إعلان

نَصّاب مع مرتبة الشرف..!

محمد أحمد فؤاد

نَصّاب مع مرتبة الشرف..!

11:05 ص الخميس 18 سبتمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

من الصعب تخيل أن يتحول رئيس دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة إلى نصّاب ساذج، لكن يبدو أن هذا هو لسان حال السيد باراك أوباما القائم بأعمال بلاد العم سام لحين إشعار انتخابي قادم لا محالة في العام 2016.

تعودنا نحن العرب على مقالب ساخنة من نوع الكاوبوي خلال السنوات الماضية، وأشهد أننا في معظمها ابتلعنا الطُعم عمداً مع سبق الإصرار، بفعل اتفاقنا المزمن على ألا نتفق..وأخر مقالب الإدارة الأمريكية ومجموعة الكومبارس المسماة "الناتو" كانت تلك المسرحية الهزلية التي أسموها مجازاً "التحالف السُني لمواجهة خطر داعش"..!.

أظهرت قمة حلف شمال الأطلنطي، التي عقدت مؤخراً في مقاطعة ويلز البريطانية تعاظم حالة التوجس لدى دول الحلف أمام مخاطر داعش، بعد أن أظهر الأخير تحدي سافر لكافة تحركاتهم الدولية، وباتت مشاهد الذبح البشع هي الأكثر تداولاً بين رعايا تلك الدول مما فتح باب التساؤل لديهم تجاه حكوماتهم: أين أنتم ولماذا الصمت وهم أصبحوا على الأعتاب..؟.

الخلاصة وبعيداً عن التفاصيل التاريخية، هي أن الغرب لا ولن يعترف بالانكسار أمام طاعون همجي شرس، شارك هو نفسه في صنعه ودعمه حتى أصبح يهدده شخصياً، لكنه في نفس الوقت لا يملك تكاليف العلاج الباهظة..!.

والثابت الأن أن حلم دولة الخلافة المزعوم خرج بالفعل من حيز الاستقلال ببعض أقاليم يتم اجتزائها من جسد الوطن العربي بهدف تفكيكه لدويلات وأقاليم عرقية تخدم مخططات التقسيم الكبرى، بل أنه تمدد ليطالب بحصص ثابتة من ثروات نفطية ومزايا استراتيجية داخل مناطق انتشاره في سوريا والعراق، وبهذا تحول من مجرد جرثومة موجهة لتنفيذ سياسات استعمارية طويلة الأمد، ليصبح صداعاً مزمناً لا دواء له لدى قوى الغرب الاستعماري كافة، فحثالة داعش هي بالفعل سحر انقلب على الساحر.. كيف لا؟ وما هم إلا نتاج تهجين جماعات راديكالية انفصالية يقودها مرتزقة تم دعمهم بالمال والسلاح خلال العقود الخمسة الأخيرة لاستخدامهم في تصفية مسائل وأمور استعمارية لحساب قوى عظمى تخشى الانخراط في حرب عالمية جديدة، ولذلك ربما قررت تلك القوى التنافس على بسط النفوذ واقتسام كعكة المصالح من خلال تكتيك يعفيهم من المواجهات الصريحة، وهو تكتيك الحرب بالوكالة..

وأقرب مثال لدينا هو ما جاء في ثمانينات القرن الماضي، باستدراج السوفييت في مستنقع أفغانستان أمام حركة المجاهدين، الأمر الذي عجل بسقوط الدب الروسي أمام النسر الأمريكي، وهو ما حسم تلك الجولة شديدة التعقيد من جولات الحرب الباردة بين معسكر وارسو ومعسكر الأطلنطي لصالح الثاني، وقد تكرر هذا التكتيك مراراً في ألبانيا والبوسنة والشيشان بهدف تصفية مراكز القوى لدى المعسكر الشرقي الذي أصابه الترهل لكنه لم يصل بعد لمرحلة اليأس.. فهل ما يجري الأن على الساحة الدولية من صراعات لم ترتقَ بعد لمستوى الحروب هو ردة الفعل بنفس السلاح..؟.

مع الأسف، ساهمت دول محورية في المنطقة مثل مصر والسعودية وباكستان جدياً في صناعة هذا الخطر، فحركة المجاهدين حصلت على دعم استراتيجي متنوع من تلك الدول قبل أن تتحول من الجهاد ضد المد الشيوعي إلى فرق متناحرة على شاكلة طالبان وتحالف الشمال وغيرها، وهذه الدول نفسها هي من تدفع الأن من مقدراتها ثمن مردود هذا الدعم السخي.. وفي هذا اتصور أن زيارة جون كيري حامل حقيبة الخارجية الأمريكية بصحبة تشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة للشرق الأوسط، لم تكن إلا جولة نصب واحتيال في المقام الأول، قبل أن تكون مد يد المساعدة لتكوين تحالف دولي (سُنّي الملامح) لوأد خطر تنظيم داعش الإرهابي كما هو معلن.. الشواهد على عملية النصب هذه كثيرة، فالرئيس الأمريكي أعلن صراحة أمام الكونجرس أنه لا توجد لديه استراتيجية محددة للتعامل مع داعش، لكنه خرج علينا في ذكرى تفجيرات سبتمبر 2001 ليعلن عن عزمه تكوين تحالف دولي لمواجهة خطر إرهاب داعش، وبعدها مباشرة نجد الجولة المريبة لحاملي حقائب خارجيته ودفاعه بين بغداد وأنقرة وجدة والقاهرة، وهي محطات تم انتقائها بعناية لتسويق الفكرة الجهنمية التي تتلخص في نظرية " أنا المخ وإنت العضلات..!" مع الاعتذار للفنان القدير صاحب العبارة.

أوباما لا يجرؤ على مطالبة شعبه أو شركائه في حكم بلاد العم سام من الجمهوريين بأي اعتمادات جديدة لتمويل عمليات عسكرية تخوضها الولايات المتحدة تحت أي مسمى، خصوصاً أنه لا توجد في حوزته أي دلائل قطعية الثبوت على أن هذا الكيان يمثل تهديداً صريحاً لأمن ومصالح الولايات المتحدة، لهذا فقد تفتق ذهنه عن مباغتة حكام الخليج ودول الجوار بفكرة التأكيد على أهمية تحركهم فوراً للتصدي لهذا الخطر تحت مظلة دولية، وفقط بتوجيهات سيادته الجوية، على أن يكون التسليح بواسطته، والتمويل من جانب المتضرر المباشر فقط.. وهذا الرهان يبدو خاسراً لأن التجارب المريرة السابقة أظنها أصقلت خبرات من هم في مركز القيادة الأن، وأثبتت أن وجود بدائل استراتيجية مناسبة قد يعفيهم تماماً من الاستمرارية في الانصياع لرغبات الغرب أو نزواته..!.

فمثلاً لم يذكر السيد كيري شيئاً عن باقي أخطار الإرهاب الإسرائيلي والإيراني، والفكر الانفصالي التكفيري الذي ضرب بلاد العرب من المحيط إلى الخليج..! ومع ملاحظة الصمت الإسرائيلي والتربص التركي والرفض الإيراني والانتعاش الكردي أمام المشهد الحالي.. نستطيع بالطبع استشراف ما تهدف إليه تلك التحركات الأمريكية الأخيرة أمام كيان سرطاني هش يعلم الجميع أن تصفيته لا تحتاج لشروط الغرب وتوجيهاته أو إلى كل هذا التهويل، لكنها فقط تحتاج للتكاتف وتوحيد الصف العربي.

ولهذا يظل الخطر يكمن في أي استهانة أو سوء تقدير الأمور، أو استباق ردود أفعال غير محسوبة قد تكون رعونتها وبال على الجميع.

الأراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي مصراوي.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان