إعلان

بالصور والفيديو: ''عاشق الصحراء''.. البقاء فن يصنعه البراح

04:12 م الإثنين 24 نوفمبر 2014

كتبت-إشراق أحمد:

كان بالصف الثالث الإعدادي، بمدرسة حكومية يتلقى تعليما كغيره من الطلاب، الأيام تمر لا جديد بها، حتى حضور ذلك الرجل، ليس مدرسا ألفه بمدرسته الزعفران الإعدادية بنين، في البداية انبهر محمد شاهين حال زملائه بشاشة العرض ''بروجيكتور''، التي يراها للمرة الأولى، مع ظهور صور الصحراء والجبال وحديث ذلك الشخص عن صحراء مصر الشرقية، تحول انجذابه لكلمات ''المتطوع الجيولوجي'' –الوصف الذي ظل يتذكره به-؛ أسرها في نفسه، أحب الصحراء لكن ما كان متاح وهو ابن القاهرة، الخروج للبراح المتحدث عنه، مرت سنوات، شب الصغير، لم يدر يوما أن كلمات الرجل الذي لم يره سوى مرة واحدة، ستؤثر به حد أن يدين له بالفضل، في غرسه حب شيء، غير مسار حياته، وأصبح حلمه أن ينقله إلى غيره، ممتنا في كل لحظة للوصف الذي بات ملاحقا له ''شاهين الصحراوي'' أو ''بتاع الصحرا''.

لمشاهدة الفيديو...اضغط هنا

الصحراء بالنسبة للكثير، مكان موحش يبعث على الخوف، لكنها لـ''شاهين'' وطن سكن له، فقرر أن يكون سبيله لمساعدة نفسه والناس؛ هي حياة بها، التصوير الذي درسه، التقرب إلى الله، علاقات إنسانية يكتشف بها الجديد، علم ينتفع به عن الصحراء وما بها، ينقله لغيره إن لم يكن بالحديث، فعن طريق التصوير الذي يجيده، من خلال فيديوهات تقدم معلومات عملية بطريقة مبسطة، لا يبالي لنعت البعض له بالجنون، لتركه المدينة، والانعزال أغلب الوقت وحيدا، بعيدا في صحراء مقفرة، لكنه يوقن أن الفكرة الجيدة تصل ولو بعد حين، فكل ما يرغب فيه الشاب العشريني إن لم يعشق الناس الصحراء مثله، فلا داعي للخوف منها.

يجد ''شاهين'' في الصحراء، المعلم الأول لفن البقاء، والذي يعرفه بأنه ''المكوث في المكان أطول فترة ممكنة''، هو غريزة طبيعية كما يصف، نراها كل يوم في عبور الطريق على سبيل المثال ''زي اللي بيبص يمين وشمال عشان العربية متخبطوش''، يشبه فن إدارة الكوارث، لكن ليس بشكلها الأكاديمي الجاف حسب قوله، إنما بخوض تجارب، يفرضها واقع الطبيعة الصحراوية ذاته، وذلك بعد معرفة مهارات التعامل في حالة الصعاب والكوارث، حينما لا يوجد بديل عن استخدام الموارد المتاحة، والقصص المتداولة عن الحوادث من سقوط طائرات، وفقد الطريق أثناء ممارسة الرياضات ''الصحراوية'' وغيرها، تؤكد له فكرة أنه ليس أجدر بإعطاء تلك القدرة من ''براح'' الصحراء.

قبل عام 2008، ما كان الحديث عن الصحراء، في حياة ''شاهين'' سوى مجرد ''حب'' لشيء دون معرفة، ظل محبوسا، انشغل بدراسته التصوير في كلية فنون تطبيقية، حتى إجازة نصف العام الدراسي الثاني له بالجامعة، حين طرح عليه بعض الأصدقاء مشاركتهم برحلة إلى واحة سيوة، قرر أن يرافقهم للتصوير، لكن هناك تبدلت الأحوال ''عرفت قد إيه بحب الصحراء''، لدرجة أنه أراد البقاء، لم يجد مشكلة في المبيت وسط الجبال، لكن قلة الأموال وعدم معرفة المكان حالا بين ذلك.

ظل يراود المصور الشاب سؤال عقب رحلته الأولى ''إيه المانع أني أمشي لوحدي في الصحراء''، من غير دليل يدفع له مقابل إرشاده للطريق، قرر أن تكون العودة بفكر جديد ''لازم اتعلم''؛ بدأ يبحث على الانترنت، أخذ يشاهد العديد من المقاطع التعليمية المصورة ''عن إزاي الواحد يتعامل في الصحراء''، يفتش عن الأشخاص المتعاملين مع الصحراء والمهتمين بها، فعرف أستاذه الأول ''سامر المفتي'' الأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء، أمده بمعلومات وفيرة، أشبع افتقاده لأسلوب مصطفى محمود الذي نشأ على كتاباته وبرامجه، وجد به ضالته لفكرة العالم الذي لا يريد شيئا غير نقل العلم إلى كافة الناس بطريقة بسيطة، ورغم أنه لم يقابله سوى مرة واحدة لظروفه الصحية، لكنه ظل متذكرا كلماته حينما عرض عليه فكرته عن نقل حياة الصحراء إلى الناس ''قال لي الناس بتخاف من الصحراء كده هتخوفهم أكتر''.

لم تدم معرفة ''شاهين'' بالمفتي كثيرا، وافته المنية، فبدأ الشاب مرة أخرى في البحث عن معلم، ووجده عبر مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي ''فيسبوك'' تسمى ''صحراويين''؛ التقى بـ''أحمد سالم'' عاشق مثله للصحراء، الذي قرر تكوين مجموعة تحمل الفكر ذاته الحالم به، فكانت مدرسة الصحراء لمهارات البقاء.

مضى قرابة خمسة أعوام حتى اكتشف ''شاهين'' شغفه بالصحراء، ومثلها حتى كانت أولى رحلاته في 2013، هذا العام الذي غير مسار حياته ''سنة تفرغ للصحراء.. سنة العمل'' كما يصفه، جاء بعد فترة معاناة، من مرض مفاجئ أصاب رجليه، ورسوب بالجامعة، كل ذلك كان كفيل بتسرب الإحباط إلى نفسه، لكن طبيعته في رؤية الزاوية الإيجابية كفاه هذا، قرر أن يتفرغ لعشقه، حتى غدى ذهابه إليها ''زي الشارع'' يصعب تذكر مرات التردد عليها، خاصة بوجود مكان مثل ''وادي دجلة'' بالقاهرة أتاح له الأمر كثيرا، حين يصعب السفر.

المكان ذاته في سيوة، حيث أصر على العودة إليه بعد رحلته الأولى، شتاء 2013 يصعب نسيان الرحلة الأولى بمفرده، بدء التجربة العملية، لكل ما حصله طيلة تلك الفترة، والتي معها وضع أسس ليتلافاها غيره، إذ سقطت كل التصورات، بدءا من تحديد الرحلة ليوم واحد ''مكنش معقول أسافر 1800 كيلو متر عشان أمشي 40 كيلو وارجع''، وفشله في تصوير فيديوهات تعليمية، فضلا عن المواقف التي وضعته فيما يشبه الامتحان ''التليفون وقع في المايه قبل السفر كل حاجة كانت شغالة إلا الجي بي أس-خاصية تحديد الأماكن-''، فلم يكن هناك بديل عن استخدام البوصلة.

من بير 1 إلى العين –مكان معروف في سيوة كمزار سياحي تتوقف عنده الأفواج- كان تحديد مسار الرحلة، التي فقد فيها طريقه لساعات ''كنت زي الطفل عارف أن النار وحشة لكنه بيمسكها عشان يجرب'' يقولها ''شاهين'' واصفا حاله خلال اللقاء الأول له، وتصادمه مع متاعب الصحراء، التي كثيرا ما تجاوزها مستخدما حواسه ''لأنها بتزيد قوتها وقت الحاجة.. طبيعة المدينة مبتديش فرصة لاستخدامها أصلا''، تعدت الرحلة اليوم المحدد لها، ذعر لم يعرفه من قبل، لم تكن طبيعة الصحراء وحدها السبب بل الناس أيضا.

في ليل حالك الظلام، غاب عنه ضوء القمر، مكث الشاب المولع بالصحراء، في خيمة خاصة لمثل هذه المواقف، تعكس ضوء للعابرين حولها، لم يهدأ صوت السيارات، ظن ''شاهين'' أنها تابعة لقوات الجيش، حال ذلك الأزيز الذي ظل يسمعه طيلة الليل، ليكتشف في اليوم التالي أنه مكنة مياه، ورغم الهلع الذي سببه له ذلك الصوت لساعات، غير أنه كان منقذ له، إذ وجهه لمكان المدينة وتواجد الناس.

يسير ''شاهين'' في طريقه بتؤدة، يوقن أن الإمداد على قدر الاستعداد، خطوة بخطوة وسوف يحقق أمله، حديثه عن الصحراء لساعات تمر كدقائق معدودة لا يشعر بها، يصنع فيلم مشروعا لتخرجه اسمه ''العطش'' يحاكي أساليب البقاء، يصور مقاطع صغيرة كتجربة، يسعى لإعداد فيديوهات أكثر جودة من التي صنعها في تجاربه، تقدم المعلومات عن الصحراء، وتجاوز صعابها مؤكدا أن ''أساليب البقاء مش معناها أن الواحد يبقى مجنون''، لكن يتجاوز الخوف إذا وقعت واقعة ما، متمنيا اكتمال حلمه الأكبر بترسيخ ''عيش'' كيان مؤسسي، يجمع محبي الصحراء يكون له طابع رسمي، يقوم بعمل فرق الانقاذ، يحمل من طابع الكشافة النظام، ومن الهدف ذاته المغامرة.

''يقولون في يقظتهم ما أنت والعالم الذي يضمك إلا حبة من رمل على ساحل لا يتناهى لبحر لا يتناهى'' كجبران خليل جبران في كلماته يواجه ''شاهين'' الكثير من التعليقات، بعضها محاولا تثبيط العزيمة، من اتهامه بسوء الفعل ''رايحين الصحراء تعملوا إيه.. أكيد حاجة غلط''، ومنها المتوجس منه خيفة، حال من رفضوا أن يقلوه بعد ساعات من فقدانه الطريق ''قالوا عشان مش معاك تصريح.. لأنهم مكنوش يعرفوني''، فيما يخبرهم بلسان حال الشطر الثاني من بيت الشاعر ''وفي حلمي أقول لهم إنني أنا البحر لا نهاية له وليست العوالم كلها غير حبات من رمل على ساحلي''، فـ''الصحراوي'' لم يتوقف حبه وبحثه يوميا عن معلومة جديدة، يضيفها لحصيلته المعرفية عن الصحراء، والتردد عليها بأماكن مختلفة، ولقاء أرباب الشغف مثله، معتبرا أنه ليس الأفضل علما ولياقة للرحلات لكن قرار التفرغ أكسبه قدرة أكبر على اكتساب الخبرة.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: