إعلان

وجهة نظر: دولة البؤس أم مملكة الضمير..!

محمد أحمد فؤاد

وجهة نظر: دولة البؤس أم مملكة الضمير..!

07:33 ص الإثنين 18 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم -محمد أحمد فؤاد:

لم يكن جيمس هنري برستد عالم الآثار والمؤرخ الأمريكي 1865 : 1935 حالماً حين حاول إثبات أن الحضارة المصرية القديمة كانت بحق هي مهد الأخلاق والقيم الإنسانية، وربما لم يجد الرجل صعوبة تذكر ليكشف باليقين أنها هي المنبع الذي انتشرت منه إلى مختلف بقاع العالم برعاية الألهة ماعت ألهة الحق والعدل والنظام في الكون، لهذا بإختصار كانت الأخلاق والقيم هي محور كتابه الأشهر فجر الضمير..

هذا الفجر ذو الجذور الضاربة في أغوار التاريخ، للأسف أراه آخذ في التبدد على يد السواد الأعظم من أبناء الجيل الحالي، إلا من رحم ربي بالطبع..! يطغى هذا الهاجس على الفكر، وتسيطر على المشهد حالة من الإحباط العام، على الرغم من امتلاك هذا الجيل من الأدوات والفرص والتسهيلات الحياتية ما لم يتوافر أبداً للأجيال السابقة، بل أظنه تعدى ذلك إلى مرحلة فقدان روح الانتماء للأرض والمكان، وتدنى لديه الحس الوطني الذي لا أدري لماذا يتلاشى بتلك السرعة في وقت نحتاج فيه لتنمية النزعة القومية لتتوائم وهذا الحراك الثوري المستمر والمتواصل منذ الثورة المجيدة يناير 2011.. هل هو هذا الإرث الثقيل من الهموم والمآسي المتراكمة.. أم تراه الجهل المصحوب بالسخط على الأوضاع وفقدان الأمل في أي تحسن؟

الإجابة الحاضرة لدي وبقوة هي نعم..! هو سخط واحباط سيطر على المجتمع طوال فترة حكم مبارك ومجموعته على مدار ثلاثة عقود، وذلك لاستئثارهم فقط دون غيرهم بكل ما هو جيد أو ايجابي..؟ هذا الشعور الأليم بالبؤس والتعاسة بين مختلف قطاعات الشباب في المجتمع، أظنه انتقل بسرعة شديدة عبر الأجيال المتلاحقة ليسيطر على السواد الأعظم من العامة الأن، وظني أنه المؤشر الأخطر الذي ينذر بكوارث مجتمعية وتبعات مخيفة ما لم نتحرك فوراً لتداركه قبل نقطة اللا رجعة..!

سأتطرق تحديداً لأزمة الثقة والفجوة الفكرية، التي أراها تزداد اتساعاً بين أبناء الجيل الحالي من جهة، وبين عبدة أصنام البيروقراطية والروتين الفاسد داخل المؤسسة الحاكمة من جهة أخرى.. وأدلل على وجهة نظري بما شهدته الجامعات والمعاهد والهيئات التعليمية بفروعها كافة على مدار العام الدراسي الذي أوشك على الانتهاء، من اخفاقات في الأفعال وردود الأفعال التي صاحبها ما صاحبها من عنف بدني، وتخريب واستهداف للمنشآت والأبنية التعليمية وبنيتها التحتية، والأخطر هو عدم اكتراث قطاع كبير من الطلبة بالقيمة المعنوية للعلم والتعليم والمعلم.. وأزيد قليلاً ما نراه اليوم من جرائم أدبية وأخلاقية وسلوكية ترتكب بصورة متكررة في محيط أروقة ودور الثقافة والعلم..!

خيبة الظن لحقت بالمجلس الأعلى للجامعات، وكذا بمؤسسة الأزهر لعدم اظهارهم الحنكة المرجوة لاحتواء أو لمجرد استيعاب المتغيرات التي حدثت داخل المجتمع بفعل الثورة المعلوماتية واتساع الفضاء الإلكتروني، وتعاظم قدرات الطلبة على التواصل والنقد المباشر والتمييز بين الغث والسمين داخل المناهج الفكرية والفقهية التي أجمع كل العقلاء على ضرورة التوجه لتعديلها بما يتفق مع روح العصر ومستحدثاته..!

يقف شعبنا وحيداً متفرداً في المنطقة متسلحاً بوحدة الأرض التي طالما استوعبت عناصره المختلفة، وهنا وجب التأكيد على أن الحفاظ على الهوية المصرية هو التحدي الأكبر في وجه دعوات الانفصال والانعزال والتشرذم المتكررة، والتي تؤدي بالتبعية لاستنزاف قدرات المجتمع على الاحتفاظ بهويته.. وربما حان الوقت للاعتراف بأننا مصابون بتشوهات مجتمعية تراكمية ظهرت أعراضها بوضوح مع خروج الشعب عن صمته، وتلويحه باستخدام حقه في الحرية بلا ضوابط أو شروط فكان الحصاد هو المزيد من العشوائية والهمجية والغوغائية على طول الخط..! فبعض المسئولين في مواقعهم تنقصهم الحصافة الكافية لاستيعاب تلك الحقيقة.. وهي أنهم في مواقعهم لتقديم الخدمات للشعب بطوائفة كافة، وليس لفئة على حساب أخرى، وعلى المسؤول أن يعي تماماً أنه يتعامل مع الشرائح المجتمعية المختلفة بعدالة وتجرد دون تصنيف من أي نوع، فالقاعدة أنه في موقعه مكلف بتحسين مستوى المعيشة، وحماية المجتمع ضد أي تجاوزات، وتقويم الأخطاء على أساس القانون.

نحن مجتمع بكل طوائفه يصارع تيار تصفوي مخيف، يسعى إلى تقويض الوحدة الوطنية التي ترتكز على مبدأ وحدة الأرض، لكننا نأبى الاعتراف بالعلة الأساسية.. وأحددها هنا بوقوفنا بين مشاعر الإحساس بالدونية لدى شرائح مجتمعية تضم في الغالب الفئات الأقل حظاً، وبين سيطرة العنصرية والطبقية المصحوبة بإحساس زائف بالذنب لدى الشرائح الأوفر حظاً.. محاولات المؤسسة الحاكمة لتقليص تلك الفجوة المجتمعية الخطيرة هي أمر واضح للمهتمين بمتابعة الشأن المصري، وهي جهود محمودة تحسب لمن هم في موقع المسؤولية.. لكنها مع الأسف تحتاج إلى المزيد من الشفافية والوضوح والمكاشفة، ولا أظن أن الصمت تجاه بعض التساؤلات المشروعة فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، وقضايا الفساد الإداري، وكذا تجاوزات بعض المسؤولين سيكون أمرا مُجديا أمام عنفوان وقوة الجيل الحالي، خصوصاً إذا ما تُرك حق الرد لغير المتخصصين، أو لمن يتاجر إعلامياً بتلك القضايا لحسابات خاصة..! الرياح لن تحمل إلا المزيد من الضغوط والرفض والانتقاد طالما لم يأمن هذا الجيل على حقوقه المستقبلية.

أزمة الثقة بين أبناء الجيل الحالي وبين المؤسسة الحاكمة أظنها تنتهي فوراً بمد إيجابي لجسور الحوار وإطلاق العنان لحرية الفكر والتعبير، وأيضاً تنفيذ الوعود والإعلان رسمياً عن ما تم إنجازه منها، وكذا التوقف التام عن سياسات القمع والملاحقة لكل من يحاول فتح ملفات الفساد بتطبيق نصوص الدستور وبنود القانون دون استثنائات.. إما هذا، أو أن نظل نواصل هواية دفن الرؤوس في رمال أرض طيبة.. فقط عز فيها الضمير..!

إعلان