إعلان

10   ملاحظات على هامش فيلم "سبوت لايت".. كيف يمكن للصحافة أن تغيّر العالم؟

حازم دياب

10 ملاحظات على هامش فيلم "سبوت لايت".. كيف يمكن للصحافة أن تغيّر العالم؟

02:14 م الخميس 04 فبراير 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - حازم دياب:

ربما تعيش الصحافة حالياً، الاستقصائي منها على وجه الخصوص محنة كبيرة، منذ أن اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر، انغمس كل أطياف المجتمع في هموم الوطن، والبحث عنه في دواخلنا، ولأنّ الاستقصاء مفاده أن تعثر على إجابة لأسئلة تبدأ بلماذا، فإن ذلك في مصر عسيراً، وزخم الأحداث وتلاحقهاً جعله أكثر صعوبة.

حين قرأت كتاب "البروج المشيّدة" للكاتب الأمريكي لورانس رايت كان بالنسبة لي هو البوصلة التي يجب أن يقتدي بها كل صحافي يقرر ألا يمرر الخبر مهما كان عظمه بشكل عابر، لابد أن يدقق، يجعل الناس يعرفون لماذا وقع الخبر لا يقرأ كمتصفّح لجريدة حوادث. لورانس فعل ذلك مع الحادث الذي غيّر وجه العالم في 2001، عندما اهتزّت أمريكا والكون كله بحادث الطائرات بما عُرف بالثلاثاء الأسود، قرر الصحفي الأمريكي المخضرم أن يبحث في أسباب الحادث وقابل ما يربو على 600 شخصاً يجول في دواخلهم عن الأسباب التي دفعت قائدي الطائرات إلى زهق الأرواح، وقد حصد كتابه الذي استغرق أعوام لكتابته أرفع الجوائز الصحفية في العالم.

 

تفقد الصحافة دورها عندما تتراجع عن التنقيب، من أسباب المعاناة والإحباط في مصر أنّ ثمّة مواضيع صحفية تم نشرها تكشف فساداً دون أن يقرأ المسؤولون، أو عرفوا واتبعوا سياسة أن ذاكرة الناس حالياً تلوك الحدث العظيم ليومين على الأكثر. فكّر فيما لو قام أحد الصحافيين بكشف لغز مقتل الإيطالي المختفي.. هل هناك من أحد سيتم محاسبته؟.. الحقيقة إن البيانات الرسمية نفسها تكون غائبة.

حديثاً شاهدت فيلماً يدعى (spotlight) أو بقعة ضوء، الذي صدر في نوفمبر من العام الفائت وحقق رواجاً كبيراً، وفيما يلي قراءة من مشاهد عمل بالصحافة وأحب فئة الاستقصاء منها:

PRESS 1

1- الفيلم يتناول دور الصحافة الاستقصائية في كشف عورات المجتمع، من خلال صحيفة أمريكية. كلّما وعى القائمون على الصحف بدور الصحافيين الذين ربّما يعملون على قصة واحدة لمدّة عامين، كلّما خرجت قصص يهتم بها العالم، وتغيّر القوانين وحياة الناس للأفضل. هناك خمسة من الصحافيين في الجريدة الأمريكية مهمتهم الأولى في الصحيفة أن يعملوا على القصص التي تستحق أن يثار من حولها ضجّة.

2- الأفلام في الآونة الأخيرة بدأت تتجّه إلى تناول القصص الواقعية، وأصبحت جملة based on a true story بصمة في معظم الأفلام الصادرة ما يرسّخ فكرة أن الخيال أصبح أكثر فقراً من الواقع. تجوّل في قوائم الأفلام المرشّحة للأوسكار سوف تجد أكثر من النصف قصصاً مبنية على قصص حقيقية.

PRESS2

3- الفيلم يرصد دور صحيفة "بوسطن جلوب" في كشف قصة تعديّات جنسية من قبل قساوسة وصلت إلى حد ممارسة الجنس الكامل مع أطفال لمدة عشرات السنين، بغطاء من الكنيسة وإخفاء لوثائق تكشف ذلك، والأشد هو الإبقاء على قساوسة في مناصبهم رغم علم القيادات بجرمهم.

4- تعرّض الصحافيون لكثير من المضايقات وإخفاء المعلومات من أجل الوصول إلى ورقة أو مقابلة مع ضحيّة تخشى ذكر اسمها. ما لفت نظري هو السؤال بوضوح من قبل الصحفيين دون تلجلج أو خجل من أمر ما. صحفية كانت تسأل ضحيّة يسرد أن قسّا تحرّش به. سألته ما مفاده أن اللغة الصحفية لابد أن تكون دقيقة، فما معنى أنّه قد تحرّش به بالضبط، لأن القارىء ربما فهم أن التحرّش مجرّد لمسة عابرة دون يفسرّها أنّها تجني من قبل المتحدّث. هنا أسهب الضحيّة قائلاً إنّ القس مارس معه الجنس الفموي.

PRESS3

5- بداية التحقيق كان من خلال مقال رأي ذكر واقعة لقس واحد، قادتهم إلى عشرات القساوسة. والمصادر لم تكن تستجيب بسهولة للحديث مع الصحافيين، في البدء كان الرفض القاطع للحديث، لم يتسلل اليأس إلى القائمين على التحقيق، لان الضحايا وصلوا إلى اتفاق يقضي بعدم ذكر أسمائهم، وما أن أحس المصدر صدق الصحفي ورغبته في كشف الحقيقة بوازع الضمير والإنسانية منحوا الصحفيين الحق في ذكر أسمائهم بلا غضاضة.

6- تعرّض الصحافيون لأمر محبط أثناء العمل على التحقيق، وهي حادثة هزّت أمريكا سياسياً واجتماعيا: 11 سبتمبر، ما تسبب في تأخر نشر التحقيق: من ذا الذي سيقرأ أي شىء وطائرات الإرهاب تخترق سماء أمريكا. هنا يتكرر كثير من الأمور، أن تكون صدر صحيفتك تغطية لزيارة الرئيس إلى سنغافورة أو لشهداء سقطوا في مظاهرة يدفع بتحقيق عملت عليه ربما لعام أو لأشهر إلى التواري.

PRESS4

بالمناسبة، ظهر الكاردينال برنارد لُوْ، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن مكان الجريمة عقب تفجيرات الأبراج وموت أكثر ألفي مدني، ليقول إن ما يحدث بسبب بعد الأمريكان عن الدين، وأنّه على الجميع العودة للتنقيب في الذنوب سبب ما يحدث.

7- من الأزمات التي واجهت مجموعة الصحفيين أو وحدة "سبوت لايت" بصحيفة "بوسطن جلوب" أثناء العمل على التحقيق أنّهم يقدحون في المؤسسة الدينية الأكبر، الدين في العالم كله هو الصنم الذي لا يمكن الاقتراب منه، التفكير في أن رجال الدين يمارسون الجنس مع الأطفال فكرة مثيرة لاشمئزاز أي إنسان طبيعي، فما بالك بأن تصطدم بوسط يحمل بعضهم مسحة من تديّن، لاسيما في أعقاب حادث جعل الجميع قريب من الموت. بالمناسبة أقارب الصحفيين كانوا لا يقبلون القدح في الكنيسة، وفي آخر الفيلم كانت صحفية تتطلّع في وجه جدتها وعينها الدامعة وهي تقرأ عن فضائح القساوسة التي شاركت في الكشف عنها حفيدتها التي كانت تصحبها للكنيسة، حيث تستمع باحترام للقس.

8- مبدأ السعي وراء الحقيقة قد يمنحك صدف سعيدة، فتقابل من يضع لك أوراق ووثائق تدعم الفرضية التي تبحث عنها، وأنّك قد تعثر أيضاً على بيضة ذهبية أثناء التحقيق لكن الصبر والمزيد من الصبر قد يدفعك للوصول إلى الدجاجة التي تبيض الذهب.

9- كان هدف وحدة "سبوت لايت" ألا يقصوا قسّاً من منصبه فحسب، بل أن يهزوا المجتمع بأثره، أن يجعلوه يستفيق صباح ليلة على إثر زلزال يهز أعماقهم. ونشرت الجريدة بالفعل التحقيق وكان غرض الصحافيين أن يضربوا "النظام" من خلال وثائق في عشرات القساوسة وليس شهادة ضحيّة تسلتزم اعتذاراً وينتهي الموضوع. وكان من بين الوثائق مثلاً وثيقة تقول إن قسا تحرش بصبي في السابعة عشرة من عمره على مدى 21 ليلة متعاقبة بينما كانوا يتجولون في أنحاء المقاطعة.

PRESS5

10- في نهايات عام 2002 وبعد نشر التحقيق الذي جعل الصحيفة تتلقى الآف الاتصالات التي تحمل شهادات تدين أكثر من 90 قسّاً، كانت النتيجة التي هزّت أمريكا وقتذاك: استقال الكاردينال برنارد لُوْ، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن، على خلفية خروج مظاهرات حاشدة في الشوارع وسط اتهامات بأنه غطى على استغلال أطفال جنسيا من قبل قساوسة كاثوليك في أبرشيته. وقد قبل البابا استقالة الكاردينال بعد اجتماع قصير في الفاتيكان. والأهم أن مثل هذه الجرائم بدأت في الاختفاء من بوسطن.

ما يلي اقتباسات من موقع "بي بي سي" الذي تابع ردود الفعل حول التحقيق، بتاريخ 13 ديسمبر 2002:

-استقال الكاردينال برنارد لُوْ، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن، وسط اتهامات بأنه غطى على استغلال أطفال جنسيا من قبل قساوسة كاثوليك في أبرشيته. وقد قبل البابا استقالة الكاردينال يوم الجمعة بعد اجتماع قصير في الفاتيكان.

- تواجه أبرشية بوسطن حوالي 450 قضية قانونية تدعي استغلال أطفال جنسيا، وتفكر الأبرشية الآن في إعلان إفلاسها.

- اتهم منتقدون الكاردينال لُوْ بأنه نقل القساوسة الذين حامت حولهم الشبهات من موقع إلى آخر بدلا من مواجهة المشكلة.

- شملت الوثائق التي أعلنتها الكنيسة اتهامات بأن:

**قس تحرش بصبي في السابعة عشرة من عمره على مدى 21 ليلة متعاقبة بينما كانوا يتجولون في أنحاء المقاطعة.

** كاردينال لُوْ زكى أحد قساوسته لوظيفة قس في الجيش قائلا إنه ليس هناك ما يدعو إلى منعه من العمل مع شباب، وذلك بعد أن دفعت الكنيسة 200 ألف دولار لأسرة شاب يدعى أن القس استغله جنسيا.

**قساوسة أنجبوا أطفالا بطريقة غير شرعية، تاجروا في الكوكايين مقابل الجنس مع أولاد، واستغلوا جنسيا بنات يتدربن لكي يصبحن راهبات.

**يواجه الكاهن بول شانلي، وهو قس آخر في بوسطن، عشر تهم باغتصاب أطفال. وقد أطلق سراحه بكفالة هذا الأسبوع.


PRESS 1PRESS2PRESS3PRESS4PRESS5

إعلان