إعلان

شاهد عيان..!

محمد أحمد فؤاد

شاهد عيان..!

07:13 م الجمعة 14 نوفمبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى مؤلمة من ذكريات تاريخنا الحديث، والتي أظنها ستظل علامة سوداء عالقة بضمائر كل من شاركوا في تأجيجها وجعلها نيراناً تحصد أرواح شباب في عمر الزهور، وكلما حلت احترقت معها عيون وقلوب ذويهم..  إنها ذكرى مواجهات ''محمد محمود'' الدامية في نسختها الأولى نوفمبر 2011.. وشاءت الأقدار أن أكون متواجداً في محيط أحداثها وداخلها لأرصدها كما كانت على أرض الواقع، وقد فعلت بعين ترقب الحدث وضراوته، وأخرى تتابع الحبكة الجهنمية  التي حاكها باقتدار ضد هذا الوطن وأبنائه خونة متآمرون من سلالات شيطانية..!

الجمعة 18 نوفمبر 2011،  الشارع محتقن.. غضب وانقسام عارم بسبب وثيقة المبادئ الدستورية التي صاغها د.علي السلمي، والتي كانت قد رُفضت شعبياً لكونها تحمل مبادئ ''فوق دستورية'' من شأنها منح المجلس العسكري الحاكم وضع غير طبيعي لا يخضع لضوابط محددة تتناسب وطموحات ثورة يناير المجيدة في تأسيس دولة مدنية، ويشي بتداخل وشيك بين صلاحيات المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة في مرحلة شديدة الدقة من تاريخ مصر..  بصرف النظر اتفقنا أو اختلفنا مع بنود الوثيقة وتوقيت طرحها، فالثابت أن أول من دعا رسمياً عبر المواقع الإلكترونية للنزول للشارع للتظاهر ضدها بمجرد إعلانها كانوا هم أتباع عصابة حازمون ومُنَظّرهم ومُحركهم حازم صلاح أبو إسماعيل..!  كنت وبعض الأصدقاء ممن يرقبون تطورات الأحداث عن قرب، ويجتهدون لتوثيقها بالصورة والكلمة مجتمعين ظهراً بأحد مقاهي منطقة وسط البلد حيث اعتدنا اللقاء.. وحينها وردت لنا أنباء عن ازدياد أعداد الوافدين تجاه ميدان التحرير بعد صلاة الجمعة، وأن هناك أعداد من الحافلات تقوم بإنزال مجموعات من الشباب الملتحي يحملون لوحات بشعار ''جمعة المطلب الواحد بس''..! وهو شعار علمنا بعدها أنه تم توزيعه على المتواجدين في الميدان بواسطة شباب جماعة الإخوان المسلمين وشباب حازمون..

عند الساعة الثالثة ظهراً، بدت ملامح الصورة بالميدان أكثر وضوحاً، وذلك باحتلال كل جماعة أو مجموعة أو حركة أو حزب سياسي ركناً من أركان الميدان، وبدأوا في الإعلان الصريح عن تواجدهم وتعدد توجهاتهم من خلال شعارات ولافتات مختلفة رفعت في أرجاء الميدان كافة.. وهنا أسجل للتاريخ أنني رصدت بعدستي ومذكراتي أن تواجد الجماعات الراديكالية الدينية كان الأكثر كثافة وتنظيماً وتمويلاً بين التيارات الأخرى سواء سياسية حزبية أو حرة أو حركات ثورية.. وهكذا ظهرت الجماعة الإسلامية وقد رفعوا شعارات ''شرع الله''، والحرية للإرهابي الكفيف ''عمر عبد الرحمن''، وظهر حازمون يحملون نفس الشعارات، وظهر حزب النور يرفع لافتات رافضة لوثيقة السلمي، وظهرت جماعة الإخوان المسلمين بأعلامها المميزة، وظهر طلاب الإخوان المسلمين بكليات اللغة العربية والإعلام بالأزهر، وظهرت الدعوة السلفية بمدينة العبور، وظهرت رابطة شباب الأزهر، وحزب الأصالة، والاشتراكيون الثوريون، وحركة مينا دانيال، وجبهة الدفاع عن ضباط 8 أبريل و27 مايو، وحركة شباب 6 أبريل، والبرلمان الشعبي المصري وحركات بداية وكفاية ومصر، ودعوة أهل السنة والجماعة، وحزب الحرية والعدالة فرع البحيرة، وحزب البناء والتنمية، كما ظهرت أعلام سوريا مع مجموعة من شباب الإخوان المسلمين بجوار سور مبنى جامعة الدول العربية تحت شعار دعم الثورات العربية..  هذا ولم أستطع رصد أي توافق واضح بين القوى الشعبية الحاضرة على مبدأ واحد أو مطلب ثابت، وكانت السمة العامة هي فقط  استعراض الحشود لإثبات التواجد.. وقد بدأت مزايدات الهتافات تعلو مع اعتلاء بعض الشخصيات المنصات، فظهر على المنصة الرئيسية بالميدان صفوت حجازي وحازم صلاح أبو إسماعيل، وصلاح سلطان وأسامة ياسين، وخالد سعيد، وممدوح إسماعيل وسعيد عبد العظيم وأخرون من مشايخ السلفية وأعضاء الجماعة الإسلامية..

مع نهايات اليوم الذي مر بالكاد بدون ملامح تكدير للأجواء، وقبل آذان المغرب بقليل.. انتشر سريعاً خبر اختفاء حازم صلاح أبو إسماعيل وعصابته من الميدان، بعد أن كان قد أعلن انضمامه للمعتصمين من أهالي شهداء ومصابي الثورة، وبالفعل نُصب له أعوانه خيمة بنفس مكان الاعتصام في الحديقة المواجهة لمبنى مجمع التحرير، تحديداً أمام مدخل شارع محمد محمود، وتلى ذلك تواتر الدعوات للجميع للانسحاب من الميدان، بدعوى ألا تؤثر التظاهرات والاعتصامات على مسار الانتخابات البرلمانية المستحقة في غضون أيام قليلة.. وهنا أسجل مرة أخرى شهادتي بأن أباطرة تيار الإسلام السياسي ومريديهم تعمدوا الخروج في ذلك اليوم، لا للاعتراض على وثيقة السلمي أو رفضها، وإنما لاستعراض قوتهم في الشارع السياسي وقدراتهم على الحشد، كنوع من الضغط النفسي أو المساومة أمام القوى السياسية الأخرى وبعض مؤسسات الدولة الفاعلة حينها، بالطبع بهدف إخضاع الجميع للقبول بتقسيم مبدئي لكعكة السلطة، والتي أقسموا على اقتسامها هذه المرة مهما كلفهم الأمر وعلى أسس مُرضية لأطراف معينة، وفي المقابل يمر المشهد بهدوء، وبدون تعقيدات يستطيعون هم فقط فرضها على الساحة تحت مسمى حماية الثورة..!  وهكذا بدأ انسحاب الجميع تباعاً، عدا المعتصمين أمام مجمع التحرير وجميعهم لم يتعدوا العشرات من أهالي شهداء ومصابي ثورة يناير 2011 المجيدة، الذين لم يغيبوا قط عن المشهد السياسي منذ سقوط نظام مبارك، وكان اعتصامهم هذا سلمياً ينادي بالقصاص العادل، دون أي نوايا للمواجهات مع السلطات متمثلة في قوات الأمن المركزي أو قوات مكافحة الشغب..

حتى جاء فجر يوم السبت 19 نوفمبر 2011 المشئوم..      وللحديث بقية لم تنتهي بعد..!  

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان