إعلان

أنت تفكر.. إذاً أنت كافر..!

محمد أحمد فؤاد

أنت تفكر.. إذاً أنت كافر..!

05:04 م الأحد 07 سبتمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
"يا كافر..!" من أنت حتى تتجرأ وتتجاسر على الأئمة العظماء والأجلاء وتجادل في أقوالهم واجتهاداتهم..!  تلك هي البداية المعتادة والمتعارف عليها لدى أغلب الفقهاء حين يتهور أحد من يبحثون عن الحقيقة، ويفتح باب النقاش بشأن كتب التفاسير والفقه، التي للعجب تعدت لدى جموع المسلمين بكافة طوائفهم أكثر من 30 نسخة تفسير للقرآن الكريم، فما بالنا بفتح باب النقاش بشأن كتب فقه السنة النبوية الشريفة أيضاً وما أكثرها..!؟

التفكير بمعايير العصر الحديث لدينا أصبح خطيئة لا تغتفر، ومع اجتياح تسونامي التكفير أغلب الساحات الدينية والسياسية والاجتماعية في منطقتنا العربية دوناً عن باقي أرجاء المعمورة، يبدو أن مشروع قبول الأخر والاعتراف بحقوق المواطنة سيتم تأجيله ربما لحين قيام الساعة، أو بعدها في العالم الأخر حيث حياة اللا ظلم في كنف الله الحق العدل.. ولدواعي السلامة قد نضطر للتحرك بحذر وعلى أطراف الأصابع بين مستنقعات الرجعية والهوس التكفيري حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وليس هذا خوفاً من تلك الجرذان الملتحية التي ترتدي السواد ولا تعرف للحوار إلا لغة الوحشية والهمجية، ولكن أملاً في الوصول بديننا الحنيف إلى بر الأمان بعيداً عن عواصف التشدد والكراهية والحقد.

الحكم بالكفر هو حكم شرعي لا إنكار فيه، وقد ورد ذكره صراحة في القرآن الكريم في عدة مواضع، والكافر هو من لا يؤمن بالله واليوم الآخر وبملائكته ورسله، وهو من كَفّره الله ورسوله فقط، وليس الحكم بالتكفير مباحاً لأحد من البشر بعد صاحب الرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو حق خالص لله سبحانه وتعالى، وأستعير هنا قول أحمد بن تيمية أحد الأئمة مثيري الجدل: "ليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه باليقين لم يزل ذلك عنه بالشك"، وبعيداً عن أي مزايدة، أسجل هنا أن أبن تيمية الخارج في عصره عن إجماع العلماء والأئمة، قد فتح بهذا القول باب الجدل حول ثمة أحقية ضمنية للبشر بإقامة حد الكفر على من لم يجاهر به، لكن ربما تنطبق عليه شروط يحددونها هم (بيان المحجة)، ويظنون تحققها بمنهج يشوبه الكثير من الحساسية والحذر معاً، فالبشر مهما بلغوا من المعرفة والمقدرة فسيظلون أبعد ما يكونوا عن الصفات والقدرات الإلهية لمعرفة ما في الصدور من نوايا، وبما أن العبرة بالنهايات، فإن الرجل بقوله هذا قد أجاز للبشر دون أهليتهم لذلك حق إلهي خالص، وهنا مكمن الخطر..! الرجل ربما تعدّى دون قصد على هذا الحق الإلهي الصِرف، والمؤكد ثبوته في الآيات 21 وحتى نهاية سورة الغاشية ، لهذا يقع عليه حكم الصواب أو الخطأ مثله مثل غيره ممن اجتهدوا من البشر، ولكن الناتج الثابت بحوزتنا عن اتباع مفاهيم وأفكار بن تيمية المتداولة عبر العصور أنه أوصلنا لحالة مثيرة من التضاد والشطط، ووصلت بسببه المعارك التكفيرية بين أبناء الدين الواحد إلى حالة من الاستعار الفكري والفقهي، حتى أنها تعدت المبحث السلوكي، ووصلت إلى قضايا شائكة على شاكلة إثبات صفات الله، والتي ماتزال محل خلاف وجدل بين أئمة الصوفية والسلفية مثلاً.. فالصوفية يرون في السلفية شكل بلا روح، ويحسبوهم على الجماعات المتشددة والمتجهمة التي تحفل وتحتفي بالطقوس على حساب الحقائق الدينية، وتتعامل مع الدين بشكل لا يقوم على الحب والتراحم بقدر ما يقوم على المنفعة والسيطرة والسطوة الفكرية، كما يتهم الصوفية السلفيين بأنهم مصابون بمرض التعالي على المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن لديهم شعور زائف بالاصطفاء. أما السلفيون فينظرون للصوفية بشيء من الدونية، ويتهمونهم صراحة بممارسة الشرك الخفي، وأنهم يمارسون طقوس شاذة عن الدين، ويتبركون بالأضرحة ويلجأون للأولياء الصالحين لقضاء حوائجهم، ويصل بهم الأمر أحياناً إلى تقديم الولي على النبي، والإيمان بالحقيقة على حساب الشريعة، وعدم الالتزام بالفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، كما يوجه السلفيون نقداً حاداً للسلوكيات التي تحدث في موالد الأولياء، وما فيها من خروج على أخلاقيات وتقاليد الدين على حد قولهم.

ما سبق هو مجرد طرح لنموذج خلاف فكري واضح بين طائفتين من أكبر الفرق المسلمة بين أهل السنة والجماعة ووصل إلى حد تشكيك أحدهما في الأخرى عقائدياً وتعبدياً، فهل هذا أمراً مقصوداً..؟ أم تراه حدث في غفلة من العقل، أو في ظل شيوع مناهج الرفض والتضييق على الفكر المستنير ومحاصرته بمفاهيم شاذة ابتدعها رجال دين احترفوا دق طبول التطرف والكراهية لحسابات خاصة..!؟

لن أتطرق هنا للخلاف المذهبي والطائفي القائم بين السنة والشيعة، فهذا منحى أخر وليس مجال حديثنا، لكني أُعني فقط بتوضيح ما آلت إليه الأمور من تدهور حاد وخطير، بدأ بالخلاف الفقهي والمذهبية، وانتهى بالاقتتال الطائفي والتصفية الوحشية بين أبناء الدين الواحد.. فمع تعدد التوجهات السُنية بين الصوفية والسلفية والأشاعرة والماتريدية وغيرهم، أظننا خرجنا جميعاً من حيز توحيد الكلمة على نسخة موحدة من الفكر والفقه الديني المستنير، والذي بدونه لن نستطيع أن نرتقي بديننا الحنيف وندفع عنه كل الاتهامات الباطلة التي طالته على يد هؤلاء المغيبون ممن تجرأوا وتطاولوا على الإنسانية كافة بأفكارهم الرجعية المستترة وراء غلاف ديني زائف..

والسؤال الأن: أين نحن كمسلمين من الأمر الإلهي المباشر "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"..!؟  

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان