إعلان

أم "الضحية": "عاش شقيان .. ومات مغدور بيه" - (صور)

11:37 م الأربعاء 18 فبراير 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب ـ محمد الصاوي:

كان يتمنى والده أن ياتي رجلًا لرفع الحمل عنه، أما والدته فوقتما خرج جنينها إلى الوجود؛ تجاهلت كل أوجاعها وفرحت به مرتين مرة لإنجابها طفل والثانية لأنه ولدًا، علمته كما علمت والدها والرجال في قريتها، ليشب وتراه رجلًا صعيديًا، تستطيع الاعتماد عليه ويكون لها سندًا عندما يميل عليها الزمن، دفئًا لها عندما يتنفس بجوارها عونًا لها على تحمل أوجاع الحياة في بيئة فقيرة كُتب لأبنائها عدم العيش فيها لضمان حياة كريمة، حينها توافق الأم بلسانها ودموعها -الغالية والصعبة لأنها إمرأة صعيدية "شديدة" - تفيض رفضًا لرحيل فلذة كبدها حتى وأن اضطرت إلى "أكل فُتات الأرض" الشئ الوحيد المتوفر هناك بدون مشقة.

بعد إصرار منه تقرر الموافقة عملاً بالمثل الصعيدي القائل "الولد للفقير معينة والغني زينة"، فليس لها إياه في الدنيا لإعانتها وأشقاؤه الصغار "عشان ميمدوش إيدهم لحد".

يسافر تاركًا وراءه همٌ ثقيل وذكريات أجمل تعينه على المجهول الكئيب الذي ينتظره، وربما ترك حبيبة عشقها ولم يستطع البوح لها لفقره.

رحل الشاب وتحمل المهانة والذل، وعندما يفيض به الكيل يتذكر أهله الذين ينتظروه لكي يرفع عن كاهلهم الفقر المضجع، تنتظره والدته حتى تعوض ما غاب عنها بالنظر في وجهه وكل ما تتمناه أن تراه عريسًا تزفه إلى باب حجرته.

ظلت تنتظر الغائب حتى يعود لكنه آبى رغمًا عنه، طال الانتظار وربما إلى يوم الميعاد، ففجأة تنقلب الحياة رأسًا على عقب ويوقظها أهالي قريتها بتردد وإشفاق ارتابت منه، فهذا المشهد رأته عندما مات "زوجها" في الغربة وجاء جثمانه، شعرت بالخطر وانقبض قلبها رافضه أن تصدق نظراتهم تستخرج الكلمة من أفواههم لكي يكذبوا إحساسها، ولكنها ترفض أن تسمع أي مصاب لولدها "الشقيان" في الغربة، لكنها لا تستطيع الصبر أكثر من ذلك لتسمع ما أعجزها عن النطق "ابنك اتدبح".. يسود الصمت هنيهة وتقلب هي بين صوره بداخلها لتصرخ في الواقفين "أكيد حد غيره.. مش ابني يا ناس ده قالي إنه جاي كمان شهر عشان يبني البيت ويجوز إخواته البنات" لكنها لا ترى ردًا سوى نظرات الشفقة.

"ازاي وامتى ومين اللي قتله" كانت تسأل والجميع يعجز عن النطق، إلا أن الصورة المرئية كانت أوقع دليل، تسدير بعيناها إليه لتجد ابنها يمشي في ثبات مرتديًا بدلة برتقالية اللون ناظرًا إلى السماء شارد الذهن لا يفكر إلا فيها وحال شقيقاته من بعده، رافضًا الانكسار حتي في لحظة الموت يتوسل إلى الله أن يغفر له ويحفظ والدته ويصبرها بعد فراقه، وفجأة يُلقى به على وجهه ونظرات الوداع في عينيه، ليأتي من فوقه رجل يذبح ما تبقى لها من حياة فكيف ستعيش بعد "وحيدها"، نحره الإرهابي ونحر معه فرحة "اخواته البنات" ليظل اللون الاسود عنوانًا لهم ومستقرًا في أعماقهم.

هذا المشهد هو الوحيد الذي كان قادرًا على إعادة "صوتها إلى جسدها" لتصرخ صرخة دوت في كل جوانب القرية الكئيبة، وتصعد لتخترق السموات، وتبكي معها جذور "النخل" الذي كان شاهدًا على لهو ابنها المذبوح و طموحه عندما يصعد إلى "جريدها" لكي يُطعم شقيقاته من ثمرها.

تحولت كل أمنياتها من أن "تحٌني" ابنها ليلة زفافه وتجهيز عشاء ليلة دخلته واستقبال أحبابه في "الكوشة"، إلى مجرد الحصول على ما تبقى من جسده وتكفينه ودفنه بيدها بجوار والده.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: