إعلان

الصهيونية بين الغباء والغطرسة..!

الكاتب محمد أحمد فؤاد

الصهيونية بين الغباء والغطرسة..!

07:59 ص الأحد 04 أكتوبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

بنفس الوجه القبيح تطالعنا الصهيونية مؤخراً من داخل مقر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأمام كل من حضر إلى نيويورك وجميعهم يحمل حقائب مثقلة بهموم سياسية واقتصادية واجتماعية هي حصاد العالم خلال الأشهر الأخيرة فقط..

البداية تلمسها حتماً في شبه اجماع لأقلام صحافة الكيان الصهيوني المحتل على أن الإرهابي الوقح بنيامين نتنياهو أخفق وبشدة في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى أن جريدة هآرتس، وغيرها من جرائد تُحسب على اليمين المتطرف هناك كانت قد انتقدت الخطاب الذي وصفوه بالسلبي، وقالت أقلهم عنصرية أنه أضر بشدة بموقف دولة الاحتلال أمام المجتمع الدولي، لما احتواه من غطرسة واتهامات جزافية وجهت لكل الحضور بلا استثناء فيما يتعلق بمواقفهم من اشكاليات الشرق الأوسط الحالية، ومسألة الصعود الإيراني الأخير على وجه الخصوص، وكأن الجميع يجب أن يعمل لأجل أمن إسرائيل.. الرجل لم يكن موفقاً البتة في خطابه الاستعراضي الفج، والذي بدا كأنه ستار مهلهل لا يكاد يستر عورات أصحابه في هذا المحفل الهش، خصوصاً حينما تحدث هذا السفاح عن مسألة الصمت المدوي للعالم تجاه الخطر الحقيقي على حد قوله..!

يبدو أن نتنياهو الذي اعتاد تنفس الكذب وتصديقه قد تناسى أنه يقف أمام ممثلي دول العالم أجمع، وليس أمام مؤتمر صهيوني أو اجتماع لجمعية يهودية متطرفة في الولايات المتحدة حيث سيصفق البعض لتلك العنجهية المفرطة، وربما صورت له الغطرسة الزائفة أن من يختلفون معه شكلاً أو موضوعاً من الحضور قد يتأثرون بهذا الاداء الهزلي الرخيص، هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن بينهم خصوم أقوياء يعادونه صراحة، وأيضاً أصدقاء افتراضيون يضمرون له شخصياً وللكيان الصهيوني العميل كراهية مستترة تكاد تنطق من خلال ابتسامات صفراء زائفة.. لم يدرك، أو ربما لم يُصدق الرجل أن من صفقوا له كانوا فقط أعضاء الوفد الإسرائيلي الحاضرين، وأن أغلب الحضور قد غادر قاعة الاجتماع بمجرد صعوده إلى المنصة لإلقاء خطابه، ولندقق قليلاً فيما ساقه هذا الكائن من أكاذيب صريحة، حيث أن اخفاقاته دائماً ما تعكس نقاط وركائز هامة، ربما يفيدنا تحليلها إن شئنا يوماً تقليص نفوذ هذا الكيان السرطاني الذي لا أبالغ حين أحسبه مصدراً أساسياً للاضطرابات عموماً في محيط المنطقة والعالم أجمع.

أفرط نتنياهو في محاولة تذكير الحضور بخطورة تطلعات إيران التوسعية المعلومة بالضرورة للجميع، وتجاهل أنه يمثل دولة احتلال صريح تقتل النساء والأطفال وتغتصب الأرض، ثم استعرض تاريخ تهديدات إيرانية سابقة وردت خلال تصريحات لبعض قياداتها الروحية، ونسى أن أيران كانت من أوائل من اعترفوا بدولته منذ إعلانها يوماً ما في نفس هذا المكان.. ثم أراد أن يلقي بالكرة في ملعب العرب بتذكيرهم بخطر الطموح الإيراني تجاههم خصوصاً، ويبدو أنه لم يدرك أن معظم ممثلوهم قد غادروا القاعة فور صعوده للمنصة، ثم انتقل من هذا إلى معزوفته البكائية المعتادة حيث أنطلق في محاولة لاستعطاف الحضور بتذكيرهم أن الدول والأنظمة تفنى وتسقط منذ عهود الفرس والرومان، لكن الشعب اليهودي حي لا يندثر.. وأيضاً لم يكن لهذا العرض الاستعطافي أي صدى مؤثر على حد متابعتي، حيث أن الحضور ممن رأيت وتابعت يمثلون دولاً عانت من ويلات الحروب العالمية معنوياً واقتصادياً، ومنهم من لاحقتهم اتهامات معاداة السامية المزعومة في الماضي، وهذا ربما ما لن تقبل أجيالهم الحالية الاستمرار في دفع ثمنه أو تحمل تبعاته.

ثم جاء الدور على كيل الاتهامات بالغفلة السياسية للدول الكبرى مجتمعة، والتي رأت في تطوير علاقاتها مع إيران مخرجاً مناسباً تستطيع من خلاله احتواء تداعيات أخطاء الماضي وانعكاساتها السلبية على مستقبل علاقاتها الدولية الحالية، ولا أدري كيف فات نتنياهو استحالة النفوذ من هذه الزاوية الضيقة التي تم حسمها منذ عدة أسابيع باتفاقيات ملزمة وتوازنات مُحكمة اعترف بها العالم أجمع عدا دولته..؟

وقد حاول كعادته التلويح قبل نهاية الخطاب بأن له من القوة الرادعة ما سيجهض أي محاولة لإيران لدخول نادي القوى النووية، وأنه يمتلك آليات الردع اللازمة لذلك، وأعلن بغرابة شديدة عن أنه يراقب هذا عن قرب، في اعتراف ساذج بضلوع دولته في أعمال تجسسية واسعة النطاق، ربما ترتقي لمستوى الشراكة مع عصابات التخريب الفاعلة في العراق وسوريا والأردن وسيناء، ولم ينس كعادته أن يلوح بأن إيران وحماس وعصابات الإرهاب المنتشرة في المنطقة هي وجوه لنفس الخطر الذي يهددها برُمتها عدا إسرائيل بالطبع، وفي النهاية قام بتقديم عرض مبهم، يخلو من أي معالم واقعية للتعاون مع دول الجوار للتصدي للمخاطر المحيطة وفي مقدمتها الإرهاب الذي يتلقى دعماً مستتراً من جهات عديدة لم يسمها هذا المنافق حتى نهاية كلماته..!

عصابات الصهيونية لمن لا يعرف هي تشكيلات سياسية انتفاعية دأبت منذ نشأتها على خدمة القوى العظمى أو على الأقل التحالف معها بحسابات المصالح، وفي هذا لا أستطيع الفصل بسهولة بين ما أراه يحدث الأن من تقسيم دول وتهجير شعوب، وبين ظهور ما سمي بالصهيونية الألمانية في أواخر القرن 19 الميلادي على يد الصهاينة الأوائل، ومنهم ماكس بودنهايمر 1865 : 1940 الذي كان أول من دعا في كراس اسماه ''أين نذهب باليهود الروس'' إلى اقامة مستعمرات في سوريا وفلسطين لليهود المضطهدين، على حد قوله، وهو أيضاً كان أول من رأس المنظمة الصهيونية الألمانية 1897 : 1910، وعلى شاكلة هذا النموذج رأينا ما سمي بالصهيونية الفرنسية والبريطانية في شكل تحالفات نجحت أحياناً بفعل النفوذ الاقتصادي والمال السياسي في التحكم في صناعة القرار في دول عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر في العصر الحالي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهنا أكرر التأكيد على أن الإرهابي نتنياهو ما هو إلا موظف محسوب على تلك العصابات إن جاز التعبير، وأكاد أجزم أنه في كلمته تلك لم يخرج عن سياق متفق عليه مسبقاً مع عصابة الليكوديين داخل الكونجرس الأمريكي، وحديثه لم يحد للحظة عن رؤية أمريكية خالصة لمستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط.

الإدارة الأمريكية تشهد حالياً تراجعا غير مسبوق في أسهم علاقاتها الدولية، ويبدو هذا جلياً من تباين وجهات النظر داخل أروقة السياسة هناك، وببساطة فقد جاء اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في توقيت شديد الدقة مواكباً لخشونة واضحة المعالم بين قطبي القوى العظمى في مناطق النفوذ، ومع ترسيم خارطة جديدة لحشد الحلفاء واستقطابهم.

بوتين كان صريحاً وحاسماً لحد البلطجة السياسية حينما أعلن عن حمايته للنظام السوري ودخول قواته في مواجهات مباشرة ضد عصابات الإرهاب، وأظنه في هذا تعمد إحراج الولايات المتحدة واتهامها بالتقاعس أمام خطر الإرهاب كما يبدو من تصريحاته الأخيرة، ومع غياب لدور مؤثر للاتحاد الأوروبي المُثقل بهموم داخلية معقدة، والذي يقف على المحك مع روسيا نفسها في الأزمة الأوكرانية وبسبب العقوبات التي أقرها ولم تؤتي أبداً بأي ثمار، ربما لهذا جاء رد الولايات المتحدة متلعثماً ومتحفظاً، حيث أن الرد الصريح حال تحفز الخصم قد يضر بالمصالح أكثر مما يفيد، وربما أيضاً كان هذا حفظاً لماء الوجه قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة 2016، حيث ستتضح حينها فقط الملامح النهائية لمشروعات التقسيم، وربما بشكل أكثر صراحة بعد أن تتبدى طبيعة العمليات الروسية وطموحاتها في الشرق الأوسط للعيان..!

إعلان