إعلان

رف السينما - الفيلم الأول لـ (راسل كرو)

ممدوح صلاح

رف السينما - الفيلم الأول لـ (راسل كرو)

12:02 ص السبت 04 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح :

مش أول مرة ممثل أو ممثلة عندهم رصيد من النجاحات والجوايز يتحولوا لمخرجين. نفس الفيروس ده أصاب ناس كتير من آخرهم (أنجيلينا جولى) اللى عملت لحد دلوقتى فيلمين روائيين وبتجهز للتالت. ووصف (فيروس) ده مش اعتراضى فى المطلق؛ لأن التاريخ مليان ممثلين اتحولوا لمخرجين وعملوا أفلام تستحق.. لكن اللى بيخلينى كل ما اسمع عن ممثل بدأ رحلة الإخراج اتحسس مسدسي، هو إن التحول يكون لأسباب غير سينمائية أو نوع من (أزمة منتصف العمر).. أول حاجة باحسها إن الممثل ده لقى مسيرته الفنية مش بتتطور كويس، ومش معبرة كفاية عن أفكاره وطموحاته، أو يمكن مافيهاش التقدير النقدى اللى شايف نفسه يستحقه. فيقرر يغير (الكارير) وينضم لفئة أكثر إحتفاءاً من المهتمين بالسينما.. وهو سبب شخصى بالدرجة الأولى ومالوش دعوة بالفن ولا بالرغبة فى إنه يقول حاجة مختلفة مش قادر يقولها من مكانه الأولانى

والأسوأ بكتير: إنه يكون عنده اللى يقوله فعلاً.. بس اللى يقوله ده عبارة عن رغى أو مراهقة فكرية توافرت ليها الإمكانيات بسبب شهرته مش أكتر، محتوى فكرى من نوعية (الحب والسلام للبشرية كلها) أو (حافظوا على نظافة البيئة) أو (بالإصرار والتحدى يقدر الإنسان يتخطى كل العقبات) وغيرها من الأفكار اللى ممكن تتوصف بالوعظية.. وبرضه مش إعتراضاً على الأفكار دى نفسها اللى ممكن توصل فعلاً من خلال عمل فيلم، لكن الإعتراض على إن الجملة دى لوحدها تكون المحرك اللى يخلينا نكتب قصة ونجيب ممثلين ونطلع فيلم ماكنش فيه منتج هيعتمده بالموافقة إلا لأن الممثل – أو الممثلة – عندهم شعبية وعملهم الإخراجى الأول هيجذب الجمهور والنقاد ولو من باب الفضول.

تالت أسوأ سبب للتحول – واللى بيختلط عادة بواحد من اللى فاتوا – هو اللى ممكن نسميه (السينما الخيرية)، إنى أعمل فيلم يعرف الناس بمعاناة شعب الهنود الحمر، أو الأطفال فى باكستان، أو ختان البنات فى أفريقيا.

كده لمجرد إن صوتى مسموع، بدون أى خبرة حقيقية أو عمق معرفي وإنساني.. زى بالظبط اللى بيتبرع بوقته أو فلوسه لقضية، بس التبرع لصالح القضية هو فايدة حقيقية ومباشرة هتعود على المتضررين. لكن مع السينما، سهل النوايا الحسنة دى تتحول لنوع من العنصرية والكلام من فوق عن الناس الفقرا الغلابة المضلَلين فكرياً اللى بيعملوا حاجات متخلفة، واللى جيت أنا بنوع من عقدة (الرجل الأبيض) عشان انقل صوتهم للعالم المتحضر.. حتى لو صاحب الفيلم مش قاصد يكون عنصري.

الروائى الطويل الأول للممثل صاحب الأوسكار (راسل كرو) كمخرج، بتظهر فيه كتير من خصائص – وعيوب – أول فيلم.. فجأة بيتجرد من تاريخه السابق ويتحول من ممثل مخضرم ليه سجل حافل، لصاحب (عمل أول) بيتحسس بدايات أسلوبه الفنى وبيحاول يثبت نفسه، وفيلمه هيحدد مدى تقبل الناس ليه وخطوته الجاية، وإن كانت دى مجرد تجربة، ولا بداية لطريق فنى جديد. أكيد إحساس مختلف وفيه نوع من الإثارة سواء بالنسبة له كسينمائي أو بالنسبة للمشاهد.

فيلم (مستبصر المياه) (The Water Diviner) من إنتاج استرالي تركي، بيقوم ببطولته (راسل كرو) نفسه، مع مجموعة من الممثلين من ضمنهم أتراك فى أدوار رئيسية. وظاهرياً عنده كل الخواص السابق ذكرها واللى ممكن تهدم تجربته الإخراجية..

دراما تاريخية فى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، عن مزارع استرالي بيسافر تركيا بعد معركة (جاليبولي) للبحث عن أولاده التلاتة المفقودين فى فترة الحرب. وبيلاقى نفسه بيتورط فى خلافات مجتمعية وسياسية للبلد اللى بيتشكل من جديد وبيدور على استقلاليته، وفى فترة قصيرة بيرتبط بالأسرة التركية اللى بتدير الفندق اللى هو ساكن فيه، مع رسالة إنسانية قوية مناهضة للحرب.

لا يخلو الفيلم من الجو الإستشراقى المعتاد بتاع الأجنبي اللى بيلاقى نفسه وسط المدينة الغرائبية المليانة بسحر الشرق، والموسيقى المختلفة والألوان الدافية والروحانيات، والعلاقات العاطفية اللى بترفضها العادات والتقاليد الصارمة. جو عام من التنميط استغربت وجوده فى فيلم من إنتاج السنة دى! لو كان الأتراك بيتكلموا لغة مش مفهومة بدل لغتهم الحقيقية كان بقى شبه أفلام التمانينات الهوليوودية فى تقديمها للبلدان الشرقية.

فيه عيوب تانية واضحة فى الفيلم زى عدم توازن الدراما، الجزء الأولانى اللى بيدور فى استراليا أحداثه سريعة ومش متناسقة وكأن اللى بيحكيها بيحاول يديلك كل فعل ونتيجته فى أسرع وقت عشان يتنقل للجزء المهم فى القصة. وبعدين بيبتدى الإيقاع يهدى فى الجزء الخاص بتركيا ويحدد الفيلم شكل وملامح واضحة رومانسية درامية، وفى الفصل التالت بيظهر ميل مفاجيء للمغامرة وتحويل آخر نص ساعة لمطاردات تشويقية وإختلاق ذروة مش فى مكانها.. بخلاف الإفراط فى الأساليب المختلفة زى المؤثرات البصرية الخاصة والفلاش باك المتكرر والتصوير البطيء، وبإستخدامات تقليدية معتادة.

لكن اللى بيغفر للفيلم أخطاؤه دى، وبينقله لمنطقة خاصة من التواصل الحقيقي والإستمتاع، هو الإحساس اللى لا يمكن تزييفه بإن الفيلم (مشروع) فنى، تمت صياغته بدفعة شعورية حقيقية مش مجرد فيلم تجارى أو دفاعاً عن قضية عامة.. فى حوارات (راسل كرو) اللى قريتها بعد الفيلم كان بيأكد على إن معركة (جاليبولي) والجزء ده من التاريخ الأسترالي ماينفعش يفضل مستخبي، وكان واضح إنه حاسس بيه ومدرك لطبيعة الصدام السياسي والحضاري اللى بيولّد الحروب وبينتج عنها، أو ع الأقل ده اللى وصلنى، وبالتالى بتيجي رسالته الإنسانية بشكل تلقائى من قلب القصة اللى فعلاً تستحق تتحكى.

والحس الماوارائى المغلف للفيلم وبيظهر فى قدرات البطل على التواصل مع أبناؤه الغائبين بنفس قدراته الإستبصارية فى البحث عن المياه بيفرق كتير فى القصة، علاقة الأب بأولاده معمولة بشكل شخصي أصيل وبيبان فيها القوة التمثيلية الحقيقية لـ(راسل كرو). والأحلى إن مفيش محاولات لتفسير الجانب الميتافيزيقى ده بشكل يفسد عذوبته وغموضه. وبتيجي الصورة السينمائية الساحرة لمدير التصوير المخضرم (Andrew Lesnie) صاحب ثلاثية (The lord of the rings) كقيمة جمالية مضافة، متناغمة مع الطبيعة فى استراليا أو تركيا اللى بيتعرض ليها الفيلم طول الوقت فى خلفية الحرب والقبح والصدام.. مزايا الفيلم دى مستمرة بطول الشريط السينمائي، بتخفي عيوبه، وبتحسسك فى لحظات بعينها إنك متفاعل مع الأبطال وشايف بعينيهم، وبتنقلك فعلاً للعالم الخيالى/الواقعي للحدوتة، وده بالنسبة لى أكتر من كفاية فى الفيلم الأول.

+è+è+è+è+è+è+è

 

إعلان

إعلان

إعلان