إعلان

تُجّار المصاحف المسروقة..!

محمد أحمد فؤاد

تُجّار المصاحف المسروقة..!

11:13 ص الأحد 19 أكتوبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

سبق وتحدثت عن تُجّار الدين والمتشددين الجدد فتعرضت لهجوم ضار بدون سبب مُقنِع.. حسناً..! اليوم أزيدهم من البحر قطرة وأُضيف: " قُل عصابات، ولا تقُل جماعات"..! فالجماعات والعمل الجماعي تكون أهدافهم إصلاحية في الغالب، أما التشكيلات العصابية فأعمالها عادة ما تتم في الخفاء، وتتراوح بين الإجرام والتخريب والإرهاب..! ولهذا أظن أن ضبط المصطلح سيكون هو المدخل الأفضل لتصنيف تلك المخلوقات البغيضة والدخيلة على الإنسانية، والتي تدّعي التدين الظاهري، لكنها تحمل في قلوبها أحقاد وأوزار وسموم لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأي تدين أو أدمية..

تلك العصابات تَدّعي زوراً أن منهجها هو "الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق"، وهي شريعة عظيمة، أفلحت إن صدقت وخابت إن بغت.. وما بين أيدينا من معطيات ودلائل لم يُظهر لهؤلاء من نتاج إلا تسخيرهم لجهودهم وقدراتهم وأموالهم فقط في مواجهات مع الأنظمة الحاكمة طمعاً في الاستيلاء على السلطة، وفي هذا عادة ما تجدهم يجتنبون مبادئ الشورى والحوار، وتارة يجنحون للانعزالية، وأخرى يلجأون للعنف وفرض الرأي بالقوة نظراً لافتقارهم للأسانيد المنطقية والعقلية والفقهية السليمة، وفي الغالب ما ينحسر مفهومهم للجهاد في أمور إجرامية شاذة، كجهاد النكاح وقطع الرؤوس وتخريب وتدمير المدن والأحياء السكنية، وهدم دور العبادة وتشريد وترويع الأمنين، بالطبع بعد توزيع تهم الكفر على كل من يتصدى لفكرهم الضال أو يعارضه..! هم لا يستطيعون مواجهة أو مجاراة أصحاب العقول والمفكرين، وتجدهم يناصبونهم العداء ويتهمونهم جهراً بالكفر والزندقة، ويهدرون دمائهم بلا ضوابط شرعية معتمدة في القرآن أو السنة، وفي هذا تجد وسائلهم للانتشار لا تعتمد على التوعية والتنوير ومحاربة الفقر، بل تعتمد في الأساس على تجنيد الفقراء والجهلاء من صغار السن الذين يسهل تشكيل وجدانهم بالفكر التكفيري، وبالطبع يكون المدخل الأسهل هو كراهية هؤلاء الشديدة للمجتمع تحت وطأة الفقر والحاجة والعوز، فمعظم هؤلاء يكونون أسرى لعدم القدرة على التفكير باستقلالية، ودائماً ما يعتريهم خوف من الانخراط مع أي فئة من فئات المجتمع، لذا تجدهم يجتنبون محاولة الاقتراب من المجتمع، ويتحينون الفرص الأسهل كالمرتزقة طمعاً في الخلاص من ضيق وحصار الفقر، ليس هؤلاء فقط هم وقود التطرف، ولكن هناك فئات أخرى بين الميسورين، وعن طريقهم أستطاع أئمة الفكر المتشدد النفوذ بسهولة أيضاً لمجتمعات الأثرياء حيث توجد أعداد كبيرة من الأبناء المدللين ذوي الشخصيات الهشة، الذين يعيشون بلا مسئولية أو هدف، وتجدهم يلهثون وراء الشهرة والظهور ليظلوا في دائرة الضوء، حتى لو جاء هذا بالعنف والجريمة على حساب المجتمع..!

لم أندهش لعدم إقدام متسلقي المنابر وعشاق الشاشات من دعاة الفكر الديني المتشدد على إعلان موقف صريح من العنف والدموية التي تجتاح الشرق الأوسط من أقصاه إلى أقصاه تحت مسمى الجهاد..! تُرى ماذا ينتظرون لكي يحددوا موقفاً واضحاً، سواء رافض أو مؤيد لما يدور من أحداث عنف وتفجيرات مفخخة وقتل جماعي في مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن.. وغيرها من دول الشرق التي تئن تحت ضغوط الوحشية والدموية الغير مسبوقة..!؟ ولماذا هذه الضبابية والغموض والميوعة في المواقف التي لا يمكن تصنيفها إلا تحت بند التأييد المستتر أو القبول الضمني على أقل تقدير لما يحدث، وهو أمر حدث وتكرر مع كل اقتراب لأصحاب الفكر الديني المتشدد من الساحة السياسية، وأظنه يستوجب الانتباه والتصدي لتبعاته بقوة..!

أقطاب هذا الفكر التكفيري ما هم في نظري إلا محتالون يتشابهون وتجار المصاحف المسروقة، الذين يسرقون ما لا تصلُح أو تستقيم سرقته، ثم يحاولون بيعه لمن يستطيع الحصول عليه بالمجان ودون شرط.. وهم ليسوا إلا مروجي أفكار ظلامية ما أنزل الله بها من سلطان يخادعون بها أنفسهم قبل غيرهم من البسطاء.. ودعونا نتوقف قليلاً أمام بعض حقائق فقهية أظنها تفصل بوضوح في مسألة الإيمان والكفر.. فمثلاً لا يوجد ثمة خلاف أو جدال في أن التوبة تُسقط الذنوب، كما جاء في سورة النساء الآية 48 من قوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما" صدق الله العظيم، من هذا نستطيع الاستدلال على أن من ضَعُف إيمانه وسقط في فخ الكبائر هو ليس كافراً، والثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أتى إليه الزاني والسارق وشارب الخمر فلم يعتبرهم كفاراً، ولم يقم عليهم حد الكفر (القتل).. ويؤكد على ذلك ما جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".. وبعيداً عن المزايدات الفكرية، وجب علينا كمسلمين ألا نُنَصّب من أنفسنا قُضاة على غيرناً، وما علينا إلا التذكير والعظة والعمل بمكارم الأخلاق.. وهنا وجبت التفرقة دائماً بين الأصول والفروع، فأصول الإيمان ثلاثة "الإيمان بالله، والإيمان بملائكته ورسله، والإيمان باليوم الآخر"، وما عدا ذلك فهو فروع لا تكفير فيها وإن تعددت.. وأكرر هنا أن التكفير هو حق إلهي بحت لم يُمنح لبشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مقرر أيضاً وبوضوح في الآيات 20 وحتى نهاية سورة الغاشية..

مواجهة الفكر بالفكر هي منهج لا يروق أئمة التشدد بل يؤرقهم، وفي سبيل هذا المنهج استشهد العالم الجليل الشيخ/ محمد حسين الذهبي 1915 : 1977، حين اغتاله الإرهاب الأسود بواسطة عصابة أطلقت على نفسها "جماعة المسلمين" أو "جماعة الدعوة والهجرة"، نشأت في سبعينات القرن الماضي، وكانت قد خرجت حينها من رحم جماعة الإخوان المسلمين بعد أجواء محنة يونيو 1967، وسميت حينها إعلامياً "جماعة التكفير والهجرة"، وقد تبلور فكر تلك العصابة داخل السجن الحربي حتى وصل إلى حد تكفير المجتمع بأكمله، ابتداء بمن يتولون التحقيق معهم، ثم من يأمرهم بهذا من الحكام والقائمين على السلطة، ثم من يقبل بهؤلاء الحكام من الشعب ككل.. والطريف في الأمر أن قاتل الشيخ الذهبي الإرهابي شكري مصطفى 1942 : 1978 -أمير جماعة التكفير والهجرة ومؤسسها- إتهم قادة الإخوان المسلمين أنفسهم بالخيانة العظمى، لأنهم لم يقاوموا رجال الأمن والشرطة، ووافقوا على ما يتعرض له إخوانهم في السجون على حد قوله..

مما تقدم يظل سؤالي قائماً؛ بعد افتضاح أمر هؤلاء من خلال ضلوعهم المباشر في الدعم الفكري والمعنوي لمحاولات تقويض المجتمع وإرهابه.. كيف يتسنى لنا أن نتواصل ونتحاور معهم، أو نُصدق ونأمن شرورهم، وها هم يُكفرون بعضهم البعض، ويتبادلون الاتهامات تحت راية الخلافة التي يبتغونها عوجا، والتي من المفترض أن تُثبتهم وتوحدهم جميعاً على فكر وهدف واحد..؟!
الآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر عن موقف موقع مصراوي.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان