إعلان

الثقافة في قلب أخطر معركة للانتخابات الرئاسية الفرنسية

03:32 م السبت 22 أبريل 2017

الانتخابات الرئاسية الفرنسية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

القاهرة- (أ ش أ)
ساعات تفصلنا عن موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وفي هذه الأثناء تبدو الثقافة حاضرة بوضوح في قلب هذه المعركة التي وصفت بأنها "أخطر معركة للانتخابات الرئاسية" في هذه الدولة ذات الحضور الثقافي العالمي.
وهذه "الخطورة" التي وصف بها الكثير من المعلقين والمحللين الانتخابات الرئاسية الفرنسية الوشيكة، ترتبط في المقام الأول بإمكانية فوز مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بخطابها الشعبوي في هذه الانتخابات لتشكل بذلك انتصارا جديدا وكبيرا للصعود المثير للشعبوية في الغرب .
وضمن اهتمام لا ريب فيه من جانب المثقفين والأدباء في فرنسا بالانتخابات، يقول الكاتب الشاب ادوارد لويس وصاحب رواية "نهاية ايدي" التي حققت مبيعات عالية، إن مارين لوبان تحظى اليوم بتأييد كبير من فئات الفقراء والكادحين والمهمشين في المجتمع الفرنسي بعد أن أخفقت النخب التقليدية ومن بينها نخب اليسار في معالجة هموم تلك الفئات والشرائح الكُبرى.
وتوصف مارين لوبان بأنها من المرشحين الأوفر حظا للفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعد أن وضعتها استطلاعات للرأي العام في صدارة المشهد الانتخابي وسط توقعات بإمكانية خوض معركة الإعادة يوم السابع من شهر مايو المقبل، أمام أبرز المرشحين ايمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عاما والذي يتبنى أفكارًا جديدة لتيار الوسط.
وفي المقابل، تشحب فرص المرشح الجمهوري فرانسوا فيون مرشح اليمين التقليدي، وجان لوك ميلونشون مرشح اليسار المتطرف، حسب استطلاعات للرأي العام الفرنسي، وترجح أن تجرى هذه الجولة بين مارين لوبان وايمانويل ماكرون وإن كانت النتائج غير متوقعة لأن نسبة تصل إلى نحو ثلث الناخبين لم تحسم مواقفها بصورة واضحة.
وكانت مارين لوبان قد تعهدت خلال حملتها الانتخابية في سباق الانتخابات الرئاسية بتعليق الهجرة إلى فرنسا واستخدمت "مفردات خشنة" ضد المهاجرين ضمن "خطاب شعبوي" لإرضاء قاعدتها الانتخابية المناهضة لتدفق المهاجرين على فرنسا.
وتعيد لغة الخطاب الانتخابي لـ " لوبان" إلى الأذهان بعض مفردات لغة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية من حيث التأكيد على "الوطنية" و"استعادة العظمة المفقودة" ومناهضة "العولمة الضارة بالدولة"، فيما تركز مفردات الخطاب الانتخابي لماكرون على "أهمية التغيير" وانتقاد اليسار المتشدد بلغته "التي تعود بفرنسا الى فانتازيا الماضي".
وإذا كانت أغلب وسائل الإعلام الأمريكية بقوتها الضاربة من صحف ومجلات وشبكات تلفزيونية، قد اخفقت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في إقناع الناخبين بعدم منح أصواتهم لدونالد ترامب، كما تبين عدم دقة الكثير من نتائج استطلاعات الرأي العام، فان الانتخابات الفرنسية، غدًا الأحد، تضع أيضًا أغلب الإعلام الفرنسي في اختبار عصيب، في الوقت الذي تبنّت فيه الكثير من الصحف ووسائل الاعلام الفرنسية توجّها مُضادًا لمارين لوبين.
ويمكن ملاحظة أن وسائل الإعلام والصحف الأمريكية التي اتخذت مواقف مناهضة لترامب أثناء حملته الانتخابية، ومن بينها صحيفة نيويورك تايمز، تتخذ الآن مواقف مناهضة ايضا لمارين لوبان، إذ ترى هذه الصحيفة في أطروحات ومقالات لكبار كتابها مثل روجر كوهين أن" طريقها مفتوح للانتصار في الانتخابات الرئاسية الفرنسية".
وبطبيعة الحال، فإن الانتخابات الفرنسية تكشف- ضمنا- عن استمرار أزمة اليسار الذي يعاني في فرنسا مما يصفه روجر كوهين من "حالة تشويش وفوضى" ولن تفلح مفرداته النضالية القديمة وأناشيده الأممية العتيقة ورطانته المعتادة بشأن الصراع الطبقي في انقاذه من أزمته المستحكمة بينما لسان حال رجل الشارع الفرنسي يقول وسط الأزمات المتعددة :"كفى" !
ولن تجدي كثيرا وسط هذه الأزمات المتعددة لغة الحنين لأيام اليسار كما يستعيدها الكاتب الفرنسي الشاب ادوارد لويس على لسان أمه التي تكدح لتوفير الطعام لأفواه الأبناء في أسرة لا يعمل فيها الأب، أما الأم فتتحدث بشجن عن الأيام الطيبة لقادة حكموا البلاد بصورة أفضل عندما كان اليسار في مقاعد السلطة و"اللحم في أطباق طعامنا".
ويفسر لويس سر التحول في مواقف والدته صاحبة الميول اليسارية القديمة بحدة المعاناة في الحياة اليومية بينما تقدم مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الوعود للناخبين "بمجتمع جديد للرخاء والوفرة" حتى أمست لوبان "بطلة للفقراء في فرنسا".

والأزمة لا تنحصر على أي حال في اليسار التقليدي وإنما تعاني منها أيضا أحزاب اليمين التقليدي والمعتدل، بينما جاءت في صالح تيارات شعبوية قومية توصف باليمين المتطرف وتعبر عنه في فرنسا مارين لوبان وجبهتها الوطنية التي ترى أن المهاجرين سبب لاستشراء البطالة بين الفرنسيين كما تتحدث عن "الأضرار الثقافية التي يلحقها هؤلاء المهاجرون بفرنسا".

وهكذا يقول الكاتب الفرنسي الشاب ادوارد لويس" إن السياسة اليوم تعني الإجابة على السؤال الكبير: كيف تكون الحياة أفضل للسواد الأعظم من الشعب" وهو ما يفسر شعبية لوبان التي تركز في خطابها السياسي على صنع حياة أفضل للفرنسيين.

أما الكاتب روجر كوهين في صحيفة نيويورك تايمز، فيعرب عن القلق حيال ما وصفه بمد اليمين المتطرف في فرنسا التي تواجه أياما عصيبة معدا " أن هذا البلد لا يحب نفسه" بعد أن عانى من إذلال أثناء الحرب العالمية الثانية وخيبة أمل في عملية التكامل الأوروبي، كما اغتم بالعولمة ليقع في براري الكآبة والوحشة والعبوس.
وإذا كان العصر الحالي الذي يوصف "بالعصر الرقمي" ينتج ثقافة تعرف في الغرب "بثقافة السرعة الفائقة" وهي ثقافة تتجلى في أفكار وكتب جديدة مثل الكتاب الجديد للأمريكي توماس فريدمان، فان كوهين يشير في النيويورك تايمز إلى ان القطارات الفرنسية الفائقة السرعة باتت عنوانا "لفرنسا المتجهمة" بينما لم تنجح الأفكار الاشتراكية للرئيس فرانسوا هولاند في انتشال بلاده من مستنقع الأزمة.

واذ أحجم فرانسوا هولاند عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية يقول روجر كوهين ان "التذمر والتشكي امسى اسلوب حياة فيما تبدو فرنسا الآن مستعدة لتنفيس غضبها الذي اختمر طويلا في انتخابات قد تفضي إلى عودة اليمين المتشدد للسلطة لأول مرة منذ أربعينيات القرن الماضي ولترتد أوروبا إلى حقبة من الاضطراب لم تعرفها منذ هاتيك الأيام البعيدة".

وفي "عصر السرعة الفائقة" المتغيرات سريعة ومتلاحقة من "البريكسيت" أو الاستفتاء الذي أسفر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ضمن تطورات افضت إلى شعور عام بالغموض والحيرة والتوجس على مستوى الغرب الذي لا يمكن وصفه بأنه الآن في أفضل أحواله تستعد اليمينية المتشددة مارين لوبان لرئاسة فرنسا فيما أعلنت اعتزامها في حالة الفوز الخروج بفرنسا من منطقة اليورو واستعادة الفرنك أو العملة الوطنية الفرنسية.

وهذا التوجه لمارين لوبان قد يفضي "لبريكسيت فرنسي" على غرار "البريكسيت البريطاني"؛ أي خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي فيما يعد الكاتب البريطاني كوهين بأن "البريكسيت الفرنسي بانعكاساته وتداعياته السياسية والاقتصادية" سيكون أخطر كثيرا من نظيره البريطاني في ضوء العلاقات الوثيقة والروابط التاريخية المتعددة بين فرنسا واوروبا خلافا لحالة الجزيرة البريطانية التي كانت تاريخيا معزولة نسبيا عن القارة العجوز.

ومن هنا يرى مثقفون من بينهم بعض أصحاب الأقلام في مصر والعالم العربي، أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة قد تكون الأكثر تأثيرا على خرائط القوى السياسية والاجتماعية والتفاعلات الثقافية في أوروبا وبالتالي في الغرب والعالم ككل.

رجل الشارع أو الناس في الغرب يشعرون بأنهم يعيشون في عالم يبتعد بسرعة عنهم وهو شعور مرير، وإن كانوا لا يفهمون تماما اسباب هذا التباعد الذي أفضى إلى هذا الشعور التعس..ثمة مشكلة في السرد والتوصيف والتفسير وقد يكون احد من سعى نحو حل هذه المشكلة المفكر المصري الراحل السيد ياسين.

فواقع الحال أن هذا المفكر والباحث المرموق الذي فقدته هذا العام الثقافة المصرية والعربية كان مهموما في سنواته الأخيرة بحزمة من الاسئلة الكبيرة والكونية وان اتصلت على نحو أو آخر بمستقبل مصر وأمتها العربية و"تأسيس عقل استراتيجي مصري" في عالم يواجه تحديات غير مسبوقة.

ولئن عد السيد ياسين" أنه لا يمكن الفصل التعسفي بين حال العالم وحال الأمة وحال مصر" رأى هذا المثقف الوطني المصري الكبير في كتابه "ازمة العولمة وانهيار الرأسمالية" ان الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الغربية قد جعلت منها "مجتمعات مفعمة بالخطر".
ولم يخف الراحل الكريم السيد ياسين شعوره بالقلق حيال حالة الاضطراب التي يمر بها العالم المعاصر مع انتشار الارهاب وتعاظم نزعات التعصب وتصاعد الصراعات في سياق ما وصفه "بعصر الاضطراب العالمي"، فيما لم يغفل عقله البحثي والنقدي اليقظ عن محاولات البحث عن إجابات لتجنيب مصر مخاطر هذا الاضطراب العالمي.

ويتفق العديد من المثقفين المصريين والعرب على وجه العموم في أطروحات متوالية، على أن المتغيرات في أوروبا والولايات المتحدة تؤثر بالضرورة على المشهد العربي.

ومن هنا تحظى الانتخابات الفرنسية وكذلك الانتخابات العامة الألمانية المقبلة باهتمام ملحوظ من جانب هؤلاء المثقفين الذين يرى أغلبهم عن حق أن التطورات الراهنة في الغرب وبعض الجوانب الغامضة في الصورة العامة تدعو بإلحاح إلى استجابة عربية ترتقي لمستوى التحديات العالمية وأن مثل هذه الاستجابة لابد وأن تتجسد في تبني "ثقافة الاصطفاف العربي".

وهكذا تشعل الانتخابات الفرنسية الوشيكة معارك ثقافية جديدة، وتثير المزيد من التحديات في لحظات كونية قلقة، والكل في الشمال يحصي المكاسب والخسائر ويسعى إلى تعظيم مصالحه فماذا نحن فاعلون وبأي اتجاه نسير؟!.. من واجب الأمة أن تطفىء الحرائق وتخمد الفتن التي تتلبس وجه المكان، ومن حق أمتنا أن تجد مكانا تحت الشمس في عالم لا يحترم سوى الأقوياء!

هذا المحتوى من

Asha

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج