إعلان

لماذا يعبد العرب آلهة الحرب..!؟

لماذا يعبد العرب آلهة الحرب..!؟

03:27 م الإثنين 23 مارس 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
هذا المقال يحتاج لتقدمة تاريخية تمهيداً لتوجيهه في مساره الصحيح، وحتى لا يتم تحريف هدفه الأساسي الذي هو دق ناقوس الخطر ليس إلا.. لذا ألتمس سعة صدر كل من اهتم بالمتابعة..!

في الممالك القديمة، وقبل اهتداء الإنسان بالفكر والعقل إلى الاستقرار وبناء حضارة، ظهرت في المعتقدات الوثنية قديماً مجامع للآلهة والمعبودات المختلفة، ومن بين تلك الآلهة من اختص بالحرب والدمار على شاكلة سخمت في مصر، وآريز في بلاد الإغريق، وعشتار في بابل، ومارس لدى الرومان، وقد كانت صراعات البدايات الأولى في أغلب الأمر من أجل البقاء والاستمرارية.. فما كان لكل هؤلاء إلا أنهم مثلوا رموز القوة الدافعة للنصر في الحروب داخل المجتمعات مع ظهور إرهاصات أولية ما عَرّفناه في العصر الحديث بالحضارات الأولى.. وفي هذا ربما كانت الحرب حينها وسيلة للدفاع والتمسك بالحق في الحياة لدى البعض، لكنها بالطبع كانت غاية شديدة الأهمية ومصدر لرزق غير مشروع بالنسبة لآخرين.. ومع التطور في مجالات العلوم، واتساع دائرة التنافسية على النفوذ جغرافياً واقتصادياً واجتماعيا، تطور بالطبع مفهوم الحرب بسرعة شديدة كلما أحرزت إحدى تلك الحضارات أي تقدم على حساب أخرى..

امتلك العرب زمام الحكم في أرض الجزيرة في شكل حكم قبائلي مع بداياتهم، ويرجع البعض أصل التسمية أي كلمة "عرب" إلى اللهجات السامية القديمة، وفيها تعني الكلمة البادية وسكانها، والبعض الأخر يرجع التسمية إلى "يعرب بن قحطان" الذي سكن اليمن وكان أول من تكلم العربية.. وقد ظهرت في أرض الجزيرة العديد من الممالك القوية قبل ظهور الأديان بقرون عديدة، فهناك مملكة سبأ جنوب الحجاز، ومملكة كندة في أرض نجد، ودلمون في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة، وهناك أيضاً مدائن صالح التي تعد من أهم الأثار العربية في شمال الجزيرة العربية على الإطلاق، حمل الإسلام لواء الثقافة العربية منذ القرن السادس الميلادي، وحلّق بها بعيداً من الخليج شرقا إلى المحيط غربا، وتراث العرب ذاخر بقصص الفروسية والفخر والقوة، ناهيك عن مساهمات الحضارة العربية تحت مظلة الحكم الإسلامي في إحداث ثورات نوعية هي الأعظم أثراً في تاريخ البشرية حديثاً.. لكن ماذا حدث؟ وماذا عن حاضرهم المؤسف وما آلت إليه أمورهم الأن..؟

بحساب بسيط سنجد أن إجمالي حجم صفقات السلاح في العالم العربي وصل عام 2013 إلى 165 مليار دولار حسب تقديرات المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن..! هذا السلاح لم يتم تصويبه تجاه العدو الحقيقي حتى الأن، ولكن يسقط به يومياً مئات الضحايا من أبناء العرب أنفسهم.. أليس هذا أمراً مدهشاً في بلاد تحتاج سنوياً إلى 145 مليار دولار لسد الفجوة الغذائية لدى الفقراء من أبنائها؟ وهي نفسها التي تحتاج إلى ما يفوق 200 مليار دولار لتمويل مشاريع الري وتأمين مصادر للمياه العذبة حتى العام 2023..!

دفة السياسة في الشرق الأوسط ليست بيد سكانه الأصليين، وهي تشير بإصرار إلى ساحات المواجهة والاقتتال.. نجحت مخططات زرع الفتنة داخل النقاط القوية المؤثرة، ولم يبقى إلا إطلاق إشارة البدء لتشتعل المنطقة بأكملها بصراعات ستحرقها بأكملها إلا دولة أبناء صهيون المحتلة..! ببساطة وكما نقول بالعامية في مصر "اللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى"..! فاقتتال المسلمين هو راحة لإسرائيل، وإلا لماذا صرخ نتانياهو السفاح من خلال موقعه الإلكتروني الرسمي أن العرب يتدفقون بقوة على صناديق الاقتراع وفي هذا تهديد لدولة بني صهيون، ليستحث شعبه على التصويت تحت ضغط الرعب من مصير يخشونه جميعاً هناك..! صرخة زائفة كاذبة لكنها تعني الكثير، وتعكس عقيدة وطموحات دولة الاحتلال.. نظرة سريعة لخطاب هذا القاتل الأخرق أمام الكونجرس الأمريكي في فبراير الماضي، وحديثه عن تنبيه العالم والجيران العرب من الخطر النووي القادم من إيران، ومطالبته لدول العالم بالتصدي له بشتى الطرق أظنه أصاب الهدف، والثابت أن الدولة الوحيدة التي ترى أملاً في المفاوضات الجارية بهذا الشأن هي الولايات المتحدة على عكس الواقع..! لكننا تعودنا مواقف مماثلة من الإدارة الأمريكية تبدو للوهلة الأولى سباحة ضد التيار، لكنها دائماً ما تصل لهدف يتبدى فقط مع النهايات الأخيرة..

سبق وكررت غير ذي مرة بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن محظيتها دولة الاحتلال مهما بلغت حدة الخلاف السياسي بينهما، ومنطقة الشرق الأوسط ستظل المنطقة الأكثر أهمية لدى كل قوى الغرب المستعمر لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.. إيران الدولة المارقة ذات التوجه الطموح لإرث عرش المنطقة لن تكون يومًا حليفا خاضعا للغرب، لكنها قد تقبل بشراكة سياسية مع أبناء الدين الواحد مقابل بعض التفاهمات على مستقبل مصالح الطرفين، وربما لهذا أظهرت لغة المفاوضات مؤخراً مع ارتفاع حدة التوتر الطائفي في المنطقة.. وهنا لا أخجل أن أقول أنه من الغباء مجرد التفكير في الدخول في مواجهات عسكرية بين ما هو سُني وما هو شيعي لما في ذلك من استعجال لمعارك فقهية حول خلافات واهية قد يحسمها حوار هادئ ومتزن إذا ما تراجعت مساحات الجهل والتخلف والعصبية داخل أراضينا نحن العرب..! هذا النمط من المواجهات يخدم فقط مصالح الغرب، ويرسخ إلى ترسيم حدود مخيف وأكثر تعقيداً مما سبق في ظل سباق التسلح المحموم في المنطقة.. مخطط التقسيم مستمر منذ ثمانينات القرن الماضي، وهنا أذكركم بفضيحة إيران جيت حين زودت إدارة رونالد ريجان إيران بأسلحة متطورة في حربها مع العراق مقابل إطلاق رهائن أمريكيين محتجزين في لبنان، في الوقت الذي تظاهرت فيه الإدارة الأمريكية بالميل لدعم العراق والعرب ضد مخاطر المد الشيعي الإيراني حينها على أثر صعود الثورة الإسلامية هناك.. عراب الصفقة كان الملياردير السعودي عدنان خاشقجي، وتم توقيعها في باريس بحضور أبو الحسن بني صدر عن الجانب الإيراني وجورج بوش الأب نائب الرئيس ريجان حينها عن الجانب الأمريكي، وحضر اللقاء أيضاً أري بن مينشايا رجل الموساد القوي الذي لعب دوراً رئيسياً في نقل الأسلحة إلى إيران عبر مطارات إسرائيل والبرتغال في أغسطس 1985..!

ماذا نحتاج نحن العرب من دلالات أخرى لنعي من هو العدو الحقيقي؟ ومن من حكماء المنطقة يستطيع استعادة دفة السياسة من يد الغرب المستعمر؟ الأمر يحتاج للخروج من دوائر الخلافات النمطية، وربما ستضطرنا الظروف لتقديم بعض تنازلات لتهدئة التوتر الطائفي الذي بات يلتهم العمق العربي قبل أطرافه الحدودية.. إليكم العراق ولبنان وسوريا واليمن حيث مزقت الطائفية تلك القوى، وربما لم تُترك هناك أي بادرة أمل..!

الحكمة تقتضي من الجميع التخلي عن الإسراف في الاستعداد والتحضير لحروب محتملة ستكون تكاليفها باهظة علينا فقط.. لننبذ عبادة آلهة الحرب، ونتوجه جدياً للاستثمار في محاربة شيطان الجهل الذي اتحد مع الثروة فأفرز كل تلك السرطانات التي حولت المنطقة العربية إلى مجرد ساحات قتال طائفي، وجعلتها تسبح فوق بحور من الدماء..!

إعلان