إعلان

''ركود تضخمي".. لماذا لا تنخفض أسعار السلع بعد هبوط الدولار؟

05:29 م الإثنين 20 فبراير 2017

صورة ارشيفية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- مها صلاح الدين ومصطفى فرحات:

محال تجارية فارغة، أسواق شعبية مكتظة بمواطنين أغلبهم يشتري أقل من احتياجاته الأساسية، بينما يختلسون النظر إلى سلع تفوق أسعارها قدراتهم الشرائية ويمضون.. سيارات جديدة متراصة أمام المعارض، لا تجد من يشتريها، كل هذه المشاهد أصبحت معتادة بعد قرار الحكومة تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، ورغم ارتفاع الجنية مقابل الدولار مؤخرا، إلا أن الأسعار بقت على حالها، واستمر الكساد و"الركوض التضخمي".

"مصراوي" يبحث عن سبب عدم انخفاض 3 سلع "سيارة وتفاحة وثلاجة" (معايشة بالفيديو الصور)

"مصراوي" حاول الإجابة على سؤال لماذا لم تنخفض أسعار السلع مع ارتفاع الجنيه أمام الدولار، مثلما ارتفعت بشكل جنوني مع تحرير سعر الصرف وانخفاض الجنيه الدراماتيكي... واخترنا 3 سلع مستوردة بشكل عشوائي، هي "السيارة كيا بيكانتو، والتفاح، والثلاجات 16 قدم"، وتتبعنا أسعارها قبل وبعد ارتفاع وانخفاض الجنيه، في محاولة لتفسير سبب ثباتها رغم هبوط الجنيه.

"كيا بيكانتو.. 245 ألف جنيه وأنت طالع"

 رجب حمادة

يجلس "حمادة رجب"، على مكتبه في خمول، وكأنه لم يتحدث لأحد منذ الصباح، حتى دخل إليه محررا مصراوي، لينتفض في فرح، لم يكتمل حينما علم أنهما صحفيان، وليسا زبائن.

وعلى الرغم من ذلك، وجد صاحب معرض سيارات "البحيري موتورز"، الموجود بشارع صغير بمنطقة المهندسين، في الشكوى من الوضع المتردي في سوق السيارات، سلوى له، قائلا: لم تنخفض أسعار السيارات في العموم، وأسعار "كيا بيكانتو" على وجه الخصوص، مع انخفاض أسعار الدولار، مرجحا استمرار ارتفاع سعر السيارة الصغيرة، التي كانت يبدأ سعرها قبل التعويم من 110 آلاف جنيه، ووصلت بعده لـ245 ألف جنيه، بزيادة أكثر من 120%.

وبرر صاحب المعرض عدم انخفاض سعر السيارة، قائلا: التجار والوكلاء، الذين يحكمون قبضتهم على السوق، جشعون ويتحكمون بالأسعار ويستطيعون ترويض انخفاض وارتفاع سعر العملات لصالحهم، مختتما حديثه بانفعال، قائلا: "آخر عربية بعتها كانت من 6 شهور، وكانت بالتقسيط، والفترة دي ما شوفناش زيها قبل كدا، ولا هنشوف زيها".

صاحب معرض: آخر عربية بعتها كانت من 6 شهور.. وآخر: انخفاض الأسعار لن يكون كبيرا

"الركود سيضطر التجار لخفض أسعار السيارات قريبا"، قالها أيمن فؤاد، صاحب أحد معارض السيارات بمنطقة الهرم، معلنا اختلاف توقعاته عن سابقه، وأكد أن التجار لابد أن يلجأوا لخفض سعر السيارة، إلا أن ذلك لن يتم بالشكل الملحوظ.

وفسر ذلك قائلا: الدولار ليس العامل الوحيد الذي ارتفع مؤخرا، فالجمارك والرواتب وفواتير الكهرباء والضرائب كلها ارتفعت، وهو ما يعني أن الانخفاض لن يكون كبيرا، قبل أن يؤكد أن الركود هو السبب الوحيد الفعلي الذي سيؤدي لانخفاض أسعار السيارات في الفترة المقبلة، وليس انخفاض العملة الخضراء.

الأمر نفسه قاله نور الدين دوريش، نائب رئيس شعبة السيارات، بالغرف التجارية، وإن كان بطريقة مختلفة، حين أكد أن الوكيل دائما ما يكون حريصا على البيع، حتى يحقق نسبة المبيعات الملتزم بها مع المصنع، إلا أنه أكد أن أسعار السيارات انخفضت بنسبة 10% مع هبوط سعر الدولار خلال الأسبوع الماضي، ولكن المواطنين لا يشعرون.

