إعلان

بالصور: فريق "المسارات المقدسي".. في حضرة فلسطين التي غيّبها الاحتلال

03:49 م الثلاثاء 26 مايو 2015

فريق المسارات المقدسي

كتبت- دعاء الفولي:

العام 1948 والحرب بفلسطين لم تضع أوزارها، العصابات الصهيوينة تهجم على قرية "عين كارم" الواقعة 7 كم غرب القدس؛ البلدة خاوية على عروشها إلا من المنازل الحجرية، غاب سكانها تحت وطأة الضرب؛ فصارت ملك المستوطنين، بعد ما يقارب الـ67 عاما تمر مجموعة من الفلسطينيين على "عين كارم"، يرتدون زيًا رياضيًا، يشرح أحدهم تاريخها للباقين؛ فترتسم ابتسامة على الوجوه، ذاكرتهم حفظت مكانا جديدا من فلسطين، حتى إذا جاء ميعاد التحرير لم يبقَ منها شبرا إلا وحرروه. يغادر الرجال القرية مُرغمين، يستكملوا مساراتهم المقدسية؛ ليعرفوا بلدهم.

60 رجلا أو يزيد، يجوبون بقاع القدس، تخطو قدمهم بوادٍ قديم، أو قرية مُهدّمة المعالم، الأربعاء من كل أسبوع موعدهم، فريق قوامه من ولدوا عقب نكبة 48 أو نكسة 67 أو فيما بينهما، اسمه "فريق المسارات المقدسي"، بدأه الحاج علي شلالده، الرياضي المقدسي. هو ليس رحلة ترفيهية أو نزهة يعودون منها لينسوا ما شاهدوه، بل رياضة لها مسار ذو بداية ونهاية، يعيشون فيها ساعات داخل تاريخ القدس الذي يحاول الاحتلال طمسه.

مدينة يافا

"نحنا ولدنا لأهل كانوا بقرى فلسطينية وتم تهجيرهم منها واحنا ما بنعرفها رغم إنها أرضنا"، قال زياد منى، عضو مؤسس بالفريق. بعد 1948 لم يستطع الفلسطينيون زيارة أراضيهم التي طُردوا منها، كانت الدولة مقسمة لدولتين، وحين احتلت إسرائيل الأرض بالكامل عام 67 لم تفلح محاولات العودة لأن القرى الفلسطينية أصبحت معمرة بالمستوطنين أو تحت سيطرة إسرائيل، ومع السنين عرقل الاحتلال الحركة بمزيد من الحواجز والأسوار، كبرت الأجيال لتسمع حكايات بسيطة عن هذه القرى، ومنهم مؤسسو الفريق "قبل تكوين الفريق خرجنا بمسارات مع عائلتنا لكن مش بشكل منتظم لكن الحاج علي لأنه رياضي قديم فهو اللي بدأها".

كان المسار الأول منذ أقل من عام، خمسة أفراد فقط يتقابلون صباحا ليستهلوا اليوم، اختيار الأربعاء من كل أسبوع لهدف معين "ما بنريد اللي ييجي يكون عنده وقت فراغ وجاي يقضيه وخلاص.. لازم يفرغ نفسه"، رغم علمهم أن ميعاد المسار يوم العطلة سيؤدي لتضاعف الحضور "بس مش مشكلة الأهم إنه الناس تستمر في اللي بتعمله"، طوال الوقت كان رجال الفريق يجتذبون دائرة معارفهم للفكرة، بداية من صفحاتهم الشخصية على موقع فيسبوك، وإلى أن قرروا إنشاء صفحة للفريق عليه، ينشرون من خلالها صور المسارات.

وادي القلط

الثامنة والنصف صباحًا صيفا، والتاسعة في الشتاء، يجتمع الفريق عند نقطة، أوتوبيس ينقلهم للجهة المُتفق عليها قبل الميعاد بيومين، لا يتم الإعلان عن المكان إلا بعد التأكد من صلاحيته "بيروح الحاج علي أو حدا من الشباب بيمشي جزء من المسار عشان يشوف إذا آمن أو لا، وكمان يعرف إذا فيه نبعة مياه أو غيره"، وأحيانا تتغير المسارات باللحظة الأخيرة، فقائد الفريق "الشلالده" قد يرتأي بعد زيارة مكان أنه ليس مناسبا لكبار السن، غير أن تحديد المسار يكون عادة بعد معرفة السمت العام للصُحبة "لو كان أغلبهم شباب أو متوسطي العمر ممكن نروح مكان فيه تسلق والعكس لو فيه ختيارة نختار مكان بسيط".

دعاء السفر، ثم تبدأ الحكاية؛ ورقة يُمسك به "منى" أو أحد الأعضاء الآخرين، يشرح للموجودين بالحافلة تاريخ وجهة الذهاب، يتحرك الأوتوبيس فيما تنسدل القصة، يوقفهم حاجز من العشرات المنتشرين طوال الطريق بمحيط القدس، يصعد أحدهم لتفتيش الموجودين، والسؤال عن بطاقة الهوية أو التصريح.

3

طبقا للقانون الإسرائيلي، فإن سكان الضفة الغربية "فلسطينيون" يحملون بطاقة وجواز سفر فلسطيني، لا يُسمح لهم بدخول القدس إلا بتصريح من الاحتلال، أما أهل القدس الشرقية فيتم تصنيفهم كمقيمين في الأراضي الإسرائيلية، لا يتمتعون بحقوق -كالانتخاب وغيره- ويحملون "الهوية الزرقاء"، ويحق لهم التحرك بحرية في أرجاء القدس والمدن الأخرى عدا غزة، الفريق المقدسي معظمهم من المقيمين في القدس "أما اللي من برة إذا بيريدوا ييجوا بنقولهم أهلا وسهلا لكن يجيب هو تصريح، احنا ما بنقدر نساعده في الحصول على واحد"، الطريق ذهابًا إلى المسار آمن طالما الأرواق سليمة، ولا يخلو الأمر من مضايقات عادية يمر بها الفلسطينيون كافة.

زاد المسار عدة أشياء؛ "حذاء رياضي، كاب للشمس، زجاجة مياه وسندويتشات وملابس سباحة إذا كنا سنمر بنبع أو نذهب للبحر الميت"، الأهم هو راحة المشارك في اليوم، يتسلى السائرون بأغاني فلسطينية بينما يقطعون الطريق، ويظل الحديث عن تاريخ الأرض موصولا.

وادي القلط

12 كم غربي القدس تقع قرية "القبو"، تم تطهيرها عرقيا بعد الاعتداء عليها من قبل القوات الإسرائيلية بالنكبة، هُدّمت البيوت، والأنقاض لازالت موجودة، بها مسجد غريب الطلة "مالوش مئذنة.. هو عبارة عن مبنى يعلوه درج، صرنا نلف حواليه وطلعنا، واستنتجنا إنه الإمام كان يطلع على أعلى درجة في السلم ويؤذن". تصيب الدهشة مشاركي الفريق في جولتهم الأولى، زفرة إعجاب وندم على المعلومات التي يجهلونها "فيه واحد قاللي بمرة إنه أنا سني 55 سنة وموجود بالقدس، وعمري ما تخيلت إن الأماكن دي موجودة على بعد كيلومترات مني".

تينٌ وزيتونٌ، ثمار يانعة وأشجار وارفة، ينعم بها المستوطنون القاطنون على أطراف القرى الفلسطينية، كان أصحاب الأرض يختارون مكان السكن حسب الأفضل للزراعة، أما المحتلون فابتعدوا قليلا عن ذلك المحيط، لذلك فالقرى المهجورة طرحت أشجارها ثمار، رأى "منى" بعينه إسرائيليين يطوفون بالغابات "يقطفوا تين وياكلوا"، يتحسسون جمال الطبيعة الأخاذ، بل يستغلونها "إسرائيل بتصنع السياحة بشكل جيد"، تخرج قوافل من المستوطنين أو الأجانب ويتحدث المرشد عن المكان، كما يفعل فريق "المسارات"، غير أن الأول يغير التاريخ كيفما يشاء.

وادي المربعات

"الصندوق القومي اليهودي" كيان يتبع الاحتلال، يُحكم سيطرته حاليا على الأراضي التي طُرد منها السكان بعد 1948، يقوم على الاعتناء بها ولو صوريا، وجود فلسطينيين في هذه المناطق مُستغربا، يظهر ذلك في نظرات المستوطنين "فيه سيدة قابلتنا بأحد المرات قعدت تسألنا شو بتعملو هنا وانتو منين؟"، إلا أن رؤية المستوطنين أحيانا يكون لها فائدة "شفنا تلاميذ إسرائيليين بيخرجوا يتنزهوافي هذه القرى"، فحاول الفريق تنفيذ الفكرة مع الصغار "بنتفق مع أكتر من مدرسة عشان يخرجوا الأولاد بدل ما يودوهم نوادي تتبع إسرائيل، يروحوا يعرفوا أرضهم"، كما استطاعوا إقناع شركة الكهرباء بالقدس بتنظيم يوم للموظفين مع ذهاب عضو من الفريق لإرشادهم.

من 10 إلى 20 كيلو يكون طول المسار، يرتكن الأوتوبيس إلى نقطة محددة يبدأ منها الفريق ويعود لها مرة أخرى، ينتهي اليوم قُرب الرابعة عصرا، إلا أن تكون المسافة أبعد من حدود القرى المحيطة بالقدس، كبحيرة طبريا التي عرج عليها الفريق من قبل، ورغم بُعدها عن القدس بحوالي 198 كم، إلا أن قصتها مشوقة.

سهل البطيحة 6

"شمال البحيرة فيه سهل اسمه البطيحة واقع بين أراضي 67 وأراضي 48 وإسرائيل تستخدمه حاليا كمكان لتأجير القوارب"، على هذا السهل تقع قرية بنفس الاسم، جزء منها موجود في أراضي فلسطين التي سيطر عليها الاحتلال بعد النكبة، والآخر يتبع هضبة الجولان التي وقعت تحت براثن إسرائيل بعد النكسة، حين استولت إسرائيل على الجزء الفلسطيني عام 48 نزح أهله إلى "البطيحة" السورية، وبعدما اُحتلت الجولان نزح سكان القريتين إلى مخيم "الوافدين" داخل سوريا "الأمر كان أشبه برفح المصرية ورفح الفلسطينية"؛ روى "منى" هذه الحكاية في الحافلة، فأمست أسئلة الصُحبة تأتيه طوال اليوم "هاي التفاصيل لما نحكيها الناس بتهتم أكتر بتاريخ بلدهم، بيعرفوا إن مش كل الأرض راحت هيك زي بعضها".

صورة 7

عدد الشباب من سن العشرين والثلاثين قليل بالفريق "لأنه معظمنا مستقرين ماديا.. ممكن حدا يسيب ابنه في المحل وييجي"، يسعى أصحاب الفكرة لتغيير شعارهم من "اعرف بلدك" إلى "اعرف بلدك وهات ولدك"، لهم نية في إنشاء مسارات مخصصة للنساء، مع وجود مرشد لهن "فكرنا في الخطوة لأنها مهمة معرفيا لكن يجب وجود قائدة ست تنسق الأمر".

تفاصيل جمة يستكشفها "المسارات المقدسي" مع كل "أربعاء"، يتلمسون أثر السنوات التي سقطت بين النكبة والنكسة، تغير فيها شكل قُرى، مُحيت أخرى وبقي بعضها على شكله القديم، يستعيدون هوية يتم العبث بها عمدا، يصرون على استكمال ما بدأه "شلالده"، يُطلق "منى" على نشاطهم "صمود" ضد تغريبهم في بلادهم، حوصروا ماديا وسياسيا، وانغمسوا في متاعب الحياة الشاقة بسبب إسرائيل "حشرونا في القدس الضيقة عشان ما نعرف بقية فلسطين"، وُلدت أجيال لا تعرف عن مساكن الجدود، رغم أنها تقع على مرمى حجر، مسارات طويلة يخطوها الرجال بلا كلل، طالما تحمل لهم كل خطوة "تفصيلة" فلسطينية جديدة.

تابع باقي موضوعات الملف:

67 عاما على الاحتلال.. فلسطين تكسب الرهان "ملف خاص"

2015_5_28_16_20_14_855

في أول حوار عربي.. أبرز مؤرخ يهودي مدافع عن فلسطين يتحدث لـ "مصراوي"

2015_5_24_16_38_47_866

الاحتلال يسكن مع "ناصر" في شقة 70 مترًا

2015_5_27_20_2_34_206

بالفيديو والصور: الشهيد "فارس عودة".. راقص الدبكة يحيا

2015_5_26_20_8_48_208

بالصور: مرابطات الأقصى.. نساء تزلزل المحتل بـ"تكبيرة"

2015_5_27_18_42_36_933

أهداف سويف.. رحلة بنت فلسطين المصرية "حوار"

2015_5_28_13_40_59_28

بالفيديو.. كيف تدافع عن فلسطين بلغة الغرب؟

2015_5_25_11_38_55_729

بالصور: هنادي.. "ابنة الشتات" ستمر يوما من "فلسطين"

2015_5_27_18_50_59_221

بالفيديو والصور: "أبناء عيلبون" صورة مصغرة لمواجهة الاحتلال

2015_5_27_18_46_21_7

بالفيديو والصور: لينة النابلسي.. فراشة أحلامنا تطل من جديد

2015_5_28_15_46_30_17

بالفيديو والصور: حناجر "ريم" و"رلي" تحاصر "بارود الصهاينة"

2015_5_27_18_58_51_634

بالصور: في غزة فقط.. مواجهة المحتل بـ''سجادة حمراء''

2015_5_28_15_37_1_200

خالد يقاوم حصار غزة بـ"الفرن الشمسي".. الاحتلال أبو الاختراع

2015_5_27_18_36_35_534

بالصور: "نضال" حارس "فلسطين أيام زمان"

2015_5_27_18_28_2_43

فيديو قد يعجبك: