إعلان

السلفية.. أهل الله أم شعب الله المختار..!؟

محمد أحمد فؤاد

السلفية.. أهل الله أم شعب الله المختار..!؟

09:14 ص الثلاثاء 20 يناير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

الكلمات والمعاني حتماً ما تتعرض لسوء الفهم طالما قرر المتلقي تأويلها حسب هواه، وليس تناولها من خلال سياقها الصحيح.. الكل متحفز، والصدور ضاقت بمساحات العراك والخلافات التي تبدو بلا نهاية.. وربما سنحتاج لوقت طويل قبل أن نستطيع أن نجلس يوماً بهدوء لنتبادل الآراء ووجهات النظر حول خلافاتنا الفكرية بدون انفعالات وبلا عصبية، وأيضاً من دون أن يعلو صوتنا ونتراشق ونوزع الاتهامات والسباب بالباطل وبلا أسانيد، ألسنا بشر..؟ ومن المفترض أننا كائنات حية من نفس الطراز...

أنا هنا بصدد إشكالية أزلية معقدة وكارثية أظنها آفة البشر أجمعين، وملخصها هو ميل طائفة ما من البشر لممارسة أشكال التمييز العنصري ضد الغير، وهذا هو مرض عضال يأتي على خلفية عرقية أو عقائدية أو مذهبية، وبه تجد تلك الطائفة مضطرة لاختيار أحد مسلكين لا ثالث لهما.. إما أن تمارس عن عمد طقوس الاستعلاء الطبقي التي يسمونها مجازاً الاصطفاء، أو تجدها تجنح إلى العزلة الاختيارية وترفض الانخراط مع أطياف المجتمع المختلفة، بل قد تتعدى ذلك إلى مهاجمتهم واتهامهم زوراً بممارسة الاضطهاد ضدها، لا لشيء إلا لتقدم تبريرات لكم الكراهية والحقد الذي تضمره ضد الأخر، وأيضاً لتنفي عن نفسها إثبات واقع الشعور بالدونية أو الإحساس بالذنب...

تاريخياً، يعد بني إسرائيل هم مضرب المثل في العنصرية المبنية على التمييز العرقي، فعلى أساس ما يسمى الثالوث الحولي المكون من الإله والأرض والشعب، استطاعوا أن يرسخوا لفكرة "شعب الله المختار" واحتكروا لأنفسهم صفات القدسية والأزلية، وأطلقوا على من هم دونهم من البشر الأغيار، ووصفوهم بالأجناس النجسة على حد قولهم، وقد دعم هذا الاعتقاد الزائف ما جاء في كتاب العهد القديم بسفر التثنية 2/ 14 " لأنك شعب مُقدس للرب إلهك وقد اختارك الرب لتكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض".. وفي سفر اللاويين 24/ 20 : 26 " أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب، وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي"..! البعض يَدّعي بأن الأسفار الخمسة للتوراة تم تدوينها في حياة النبي موسى عليه السلام، والثابت أن أقدم مستند مكتوب لنصوص غير مكتملة من التوراة بين أيدينا هو مخطوطات البحر الميت التي ترجع حسب الدراسات إلى القرن الثاني قبل الميلاد على أقصى تقدير، فمن لديه نص أو نقش أقدم من هذا فليتفضل بتقديمه لعلنا عن طريقه نستطيع بلوغ هذا الوعد الإلهي لبني إسرائيل..!

لم يستطع بنو إسرائيل التصديق بأن فكرة الخصوصية والاحتكار لمصطلح شعب الله المختار قد ذابت تماماً مع بشارة المسيح عيسى عليه السلام، بل أنهم رفضوا تصديقه وهو منهم، وسعوا وراءه بالشر والمكائد حينما وجه دعوته إلى جميع البشر وكل الأمم دون تفرقة، حتى جاء القرآن الكريم ليؤكد على معنى المساواة بين البشر جميعاً في سورة المائدة الآية 18، ولينهي تماماً الجدل حول أحقية فئة دون غيرها بالقدسية والأزلية المزعومة...

تلك كانت مقدمة عن أحط أنواع الممارسات العنصرية المبنية على رفض الأخر عرقياً أو عقائدياً، والتي مازالت نكباتها تلاحق شعب فلسطين الأسير في يد دولة الاحتلال الغاصب.. لكن أغرب ما في الأمر أن تلك العدوى ربما انتقلت لتصيب طائفة من المسلمين اعتنقت التشدد وأتقنته تمام الإتقان، وباتت هي الأخرى ترى لنفسها فقط الأحقية بالاصطفاء، ومن ثم فرض مناهجها الأصولية شديدة الخصوصية على الأخر، بل تعدت ذلك لاحتمالية الجهر بتكفير كل من عارضها على أساس خلافات لا تحسب على الجوهر بقدر ما أظنها تمس الشق التعبدي وطريقة ممارسة الشعائر وتناول بعض أمور اجتماعية قد تحتمل الخلاف في كافة المعتقدات...

السلفية ظهرت في القرن الرابع الهجري كامتداد لمدرسة الحديث والأثر التي نشأت في القرن الثالث من الهجرة، وكان ظهورها رد فعل مفهوم أمام صعود المنهج العقلي في التفكير خلال فترة سقوط دولة الخلفاء الراشدين وبزوغ نجم الإسلام السياسي، فقد جاءت السلفية لمواجهة الخوارج والمعتزلة والقادرية والجهمية وغيرهم ممن صنعوا من الدين والسياسة خلطة شديدة التعقيد، والمعتزلة هم من استخدموا المنهج العقلي لقراءة وتأويل النصوص الدينية، وهم يعترفون بأنهم استمدوا فكرهم من الحضارة الإغريقية، وخاصة شروح سقراط وأرسطو عن طريق الترجمة والتعامل المباشر مع تراث الفلسفة اليونانية.. السلفية شهدت تكراراً للصعود والانحسار، وكان صعودها دائماً مرتبط بانهيار نظام سياسي ما، وأول سقطة فعلية للسلفية كانت انقسام فقهاء علم الحديث إلى حنابلة وأشاعرة، وأخطر ملامح تلك السقطة هي الفتنة التي وقعت مع نهايات القرن الخامس الهجري بين الإمام أبو نصر القشيري والإمام ابو جعفر العباس الحنبلي، والتي تعدت نطاق التباين الاجتهادي إلى الخلاف على جوهر العقيدة ومسائلها الضرورية، وتظل السلفية تتأرجح بين صعود وهبوط حتى ظهور ابن تيمية في القرن السابع الهجري بالتزامن مع سقوط الدولة العباسية على يد التتار عام 656 هجرية، فعمل الرجل على إحياء الفكر السلفي، وقام بشن حملة شعواء على من اعتبرهم أهل البدع داعياً إلى إحياء منهج السلف من أجل تحقيق النهضة، لاحظ دائماً رفض السلفية المطلق لكل من خالفها في المنهج، وملاحقته ووصمه بالإحداث والبدعة في الدين..!

ثم تشهد السلفية انحساراً أخر بسبب تشدد ابن تيمية وخروجه عن الإجماع بين أئمة عصره، لتعاود الصعود مرة أخرى مع القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في الدعوة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، والتي واكبت سقوط الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي.. ومنذ هذا الحين اتخذت السلفية منهجاً صريحاً في صناعة الحركات الراديكالية التي مارست منذ بدايات ظهورها صراعات متنوعة من أجل التمكن من السلطة، كحركة ديوباندي التي أسسها سيد أحمد خان في الهند وأفرزت صراعاً دموياً مازال مستمراً بين الهندوس والمسلمين، وحركة سيد أبو الأعلى المودودي بباكستان التي خرجت من عباءتها جماعة طالبان، وأخيراً وليس أخراً حركة الإخوان المسلمين في مصر...

مبدأ قبول الأخر أمر حتمي وجوهري في فتح قنوات التواصل بين أصحاب المعتقدات المختلفة، وهو نقطة الانطلاق الأكثر فاعلية لأي دعوة لبلوغ الهدف، ولم يكن الإسلام أبداً ليسقط حجية العقل، أو ليعتمد التمييز بين البشر كمنهج دعوي، لكنه بادر بالسماحة والموعظة الحسنة، وعالمية الإسلام مقررة في تعاليمه ولا أظنها أمر يحتمل التأويل، لهذا وجب على كل مسلم يتصدى للدفاع عن دينه أن ينحي العصبية جانباً وأن يستخدم العقل لطرح أفكاره بالحجة والمنطق وليس بالتشدد والرفض.. والمراجعة الفقهية في الإسلام ليست عيباً.. فالثابت أن سليمان عليه السلام استدرك على أبيه وكان نبياً وملكاً، وأن الوحي راجع النبي صل الله عليه وسلم في ستة عشر موضعاً اجتهادياً، وصوب القرآن اجتهاده، وكان بن الخطاب يسدرك على النبي وكذا فعلت أم سلمة.. وهذا يدل على أن أي إنسان قد يخطئ وأن تصويبه للخطأ أفضل من الاستمرارية عليه..

فهل حان الوقت لكي ينفض الإسلام عن عباءته أخيراً إرث ثقيل عَلِق به على أيدي البعض ممن أضلونا وظنوا أنهم يحسنون صنعا..!؟

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان