهو "تكرار لنفس المشهد السابق ولكن باختلاف الزمن والشخوص ".

ومايتبين لمتابعي الشأن العراقي عن كثب إن السنوات المريرة السوداء التي أعقبت عام 2003 مثلت حال الشعب العراقي بحال الذي خُدع بظاهرة السراب وهي (أن تُخيل للناظر بأنها شيء وهي ليست ذلك الشيء )) ، والمقصود هنا أن الشعب العراقي ليومنا هذا لازال يجري وراء السراب المتنوع الاهداف والمقدم من تلك الاحزاب الحاكمة متمنين أن يكون الفكر السياسي القادم هو الأفضل كونه يحكم بكابينة واحدة تنقذ البلد وتأخذه الى جادة الصواب غير إن المحصلة النهائية مخيبة للآمال كونها تأتي بنفس النتائج لسابقاتها ، وهم متناسين الحديث النبوي الشريف "لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين " ..(حديث صحيح).

والحل يكمن هنا في استبعاد تلك الاحزاب الاسلامية الحاكمة برمتها من العملية السياسية خصوصا أن البناء السياسي بعد عام 2003 هو دخيل على المجتمع العراقي كونه أسهم في تفكك أواصر المجتمع العراقي الى ثلاث أطياف (سنة وشيعة وكرد) بدلاً من الحفاظ عليه، فلابد من إنهاء المحاصصة المقيتة ليكون حال العراق كحال باقي البلدان المجاورة التي التزمت بمبدأ فصل الدين عن السلطات، وذلك يكون من خلال استبدال تلك الاحزاب بحكومة مدنية تحرص على تطبيق معايير المواطنة الحقيقية وعلى إنشاء علاقات متوازنة مع دول الجوار، وعلى الطرف الآخر تقع مهمة التوعية على عاتق المرجعيات الدينية بأطيافها من خلال إرساء دعائم الرسالة السماوية ونشر قيم التسامح بين الأديان والعمل على نشر الود والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد بدلاً من الصراع على المناصب السلطوية .

• رأفت حمودي كاتب عراقي

الآراء الواردة في المقال تعبر عنه ولا تعبر بالضرورة عن مصراوي

إعلان