إعلان

رف السينما - حكايات وحشية

ممدوح صلاح

رف السينما - حكايات وحشية

10:06 م السبت 16 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح :

المخرج والمؤلف (داميان زيفرون) (Damián Szifrón) بيلتزم حرفياً بإسم فيلمه (Wild Tales) وبيقدم مجموعة من ست حكايات منفصلة بتدور كلها فى نفس الجو العام .. كوميديا الضغط النفسي والغضب والرغبة السوداوية فى العقاب والإنتقام. الفيلم كان مرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي من (الأرجنتين)، وبسبب إنه ماكسبش فهو مهدد بالاختفاء فى وسط أفلام كتيرة حلوة مابتخدش حقها من الشهرة فى الزحمة، عشان كده استنيت تعدي فترة مناسبة وأفكر الناس بيه بعد ما هوجة 2014 خلصت.

المؤلف والمخرج عنده (عوامل مشتركة) مع المخرج الأسبانى الأشهر (بيدرو ألمودوفار) – بتتنطق ألمودوبار – من ناحية تشابك الحكايات، والغرائبية اللى بتقود لمصادفات قدرية مثيرة، وده يمكن السبب اللى خلي ألمودوفار نفسه يتحمس لإنه يكون من ضمن منتجي الفيلم.

الرحلة اللى بياخدك ليها الفيلم بتدور كلها فى مدن معاصرة متحضرة، فى مواقف إجتماعية لأشخاص عاديين، مفيش حد منهم حياته مرتبطة بالعنف الجسدي أو تدعو لضغط نفسي مستمر, وبيتنوعوا فى طباقتهم الإجتماعية ومراحلهم العمرية. ناس عاديين زينا بيتحطوا فى أزمات سهل نفهمها .. اللى بيساعد علي التنوع والوحدة في نفس الوقت هو وجود مخرج ومؤلف واحد للفيلم. عادة بتكون مشكلة الأفلام المكونة من قصص قصيرة هي تباين المستوى والأسلوب، بس هنا بيفضل موجود رابط خفي بين الحواديت اللى مش بتتقاطع ولا ليها علاقة مباشرة ببعض، لكن بشكل ما بتحسسك إنها جزء من نسيج متصل.

الحكاية الأولى مدتها حوالي 8 دقايق بتنتهى قبل بداية التترات، ومابيتمش ذكرها تانى ولا بتتقاطع مع أى قصة قادمة، وأقصر من القصص الخمسة الباقيين اللى كل واحدة فيهم مدتها حوالى 20 دقيقة .. لكن هى بتلعب دور فى تأسيس النغمة العامة للفيلم وتلميح للى مستنيك على مدار الساعتين..

لو أخدناها كمثال سريع ممكن نتكلم عنه بحرية من غير ما نحرق الفيلم .. هنلاقى القصة عن مجموعة من الناس اللى بتطلع علي طيارة بتذاكر مش هما اللى شاريينها، وبيكتشفوا وهما فى الجو إن كلهم معارف لشخص مشترك، وبيكتشفوا برضه إن الشخص المشترك ده هو المتحكم في الطيارة دلوقتي، وإنه جمعهم هنا بخطة محكمة عشان ينتقم منهم .. سواء حبيبته اللى خانته أو عضو لجنة التحكيم اللى رفض أعماله الفنية أو طبيبه النفسي .. الخ

أول حاجة بتيجي في بالك وإنت بتشوف القصة القصيرة دى هي الغرابة .. نوعاً ما مستحيل فى الواقع تنفيذ خطة بالدقة دي، وصعب أصلاً تلاقى عدد من الناس اللى عايز تنتقم منهم يملا طيارة! حالة عامة من الجنون والصخب والمبالغة، لكن بتقول لك إن المخرج والمؤلف هنا مش ناوي يقف عند حدود المنطق، وهيعديها بسهولة عشان يخلق لك أكبر حالة ممكنة من فوضي الكوميديا السوداء.

تانى حاجة بتشوفها هي التفاصيل .. المخرج مهتم بكل حاجة سواء فى التصميم البصري للكادرات أو فى تناسق الحوار، بطريقة مابتجيش عادة غير لما يكون المخرج هو نفسه المؤلف. فمثلاً، أول جملة فى الفيلم بتكون للبطلة فى المطار وهي بتحاول تحط الأميال اللى فى تذكرة السفر اللى كسبتها علي أميالها الخاصة والموظفة بترفض، جملة بسيطة وبتعدى، لكنها ممكن تبقى كشف مهم لطبيعة البطلة الإنتهازية أو طبيعة البشر عموماً زى ما الفيلم شايفها .. وبعدين وهي بتركب الطيارة بيعدي جنبها واحد وبتشوفه، وبنعرف بعد شوية إن هو ده صديق حبيبها اللى خانته معاه، ومع ذلك ماقدرتش تتعرف عليه في البداية! .. الشخص اللى بيعرض مساعدته عليها فى ترتيب شنط السفر ، بنكتشف إنه بيعمل ده بدافع المغازلة وبيبدأ يفتح معاها كلام .. وأخيراً، الدكتور النفسي لما بيروح بهيستريا يخبط على باب الطيار المقفول وبيحاول يهدي الخاطف، بيقول له مايلومش نفسه علي رغبته الإنتقامية دي، وإن المسئول عن تدمير حياته هما أبوه وأمه، بنفس طريقة كلامه كطبيب نفسي.. وكأن الفيلم بيشير لتهافت علم دراسة النفس البشرية كله، اللى آخر حاجة وصل ليها هو القاء اللوم على طرف تالت مش موجود أصلاً فى الموقف.. وبتكون ذروة تصاعد القصة لما بنتنقل لمشهد لرجل وست عواجيز قاعدين يقروا الجرنان فى جنينة البيت بهدوء، وفجأة الطيارة بتقرب عليهم بسرعة وهي بتقع.. وطبعاً سهل نتخيل – حتي لو الفيلم مابيقولش – إن دول بقي يبقوا أبوه وأمه!

الفيلم بيخاطب الجانب الحيواني فى البشر، بشكل مباشر أحياناً زى ما بنشوف فى التترات. وبيحطك إنت نفسك فى اختبارات مستمرة.. أكيد الأشخاص اللى ع الطيارة يستحقوا الإنتقام، وكلنا عندنا مجموعة من الناس اللى ممكن توصلك لدرجة من الإستفزاز والضغط فتتمني إنك تنتقم منهم .. بس لدرجة إنك تخطفهم على طيارة وتموتهم؟! ايه هي حدود الإيذاء اللي سببوه في حياته؟ وهل هو مقدار متساوي من الكل؟طب هو أصلاً لازم تتناسب درجة الإنتقام مع الفعل نفسه، ولا مع تأثيره عليك أياً كان الفعل بسيط؟

حاجات زي كده بتسبب نوع من (التقلب الأخلاقي) طول الفيلم، بالذات في القصص التانية لأنها أطول وفيها مساحة للتعريف بالشخصيات والدوافع والتصاعد التدريجي للموقف .. ممكن تلاقى نفسك متعاطف مع الشخص الغاضب، وحاسس بنفس إحساسه من التوتر أو اليأس العاجز اللى بيزقه ناحية الإنهيار العصبي .. وبعدين فى لحظة الانتقام بتحس إنه زودها شوية، أو زودها كتير، وبعدين يصعب عليك الطرف التاني .. وهكذا .. وفي نفس الوقت بتفضل محتفظ بإستمتاعك المستمر بالجنون والتمادي فى الفكرة للآخر .. واللى مابتاخدش بالك منه هو إنك ممكن تكون كمتفرج فى نوع تاني من اختبارات الوحشية، وفي سؤال خبيث مستخبي عن حدود احتمالك لأحداث شديدة التراجيدية في سبيل تسليتك الخاصة .. وهل كونك مستمع بمشاهدة ناس بتتخبط فى سلسلة من الأحداث المأساوية اللى ممكن توصل للموت ده بيقول عنك حاجة ولا لأ؟

لما شفت الفيلم ماكنتش أعرف عنه كتير؛ عشان كده اخترت إنى اتكلم بس عن القصة الأولى وأسيب للي هايتفرج متعة الإستكشاف، والتعامل المباشر مع الفيلم وتشكل التوقعات والإحتمالات اللى تدريجياً بيخليها تدور فى دماغك .. كفاية أقول لكم إن آخر قصة بتبدأ في فرح بمشهد للعريس والعروسة بيرقصوا مع بعض وسط حالة من السعادة والهدوء من القرايب والأصدقاء .. فمن أول دقيقة في القصة ابتدت ابتسامة شريرة عريضة فى التكوين وأنا بس باتخيل ايه اللى ممكن يحصل هنا دلوقتى مع الناس دول.

ss

 

إعلان