إعلان

سنتين والاسم "حبس احتياطي".. انتبه القانون يرجع إلى الخلف

04:03 م الأربعاء 02 سبتمبر 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد:
18 يوم مضت، ومعه ينفلت الأمل رويدا من صدر عبد الشكور أبو زيد، فابنه المصور الصحفي "محمود" الملقب بـ"شوكان" لازال قيد الاحتجاز منذ القبض عليه أثناء تأديته لعمله في 14 أغسطس 2013، "كنا مستنين يطلع بعد الفترة دي خاصة وهو معلمش حاجة" يقولها الرجل المسن، الذي لا يعلم سوى ما يخبره به المحامون بأن تجاوز ابنه العامين، يعني انقضاء المدة المحددة بالقانون للحبس الاحتياطي، غير أنه منذ زيارته الأخيرة لـ"شوكان" قبل عشرة أيام لم يستشعر جديد، إلا في صحة ولده المتدهورة، والضيق المكبوت بقلبه "متشبع بالظلم كأنه مرجل بيغلي".

لم يصدر حكم قضائي، يثبت التهم الموجه لـ"شوكان" المتهم ضمن قضية "فض اعتصام رابعة"، حال كثير تقدرهم الإحصائيات غير الرسمية بالمئات، فيما لم تصدر النيابة العامة أي بيان رسمي يشير لأعداد المحبوسين احتياطيا على ذمة القضايا، مما يجعل البقاء على احتجاز المتجاوز فيهم لمدة العامين "غير قانوني" كما يقول "أحمد عبد النبي" المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

قانون الحبس الاحتياطي الجديد

المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية في الفقرة الرابعة منها، وضعت حد أقصى للحبس الاحتياطي، 6 شهور للجنح، و18 شهر للجنايات، وذلك قبل سبتمبر 2013، حين وافق الرئيس السابق عدلي منصور على مسودة التشريع التي تقدم بها وزير العدل السابق "عادل عبد الحميد"، وتقضي بتغيير نص الفقرة الأخيرة بالمادة من "مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة النقض للمحكوم عليه بالإعدام أو السجن المؤبد لا تتجاوز السنتين"، إلأ أنه "يجوز لمحكمتي النقض والجنايات أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة 143"، مما يعني أن مدة الحبس الاحتياطي باتت دون حد أقصى، وأصبح الأمر "مفتوحا" كما وصف "مختار منير" المحامي الحقوقي.

الغريب أنه استنادا -أيضا- على نص مادة الحبس الاحتياطي، تتم محاكمة بعض رموز نظام مبارك دون إيداعهم السجن، كما جاء في تقرير أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في 30 مايو 2015، حيث رصدت في التقرير المعنون بـ"الحبس الاحتياطي الممتد.. الاعتقال المقنع"، أن المحكمة أخلت سبيل زكريا عزمي في 13 فبراير 2013، بعد قبول الطعن على الحكم الصادر بسجنه 7 سنوات، وكذلك إسماعيل سراج الدين المتهم بإهدار المال العام في القضية رقم 8411 لسنة 2012 جنح باب شرق، ولم يتم الحكم بها كما لم يتم حبسه، فضلا عن إخلاء سبيل حسني مبارك مع بقاءه على ذمة القضايا المنظورة بقتل المتظاهرين، والكسب غير المشروع، حتى الحكم الأخير في 29 نوفمبر 2014 بالبراءة وقبول الطعن عليه فيما يتعلق بقتل المتظاهرين، وحتى بعد قرار محكمة النقض بإعادة المحاكمة في 5 نوفمبر المقبل.

"أغلب المتهمين في قضايا لم يصدر بها حكم، ولا نقض، فإحنا قدام حالات تجاوزت مدة الحبس الاحتياطي والمفترض النيابة العامة هي المخول لها تنفيذ قرار إخلاء سبيلهم" كذلك يوصف "عبد النبي" الحالات التي أطلع عليها بحكم كونه أحد المحامين في إحدى أكبر القضايا المعروفة إعلاميا بـ "فض اعتصام رابعة"، حيث يترافع عن 3 موكلين بين نحو 300 شخص هم مَن لازالوا قيد الاتهام والاحتجاز حتى الأن.

فرحات وأمل إخلاء السبيل
فض رابعة، فض النهضة، أحداث مسجد الفتح، هي أكبر القضايا المتداولة في نطاق ساحة قضاء العاصمة، القدر وحده ما هون على إسماعيل فرحات مصيبته في أخيه، حين وجد نفسه بهيئة الدفاع عن أخيه علي فرحات، المتهم بين 494 شخص في القضية الأخيرة، سنتان يترافع "فرحات" لنفي التهم الموجهة لشقيقه، بالانتماء إلى جماعة محظورة، وحرق ممتلكات عامة، والاعتداء على قوات الأمن وغيرها، في البدء كان القلب يدمي على أخيه الصغير، فيما تحول الأمر إلى أسى عام "في متهم عنده زوجة وطفلين أكبرهم 3 سنين"، فوجد عزاء لهمه، الناشئ بعد سجن أخيه فقط لتواجده مكان الحدث كما يقول.

منذ 17 أغسطس 2013 تم احتجاز "علي"، حين توجه صدفة إلى مسجد الفتح بعد مشادة وقعت بينه وأبيه، فساقته أقدامه إلى المسجد المشتعلة الأجواء حوله، ليجد الصيدلي حديث التخرج نفسه في موقف إسعاف المصابين كما تحكي ابنة عمه إيمان جمال، ومنذ ذلك الوقت و"علي" طريح السجن، تحت مسمى الحبس الاحتياطي.

بجريدة الجمهورية القومية بتاريخ 3 مارس 2015 قرأ "فرحات" خبر قرار النائب العام بالإفراج عن 120 من الطلبة وكبار السن المحبوسين احتياطيا، احتفظ الشقيق الأكبر بنسخة العدد، بمجرد رؤية اسم أخيه "علي" ضمن المفرج عنهم، كان ترتيبه رقم 144، فذهب إلى النائب العام وتساءل عن الخبر ليأتيه الرد "معندناش أي معلومة "، وتمضي خمسة أشهر، يُغتال النائب العام هشام بركات صاحب قرار الإفراج والصيدلي لازال قابع بالسجن.

الرابع من أكتوبر القادم، يواجه "علي" وغيره من المتهمين المحبوسين احتياطيا بأحداث مسجد الفتح، جلسة أخرى ضمن سلسلة الجلسات التي كانت تلقى التجديد في كل مرة، وأخرها في الثاني من أغسطس الجاري، لم يستطع المحامون وفقا لـ"فرحات" الحديث حينها عن مدة الحبس، لأن القضية لم تكن أكلمت العامين بعد، لكن الجلسة القادمة يستعدون بحجة للحديث عن انتهاء مدة الحبس الاحتياطي "نص المادة اتعدل بعد ما فات سنة على حبسهم، والقانون مش بأثر رجعي يعني مينفعش يطبق عليهم"، على هذا يعقد المحامي الأمل، في استجابة المحكمة لإخلاء سبيل المتهمين، وبينهم أخيه، الذين لم يثبت عليهم التهم الموجهة لهم رغم مرور عامين.

إحالة القضية لمحكمة الاستئناف
على النقيض كان الوضع في قضية "فض رابعة"، حيث تم تحويل القضية قبل أيام من إتمامها عامين، إلى محكمة استئناف القاهرة، وهو ما تعجب له "عبد النبي"، خاصة بعد رفض المحكمة استسلام مذكرة المحامين بالقضية، المطالبة بإخلاء سبيل موكليهم لانقضاء فترة الحبس الاحتياطي "المحكمة قالت إنها مش هتقدر تستلم أي مذكرة، لأن ملف القضية لم يرسل لها إلى الآن".

دائرة مفرغة بات بها المتهمين بقضية "فض رابعة"، فلم يتم تحديد جلسة لها حتى الآن، كما لم تقم النيابة العامة بإخلاء سبيل المتهمين عملا بتنفيذ القانون، فلم تعد المشكلة فقط في إحالة أوراق القضية لمحكمة "الموضوع" –الاستئناف- لتحديد دائرة تنظر القضية والوقت المستغرق لهذا "أول ما يتم تحديد الجلسة اللي هتنظر فيها الدايرة هيكون المتهم قضى فترة احتجاز غير قانوني" حسب "عبد النبي"، بل إبقاء النيابة على الملف بدعوى إرساله.

تتعامل النيابة العامة مع المتهمين منذ البداية ليس بقاعدة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" كما يقول "عبد النبي" إنما "كأنهم مجرمين وليسوا تحت طائلة الاتهام"، مما خلق الشكوك بصدر المحامي، في أن ما يحدث لصالح غرض بنفس النيابة "طالما أنها لم تخلِ سبيل المتهم، وتبقي على حبسه، يبقى هي اللي حبساه، ويبقى الحبس اتحول من قرار بموجب أمر قضائي لفكرة اعتقال إداري لأنه اترفع عنه فكرة المشروعية"، مشيرا إلى أن استغلال ثغرات بالقانون وصلاحيات للإبقاء على حالة غير قانونية "ده شيء بيقلل من نزاهة النيابة العامة" حسب قوله.

وفي الوقت الذي ينتظر "فرحات" جلسة أخيه شهر أكتوبر القادم، للاحتكام إلى قاعدة "القانون الأصلح للمتهم"، وهو المفاضلة بين الاحتكام لقانون الحبس الاحتياطي في ظل قرار "عدلي منصور" وما قبله، فالقضية بالنسبة له "في إيد المحكمة"، يعمل "عبد النبي" على إعادة تقديم مذكرة القضية إلى محكمة الاستئناف لكن كإعلان على يد مُحضر "وهم يتصرفوا بقى مع النيابة"، فيما لا زال قلب عائلة "علي" يلتمس خطى الزيارة الأسبوعية لرؤية ابنهم، ويتصبر "أبو زيد" بكلمات زملاء ولده "شوكان"، يتوجع قلبه على ابنه المريض بفيروس الكبد الوبائي، يتمسك بالأمل "في الله"، ويفقده في الناس والقانون حال ابنه، وله في ذلك كما يقول مثل "لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي".

فيديو قد يعجبك: