إعلان

جسر العودة..!

محمد أحمد فؤاد

جسر العودة..!

05:58 م الخميس 14 أبريل 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

ليس التملق من عاداتي.. ودائماً ما أمقت مَدَّاحي العروش، واستهجن عادة الانحناء لالتقاط ما يلقه أي ملك على الأرض، سواء قطع ذهبية أو فضية أو حتى فتات من طعام.

وسأظل أفعل حتى تتحقق أمامي نبؤة "القرطاس والقلم"، وتسقط تلك التبعية البغيضة أمام إباء وشمم جيل واعد سيتحمل مسؤولية بناء مستقبل هذه الأرض.

تابعت ما توفر من أخبار عن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية ومنتديات التواصل، وباغتتني فجأة أغنية جسر العودة لأيقونة العروبة للسيدة فيروز.. تردد في أذني دوي المقطع الأخير من الأغنية وفيه تقول جارة القمر "سلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين بمنازلكم.. قلبي معكم وسلامي لكم.. والمجد لأطفال آتين الليلة قد بلغوا العشرين.. لهم الشمس ولهم القدس والنصر وساحات فلسطين"..!

الجسر اليوم ليس هو جسر الأحزان.. الجسر اليوم خطوة بالرغم ما دار حولها من زخم وصل لحد اللغط والتراشق، قد تكون هي الأكثر جرأة لتعديل مسار المستقبل في منطقة مزقتها نصال الصراع بين كبار محترفون وصغار مندفعون، ومرتزقة، ولصوص، وأغبياء أيضاً.. لننحي جانباً حسابات الخبراء مدفوعي الأجر، ولننظر بعين الاعتبار لحسابات البسطاء الحالمة، فهؤلاء هم من يراودهم الأمل بشأن نتائج عظيمة يترقبونها على إثر تلك الزيارة ذات المدلول الاستراتيجي العميق، ولكن ظني أننا سنحتاج حتماً لبعض الوقت والصبر قبل حصاد ثمارها مادياً أو معنوياً.. وتعالوا لنرى أيضاً احد أهم الأبعاد الاستراتيجية لتلك الزيارة، وهو إعلان تدشين الجسر البري العملاق ليربط الأراضي المصرية بأراضي المملكة بصورة مباشرة قد تُختصر معها مسافات وخلافات ذات ملامح تاريخية، وأيضاً تبعات كثيرة لأحداث جسام أرهقت كاهل الدولتين، لكنها لم تكسر شوكتهما، ولم تنل من سلامة وحدتهما، على الأقل حتى كتابة تلك السطور..!

الهاجس الأكثر رواجاً بين أغلب المهتمين بالمتابعة الموضوعية لتطورات الأحداث بالمنطقة يشي بأن هناك بين طيات تلك الشراكة بنودًا سرية عن تنازلات من الجانب المصري تتعلق بالسيادة على الأراضي ومسألة ترسيم الحدود البحرية، في مقابل الحصول على تسهيلات ومساعدات اقتصادية قد تخفف قليلاً من الأعباء التي طالما أثقلت كاهل الحكومات المصرية المتعاقبة.. فإن كان هذا الهاجس في محله، فلابد إذاً أن ينتبه أطراف ورعاة تلك الشراكة إذا ما فاتهم أن اتفاقيات من هذا النوع لابد وأن تكون مفيدة لطرفيها بنفس المقدار، وإلا فمصيرها التعثر، ومن ثم الفشل..!

نحن بلا شك بصدد علاقة طويلة الأمد، حتى وإن اختلف الطرفان في طبيعة أنظمتهما وأمزجتهما الثقافية.. المملكة العربية السعودية دولة تخوض عراك شديد الضراوة من أجل الإبقاء على وضعها ومكانتها التاريخية في المنطقة، حتى لو اختلفنا معها في الآليات، وهذا أمر لها فيه أن تتخذ ما تراه مناسب من إجراءات تضمن لها درء الأخطار عن شعبها ومصالحها.. أما بالنسبة لمصر فصراعاتها متعددة الوجوه، ويبدو أنها ممتدة على الكثير من الأصعدة، فهي فجأة وبعد سنوات من السكون القسري صارت تتصارع على جبهات مختلفة داخلياً وخارجياً من أجل الحفاظ على هويتها وأمنها في المنطقة، هذا مع الأخذ في الاعتبار بأن التحديات التي تواجهها على صعيد التنمية هي الأكثر قسوة وشراسة..

من رحم التشابه في المواقف، يولد التوحد على الهدف.. وهذا ما أظنه قد دفع الربابنة العقلاء لدى كلا الطرفين للإبحار في نفس المسار.. مسار محاولة العودة للساحة بسرعة وبقوة لإدراك الاستقرار.. لكن الواقع أنه دائماً ما تتبدل المواقف وتختل الموازين.. والثابت أن خرائط التحالفات أصابها الجنون.. لهذا تعلو أمامي في الأفق تساؤلات بالغة المشروعية على شاكلة: كيف يمكن إيقاف الغطرسة الأمريكية..؟ وكيف يمكن تهذيب الطموح الروسي الجامح..؟ وكيف يمكن تعطيل محاولات المد الشيعي..؟ وكيف يمكن التنصل من الاستغلال والحصار الأوروبي..؟ وكيف يمكن إطفاء حرائق الإرهاب والفتنة..؟ وكيف يمكن سد رمق ملايين البسطاء من جوعى ومشردين بفعل التهجير القسري على إثر الحروب المتتالية أو على الأقل بفعل تدني الأوضاع الاقتصادية عموماً..؟ وكيف يمكن استعادة كرامة الإنسان العربي المهدرة واسترداد راية الريادة..؟ والأهم من هذا كله.. كيف يمكن اقتلاع النبت الصهيوني الشرير من الجسد العربي الذي أنهكته الصراعات..؟ 

يعلم القاصي والداني أن دولة الاحتلال الصهيوني هي دائماً مستفيد أول مما يجري على الساحة خيراً كان أو شر.. فهي مبدئياً شبه تخلصت من شبح المواجهة مع جبهات كانت يوماً قوية كالعراق وسوريا.. وهي تسبح الأن بأريحية ودأب في شراكات غامضة مع دول شرق أوسطية بعضهم للأسف ينتمي للعرب نسباً، والبعض ممن يسعون لحصد إرث العرب الممزق كدولة إيران، ودولة تركيا التي مازالت تراودها أحلام إحياء دولة الخلافة إذا ما لم يتم قبولها أوروبياً..

الزخم الذي أصاب الساحة بشأن نقل السيادة على جزر صنافير وتيران من مصر إلى السعودية أمر أراه على المستوى الشخصي صحي ومفيد، فهو بمثابة حجر ألقي في مستنقع الغفوة العربية التي استفحلت حتى جعلت من العدو الصهيوني مرجعية لحسم خلافات أبناء العروبة.. وهنا بالطبع أسجل تحفظي الكامل على مواقف السماسرة المأجورين ممن يتنكرون في ثياب الخبراء..! وبعيداً عن مهاترات وسذاجة البعض بين مؤيد وموافق بلا سند، أو معارض ورافض بلا سبب، سنجد أن الساحة داخلياً ستحفل في الأيام القادمة بالعديد من الآراء المتباينة التي أظنها ستجبر الجميع على الاحتكام إلى الوثيقة الرسمية الوحيدة المنوطة بالفصل في مثل هذه النزاعات وهي الدستور، والذي هو كفيل بالوصول بمسار الأمور الخلافية إلى أفضل صيغة ممكنة.. فالإختلاف وارد بين يمين ويسار وهذا شأن السياسة في العموم، ولكن المؤسف ألا نجد بيننا من الحكماء من يملك القدرة على توظيف وثائق ومستندات الإثبات كما ينبغي أن يكون.. والأكثر إيلاماً أن تُترك مصائر الدولة عرضة لهواة الظهور على حساب حقوق تاريخية ثابتة لشعب بأكمله..

السلطة التنفيذية اخترقت نص الدستور، وما كان على الحكومة أن توقع اتفاقية لترسيم الحدود مع أي كيان قبل مراجعة المادة 151 من مواد الدستور، وتطبيقها بدقة وحرفية.. وسيحسب على الرئيس أنه قال يوماً أن هذا الدستور تمت كتابته بالنوايا الحسنة، الأمر الذي ربما شجع المنتفعين من أصحاب الأغراض لتوريط مصر في أزمة ربما هي الأخطر منذ استعادتنا للدولة من براثن جماعة الشر الإخوان المسلمين، تلك التي لاقت ما لاقته من رفض شعبي لمجرد ظهور ملامحها الفاشية..!

إعلان