ورأى "درويش" أن قوانين العرض والطلب في السوق هي من تفرض نفسها، وأنه من الطبيعي حينما يحجم المواطنون عن الشراء تنخفض الأسعار، وهو ما يضطر التجار للبيع بالخسارة في بعض الأحيان، بينما سيصبح انخفاض أسعار السيارات واضحا، إذا استمر انخفاض سعر الدولار، خلال الفترة القادمة.

التفاح.. "اللى بيغلى مبيرخصش"

بين أكوام الفاكهة، يقف "المعلم مكرم" يتفاوض مع "زبونة" على سعر التفاح اللبناني، يرفض الفصال رفضا قاطعا، لتمضي السيدة وتترك كيلو التفاح الأحمر بعد أن انتقته بعناية.

 المعلم مكرم

يوجه التاجر كلامه لـ"مصراوي" قائلا: "التفاح اللبناني بقينا بنجيبه جملة بـ14 جنيها، وفيه مصاريف تانية، سمسرة وعمالة ومشال، والمكسب فيه بيبقى أقل من جنيهين، زمان كنا بنجيبه بـ7 وبـ 8 فكنا بنبيعه للزبون بـ10، دلوقتي ما بابيعهوش بأقل من 17 أو 20 جنيها".

نائب رئيس شعبة السيارات: الأسعار انخفضت بنسبة 10% الأسبوع الماضي ولكن المواطنين لم يشعروا بذلك

لا يعبأ تاجر الفواكه المخضرم بانخفاض سعر الدولار، ولا يتوقع من الأساس انخفاض الأسعار، مبررا ذلك: "الحاجات دي اشتريناها قديمة، بسعر غالي، فمش هنبيعها بأقل من سعرها"، مؤكدا أن الأسعار لن تنخفض إلا إذا حدث تحسن جذري في الاقتصاد المصري.

هانى تاجر فواكه

واتفق معه في الرأي جاره في الفراشة، "هاني"، الذي يبدو أصغر منه في العمر والمهنة، والذي أكد أنه لا يستطيع بيع التفاح المستورد بأقل من 20 جنيها، واستبعد انخفاض الأسعار قريبا، بسبب جشع التجار الكبار والمستوردين، مختتما كلامه: "مافيش حاجة بتغلى بترخص تاني".

مسئول شعبة الفاكهة بالغرف التجارية، محمد رستم، رد على صغار التجار الذين يلقون اللوم على المستوردين، قائلا: "فيه رد علمي مدروس، وفيه رد عشوائي، وهم غير مستعدين لتقديم الرد المنطقي فيما يتعلق بالأزمة".

وتابع "رستم" أن التفسير العلمي لبقاء الأسعار مرتفعة هو ركود حركة الاستيراد، وقلة الكميات الموجودة لدى المستوردين، مضيفا: انخفاض الأسعار معتمد على نظرية العرض والطلب، وانخفاض سعر العملة الخضراء، والدولار الجمركي، والآن لازالت التكلفة عالية على المستوردين، وهذا لا يُبشر بانخفاض الأسعار.

ثلاجة "16 قدم".. للأغنياء فقط

بين الأجهزة الكهربائية المتراصة، جلس أحمد عبد الفتاح، صاحب معرض للأجهزة الكهربائية بإحدى الشوارع الرئيسية في منطقة إمبابة، يتسامر مع فرد الأمن الوحيد، الذي يشاركه وجوده في المعرض المكون من طابقين، قبل أن نقطع حديثهما لنسألهما عن متوسط سعر الثلاجات 16 قدم، ليقول: "سعرها كان قبل التعويم 6900 جنيه، بعد التعويم ولحد دلوقتي 7200 جنيه".

 أحمد عبدالفتاح

وبنبرة يائسة، اختصر تاجر الأجهزة الكهربائية مشهد الركود قائلا: "الزبون بقة يدخل يتفرج، يسأل ويمشي".

وبنبرة أقل قلقا، قال "صلاح جابر" مدير معرض "الصوالحي" للأجهزة الكهربائية، والذي اختار أن يعمل في أنواع أغلب مكوناتها محلية: "سعر التلاجة 16 قدم كان 3600، بلغ ذروته بعد تعويم الجنيه ليكون 8000، بينما الآن ومع ركود حركة البيع بلغ سعرها 5950 جنيها"، مشددا أن الانخفاض جاء بسبب الركود، وليس هبوط الدولار، متوقعا ارتفاع سعرها مرة أخرى في الفترة المقبلة.

وأرجع رئيس شعبة المستوردين أحمد شيحة، بقاء الأسعار على حالها إلى أن "الأسعار الحالية مقيدة بالسعر القديم بعد تعويم الجنيه"، مؤكدا أنها ستنخفض في حالة نزول سلع جديدة بأسعار مخفضة.

وأكد رئيس شعبة المستوردين أن ما آلت إليه الأسعار من ارتفاع، يعود إلى الممارسات الاحتكارية من قبل كبار التجار والمصنعين، الذين يحددون أسعار السلع، وليس صغار التجار، ناهيك عن السلع الذي يحتكرها مستورد واحد، ويتحكم في أسعارها كما يشاء.

دولة غير منتجة = استغلال مستوردين

وأرجعت رئيسة الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، سعاد الديب، سبب عدم انخفاض الأسعار لـ"الاستغلال المبرر"، وقالت: التجار يشترون البضائع بأسعار رخيصة، واستغلوا التعويم وارتفاع الدولار، في رفع الأسعار دون أن يلوموهم أحدا، وساعدهم على ذلك أننا دولة غير منتجة، تستورد أغلب احتياجاتها، فيكون للمستوردين اليد العليا في وضع الأسعار.

واستبعدت "الديب"، انخفاض الأسعار، قائلة: "كان في تصريح من مسئول بيقول الأسعار مش هتنزل قبل 3 شهور، يكون الدولار غلي تاني".

وحذرت من أن استمرار الأزمة سيجعل المواطن يلجأ لطرق غير قانونية، إذا لم تحمه الدولة من مضاربات التجار.

الحل الاقتصادي

وأكد الخبير الاقتصادي "وائل النحاس" لـ "مصراوي" أن أسعار السلع لا يتم وضعها بشكل لحظي مع هبوط وارتفاع سعر الدولار، لأن التاجر والمستورد دفعا بالفعل ثمن البضاعة الحالية وقت ارتفاع الدولار، لذا فمن الصعب خفضها بشكل فوري.

تاجر فاكهة: البضاعة اشتريتها غالية ومش هبيعها غير غالية.. وبائع أجهزة كهربائية: "الزبون بيسأل ويمشي"

تتدخل في عملية ارتفاع وانخفاض الأسعار عوامل كثيرة من وجهة نظر "النحاس"، الذي قال: أحيانًا يرجع سبب الارتفاع لقرارات التجار الذين ليس لهم منافسين حقيقيين، أو الأسواق العالمية التي تشهد ارتفاع في الأسعار بشكل مستمر، أو الكوارث الطبيعية التي تؤثر على عمليات الشحن فتؤدي إلى رفع أسعارها، بالإضافة إلى الصراعات الدائمة بين رجال الأعمال والقطاع المصرفي، الأمر الذي جعل 90% من المستوردين يحجمون عن عملية الاستيراد.

ويرى الخبير الاقتصادي أن الدولة لها يد بشكل نسبي في تلك الأزمة، عن طريق رفع أسعار الكهرباء والمياه وقيمة الضريبة المضافة.

وشدد "النحاس" على ضرورة تدخل الدولة لحل المشكلة، عن طريق تغيير بوصلة الاستيراد، عبر استغلال الاتفاقيات الدولية، والاستيراد من دول ذات العملات المنخفضة، وقال وقتها سيشعر المستهلك بانخفاض الأسعار.

بدون رقابة

"مصراوي" طرق أبواب الرقابة في وزارة التموين، لمعرفة إذا ما كانت هناك خطة لضبط السوق ومراقبة أسعار السلع بعد هبوط الدولار، إلا أن رئيس مباحث التموين الجديد اللواء ياسر صابر، رفض التعليق على ما يحدث الآن على أرض الواقع، معللا ذلك بعدم رغبته في التعليق على سياسات من سبقوه.

كما رفض الإعلان عن خطة لضبط الأسعار في الوقت الحالي، قبل دراسة الملف، وقال: هذا الملف ضمن أولويات الإدارة الجديدة للوزارة.

بدوره، أرجع مدير عام الرقابة التموينية السابق، والمشرف العام على تجارة نصف الجملة بوزارة التموين محي الدين عبد الفتاح، عدم انخفاض الأسعار التي ارتفعت مع هبوط الجنيه، لجشع تجار الجملة والمستوردين، وليس تجار التجزئة، وقال إن وزارة التموين لا تستطيع ضبط الأسعار أو الرقابة سوى على السلع المسعرة جبريا، وهو ما لا يمكن إتباعه مع كافة السلع بسبب ارتفاع تكلفة استيرادها، كما أن الدولة لن تستطيع دعم جميع السلع، التي تخضع لقانون العرض والطلب في المقام الأول.

 

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج