إعلان

الحارة المصرية "حية" بريشة "أبو العزم"

06:25 م السبت 27 أغسطس 2016

محسن أبو العزم

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - يسرا سلامة:

سيدة تهمس لقرينتها بداخل منزلها، أو أخرى تقوم برُقية ابنها، وصورة لتجهيز العروسة قبل الفرح، وأخرى لعائلة كاملة أمام أحد أضرحة أولياء الله الصالحين، كل هؤلاء وأكثر كُتب لهم أن يرتسموا بريشة "محسن أبو العزم"، العادات الشعبية المصرية الأصيلة لا تموت في لوحاته، يمرر فيها العادات التي كانت هنا في الشوارع المصرية، وأيضا من كانت خلف الأبواب بين النساء أو الأسر، تظل أيضا محل اهتمام في رسومات "أبو العزم".

1 

في منطقة الفيوم، نشأ "أبو العزم" بين كنف حارة شعبية، أثرت ذكرياته بالعادات المصرية الأصيلة، لم تكن فقط عيناه تلمح تلك العادات بل ذاكرته أيضا التي اختزنت عدد من الذكريات والتفاصيل الدقيقة للشارع المصري، تلك الملاحظة أثرتها أيضا عددت من الروايات حسبما يقول مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي، لفتات صغيرة لا تمر على ذهن الرجل الخمسيني مرور الكرام، بل تظل عالقة حتى تخرج في لوحة أو أكثر.

2

تخرج "أبو العزم" من قسم الفنون الجميلة عام 1981 قسم التصوير، لم تكن دراسته في الكلية كافية لاكتمال الموهبة، بل بالإثراء بالقراءة والتدرب، وأيضا أن تدور عيناه في العادات الشعبية وتقاليدها، "كانت بتشدني العادات في الطبقة الشعبية"، وحتى المرحلة الثانوية كانت نشأة الفيوم هى الواحدة صاحبة خلفيته، إلى أن دلف للقاهرة للحاق بالكلية، ومنها كانت له جولات في الأحياء الشعبية مثل حي الحسين والسيدة زينب والدرب الأحمر وباب البحر، منها كان مخزون أيضا خرج في لوحاته.

3

ربما لا يدرك كثير من الأجيال الجديدة معنى "حلاق الصحة" حتى شاهدوه في أحد لوحات "أبو العزم"، بألوان زاهية وشخصيات تشبه كثيرا الشخصية المصرية - رجالا ونساء- يرسم "أبو العزم"، يقول إن اللوحة الواحدة ربما تأخذ أسبوعا أو ثلاثة أشهر، بحسب فكرتها ومساحتها.

4

ليس من نشأته فحسب، يحرص "أبو العزم"، المقيم حاليا في الفيوم على التردد على أماكن شعبية لإنعاش ذاكرته "بحب أشوف المجتمع على أصوله بدون تغيير أو تزييف"، تنعش تلك الذاكرة أيضا بعض الأعمال السينمائية الفريدة "أفلام مثل شباب إمرأة - الحرام - بداية ونهاية وغيرها من الأعمال المصرية التي تظهر فيها الشخصيات المصرية، والأفلام دي غذتني بكتير من الأفكار، ممكن جلسة نسائية تكون مشهد عابر تكون فكرة لصورة". كما تأثر بالموسيقى والأغاني الشعبية والموالد والأسواق الشعبية.

5

لم تظهر شخصيات "أبو العزم" بهذا الاكتمال والوضوح قبل أن يمر على عدة محاولات، بالإضافة إلى اعتياده إلى نقل رسومات من المناظر الطبيعية، وبعد أكثر من لوحة شعر إنه لا يمكن أن يرسم إلى هذا النمط من الصور الشعبية، مثل حالة "الزار" التي نقلها "أسلوب الزار والرقية أسلوب شعبي لعلاج حالات التشنج، والتي نقلتها في صورة لإحدى السيدات".

6

بعد دخوله إلى الكلية، سافر "أبو العزم" مثل كثير من المصريين وقتها إلى الخارج، كان حظه إلى دولة "ليبيا" "وقتها زاد حنيني إلى مصر، وأكثر ما كنت أحن إليه هو المناطق الشعبية، منها بدأ ينطلق بريشته إلى هذا الحنين، كما عبر أيضا عن الأنثى التي بدت واضحة في تفاصيل لوحاته، ومن أكثر ما يورد له من تعليقات إنه يرسم النساء كثيرا كسيدة دميمة.

7

يدافع "أبو العزم" قائلا "النساء عنصر أساسي في اللوحات، تظهر في معظم التقاليد الشعبية، لكن رسمي لها يعتمد على المبالغة، والمبالغة هى التي تخلق الحالة من الرسمة للجمهور"، أحيانا يقال لي "انت بتسئي لستات مصر"، لكني أرى أن الجمال الفني أحيانا يكون في القبح، الفنان حين يقيم سيدة ليس فقط على أساس الجمال، لكن هناك سيدة جميلة فنية مثل عظام الوجه والأنف.

8

يظهر في عدد من شخصيات "أبو العزم" حالة من الانفعالية، يرى صاحبها إنه قبل أن يرسم الخط الأول لشخصيته يتخيله في موقف انفعالي معين، وهذا يبدو في حركة جسد الشخصية، ضحكها، غضبها، حركة الأسنان والشفاه، مثل صورة "المعاكسة" التي رسمها لشاب يبيع السميط مبتسما لفتاة بائعة الترمس، يقول "أبو العزم" إنه رأى خيالا لرجل مصري بائع للسميط استمد منه فكرة اللوحة.

أكثر من معرض أقامه "أبو العزم" لنفسه، يتذكر واحدا في المهندسين في مصر 2008، وآخر بقاعة ايورت بالجامعة الأمريكية، وكذلك معرض في لبنان، استمر لمدة 25 عاما يصور العادات والتقاليد المصرية، يذكر أن تلك اللوحات تذهب مباشرة إلى الجمهور عن طريق البيع والشراء، دون أن يلقى الرسام أي دعم من وزارة الثقافة المصرية، يذكر أن أغلب زبائنه من الطبقة الراقية "سعر اللوحة يصل إلى آلاف الجنيهات" بحسب المساحة وحجم اللوحة.

9

بعض المواقف التي رسمها "أبو العزم" لم تكن من الواقع كاملة، لكن أيضا هناك لوحات من نسج خياله وتأليفه، مثل رسمة "قطار الدرجة الثالثة" التي رسم فيها أكبر عدد من الشخصيات داخل القطار، وكانت من أضخم اللوحات التي صممها، وكان مصيرها "البيع" مثل كثير من لوحاته التي حتى لم يلتقط لها صورًا "فيه حاجات ارسمها وانسى إني اصورها، وفيه صور ببقى عايز اصمم منها أكثر من نسخة".

10

عن تفاصيل الشخصيات، يقول الرسام إنه لم يكن يقصد من البداية أن تظهر شخصياته بهذا الحجم، لكنه وجدا رساما فرنسيا يسير على نفس الدرب، فأحب الفكرة وطورها، حتى بدت رسوماته ما بين الرسمة الحقيقة والكاريكاتير الذي يميل إلى المبالغة.

صورة أخرى رسمها الفنان الخمسيني عن عملية "إعداد الكعك" في البيت المصري، والتي لا تزال في بعض المنازل عادة بدلا من الشراء الجاهز، يقول "لسة فاكر الأيام دي وكنت باكل من العجين مع الأطفال"، كما التقط "أبو العزم" بعض التفاصيل قبل أن تنقرض مثل عامل "المكواة الرجل"، أو صورة للتخت الشرقي والتي أخذت منه حوالي ثلاثة أيام لإنجازها، "أحيانا لا أنقل الشخصية فقط، لكن أيضا أضعها في موقف مميز لكي توضح فيه"، يتابع الفنان.

11

لم تكن ريشة "أبو العزم" أيضا بعيدة عن العادات التي شهدها البيت المصري خلف الأبواب، مثل "الدخلة البلدي" التي صورها قائلا إنها كانت من خلال مشاهدته لأكثر من فيلم عربي تعرف أنها صورة يجب أن ينقلها في رسوماته دون خدشا للحياء، لا يجد الرسام أي رغبة في تغيير شكل شخصياته، "طول ما الشخصية بتعبر عن الروح المصرية الأصيلة، ليه أرسم غيرها؟!".

12

بالتواصل الشخصي، يعتمد "أبو العزم" على تسويق لوحاته، ومن خلال دنيا الانترنت، تقرب أكثر من جمهوره للوحاته بالشراء، لا وسائط من وزارة الثقافة "للأسف دي بتعتمد على العلاقات الخاصة في الوسط، والوزارة لا تدعمني"، فرص أتت ولم تكتمل "الرسام مصطفى حسين رشحني للعمل في أخبار اليوم لكن للأسف طفشوني، ونفس الحكاية في مجلات زي روزار اليوسف وعلاء الدين"، يفخر "أبو العزم" بالدعم الصادق وإن قل، وأكثره من أولاده وزوجته حسبما يقول.

13

لا يتوقف حلم "أبو العزم" عن رسومات أخرى، ورغم العدد الهائل من الرسومات، التي حتى يصعب هو نفسه في حصرها، لا يكل من المحاولة، ولا يمل من الاجتهاد لرسومات أفضل، يتمنى أن يصنع بكل موقف تقع عليه عيناه لوحة جديدة، رسم الحلاق والعازف والسيدة البائعة، والجميلة، والقبيحة، ورسم مشجعين للكرة على أحد القهاوي وسط هزيمة فريقهم التي تبدو على ملامحهم، ورسم فرقة "حسب الله"، والمنشد والزار، وكل هذا لا يزال يحلم بالمزيد.
14

15

فيديو قد يعجبك: