إعلان

أشرف أبو الخير يكتب: في صحة وزير العدل

أشرف أبو الخير

أشرف أبو الخير يكتب: في صحة وزير العدل

04:25 م الإثنين 11 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أشرف أبو الخير:

قبل سنوات، كان صديقي رقم 1 طالبًا بكلية الحقوق، وطبقًا لحكايته فقد كان أكثر كسلاً من أن يذهب إلى كُليته إلا في أيام الامتحانات، كان يُذاكر بالنسبة التي تسمح له أن يعبر الامتحانات، فقد كان صديقي غاوي رياضة وفنون، يقرأ بشغف عن الفنون، يشاهد أعدادًا لا نهائية من الأفلام والمسلسلات والمباريات، ويقرأ بنهم حقيقي، فكانت النتيجة الطبيعية، أن تحول مع مرور الشهور والسنين والأيام، إلى شخص حساس، مرهف المشاعر، فنان حقيقي، يكتب بخفة ظل حقيقية، ويمارس النقد الفني والرياضي بخفة ظل وعمق حقيقيين.

أثر هذا على دراسته بالطبع، فتخرج بتقدير مقبول.. في دور سبتمبر كذلك، ونجح في أن يشق لنفسه طريقًا في عالم الفن.. هناك الكثير من المنطق في ذلك، لكن والده – رحمه الله- كان له رأي آخر، فتدخل بصورة أو أخرى، وبعد شهور بسيطة عرفت أن صديقي اجتاز الكشف الطبي للنيابة العامة بنجاح، واستطاع أن يحفر لنفسه – بعلاقات والده وسلطاته الاجتماعية- طريقًا جديدًا، ليصبح الان مستشارًا نشيطًا يحكم بين الناس.. بالعدل

ملحوظة: هو صديقي حتى الآن، هو رجل شريف بحق، ويمكنني من خلال حكاياته البسيطة عن عمله استنباط أنه لا يبيع ضميره إطلاقًا، وأن مقعد القاضي الذي يجلس عليه يزدان بوجوده عليه حقًا.

صديقي رقم 2: حصل على مجموع تجاوز الـ 95% في الثانوية العامة، لكنه اختار الحقوق، كان يعلم هدفه منذ البداية، يريد أن يكون قاضيًا، وكنا جميعًا كأصدقاء مقربين في تلك الفترة، نعرف أن هذا الشخص يريد سطوة وسلطة القضاء، يريد المكسب المادي والاجتماعي، بصورة جعلتنا نتخيل سيناريو دقيق لحياته بعد انضمامه لسلك القضاء.. وقد كان.

حبس نفسه في منزله طوال سنوات الكلية الأربعة، نجح في الحصول على مركز متقدم دراسيًا فتخرج من أوائل دفعته، نجح في صناعة علاقات واسعة بمساعدة أهله وأقاربه بأساتذته بالكلية، وعدد ضخم من رجال القضاء والشرطة.. ونجح في النهاية أن يرتدي الوشاح بعد الحصول على واسطة بطريقة لا أعرفها، توسط له تفوقه ودأبه قبل كل شيء، لكن أهدافه لم تكن إقامة العدل، بقدر إقامة الفيلات والقصور، لم يكن هدفه الفصل بين الناس وبعضهم بالحق، قدر الفصل بينه كقاضٍ مهيب وبين عموم الناس من أمثالنا.. فكان طبيعيًا أن يختفي بغتة من حياتنا ليظهر في لمحات خاطفة، حين يتعدى على شخص بالسب والضرب لأنه – كسر عليه – بالسيارة، أو استخدامه لسلطاته في حبس عامل بسيط أتى إلى منزل سيادته ولم يقم بتسليك البلاعة كما يجب، فقرر تربيته بليلة في الحجز .. إلخ.

أما صديقي رقم 3: فمثلهما، خريج حقوق، والده شخص عادي للغاية، موظف حكومي، اعترف لابنه أن الوصول للنيابة سيكون صعبًا، ويحتاج – كما يعلم عموم المصريين- إلى واسطة كبيرة، لكنه نصح ابنه أن يرفع رأس الأسرة بتفوقه في الكلية أولاً، وعند الحاجة للواسطة، يحلها الحلال.

ومثل صديقي رقم 2، حبس نفسه في منزله لسنوات أربعة، خرج من محبسه وهو من أوائل دفعته ونجح تفوقه في أن يكون واسطته، ولا أعلم إن كان اعتمد على بعض المعارف أم لا، غير اني متأكد أن تفوقه الدراسي ساهم كثيراً في تسهيل أموره، وعلى عكس صديقي رقم 2، لم نسمع بأن صديقي رقم 3، تعالى أو اعتدى أو استغل سطوة وشاحه على من هم أقل منه اجتماعيًا أو مهنيًا.. وفقه الله.

وصديقي رقم 4 : انقطعت بيننا السبل الآن، ولا أعرف عنه أي شئ غير أنه ترقى مهنيًا ليصبح مستشارًا كبيرًا الآن، ومثله مثل الثاني، حصل على الثانوية العامة بمجموع كبير جدًا يؤهله لدخول كلية الصيدلة إلا أنه فضل الحقوق، كان والد صديقي رقم 4، يشغل منصبًا إداريًا كبيرًا بإحدى المؤسسات الأخطبوطية بالدولة في عهد مبارك، ولذا فإن تفوق صديقي الملحوظ بكليته، لم يكن له أي علاقة بتعيينه في النيابة العامة وقتها.

وأصدقائي من 5 إلى 700 التحقوا بالحقوق، لأسباب مختلفة، يتعلق معظمها بالمجموع البائس بالثانوية العامة، وتخرجوا مثلهم مثل الآلاف ليعملوا في أي مجال آخر، من مكاتب خدمة رجال الأعمال، لشؤون العاملين، لعمال دليفري، بعضهم تدرب في مكاتب المحامين لفترات قصيرة، ثم فهموا أن المحاماة (مبتأكلش عيش) فقرروا البحث عن مهنة أكثر إدرارًا للمال.

فهم هؤلاء أن الوصول لجنة الله في السماء أسهل كثيرًا من وصولهم لمنصات القضاء، فأبناء صغار الموظفين، والعمال، والحرفيين، لا يمكنهم التطلع إلى تلك المنصة، كما لا يمكنهم – بشكل عام- الوصول إلى بوابات الكليات العسكرية والشرطة، لا يمكنهم الوقوف كتفًا بكتف بجوار أبناء السادة والقادة.. فالله قسم المجتمع في مصر إلى سادة وعبيد.. هذا ما نعرفه جميعًا وتربينا عليه.

قف في كمين للشرطة واخرج هويتك المكتوب فيها أنك من إمبابة.. بجوار شخص تُعلن هويته أنه من مصر الجديدة.

اذهب إلى قسم شرطة، وأنت مهندس في شركة عالمية، ولاحظ ردة فعل الأمناء والضباط على مهندس زميل لك يعمل في مصنع ماكينات خياطة.

حاول أن تنهي أوراقك في أي مكان حكومي دون أن تتصل بأحد القيادات أو المستشارين أو الضباط أو غيرهم من فصيلة السادة، وجرب حظك في هذا الوطن الضاغط.

الأمثلة أكثر من إحصاؤها للأسف، وكلنا نمر بهذا يوميًا وبلا انقطاع، فأرجوك ألا تلوم السيد وزير العدل على تصريحاته التي أدلى بها لبرنامج "البيت بيتك" ، قائلا أن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يكون قاضيًا في مصر لأنه سيمر بظروف نفسية قاسية ولن يتحملها، أنت تعلم وأنا أعلم أن مجتمعنا (كاملاً) تربى على هذا، كما أننا نعلم تمامًا أن "ابن الجنايني بقى ظابط" لأن في هذا الوقت مصرنا كانت تحارب والضباط يموتون، فليس من الممكن أن يموت ابن السيد والمستشار والباشا، وليموت ابن الجنايني.. في داهية.

سنظل هنا، نناضل على السوشال ميديا متهمين المستشار وزير "العدل" باتهامات عديدة، لكننا نعلم يقينًا أن ابن الجنايني لو صار ضابطًا في مجتمعنا سننسى دبابيره اللامعة /وشاحه النظيف/ بذلته الأنيقة، وسنتعامل معه جميعًا على انه ابن الناس اللي تحت، فلا تلوموه واطلبوا من الله أن نتخلص جميعًا من تلك الأفكار ولو حتى بنيزك يأتي على الأخضر واليابس، ليتبقى فينا بنو الإنسان فقط، بدون تفرقة بين ابن من تتسخ يده بشحم المصانع، وبين ابن صاحب الأيدي الناعمة.

عميق مودتي

 

إعلان