إعلان

بالصور - ''عم سيد''.. عامل مشرحة تعوّد سماع "أصوات الموتى"

06:45 م الأربعاء 29 مارس 2017

الشرقية – فاطمة الديب:

"مكان موحش لا يضم بين جدرانه إلا جثثًا متفرقة.. بعضها على طاولات التشريح، والباقي محفوظ بثلاجات الموتى".. "المشرحة" لافتة كُتبت بخطٍ باهت تفوح منها رائحة الموتى، وأسفل اللافتة كرسي خشبي يجلس عليه رجل عينيه شاخصتين، دائمًا ما ينظر إلى الفراغ، لا تعلم إذا ما كان يفكر أم أنه يُنصت إلى شيء لا يمكنك رؤيته أو حتى التواصل معه.

"سبحان مُغير الأحوال.. بعد ما كنت موظف أد الدنيا بقيت أشيل جثث وحتت ميتين وأقضي يومي في المشرحة جنب الموتى".. بهذه الكلمات بدأ "عم سيد مجاهد"، عامل بمشرحة إحدى المستشفيات بمدينة بلبيس في الشرقية، حديثه لـ"مصراوي" عن تجاربه داخل المشرحة على مدار 12 عامًا قضاها بجوار من فارقوا الحياة رغمًا عنهم.

"أول قبض ليا أنا فاكره تمام.. كان 115 جنيهًا، وكنت طاير بيهم علشان كان بقالي مدة من غير شغل، ولولا واحد معرفة الله يباركله هو اللي جابني هنا لما عرف إنهم محتاجين حد في المشرحة"؛ يوضح الرجل الخمسيني: "كنت محتاج أي شغلانة أكل منها عيش وقبلت الوظيفة من غير شروط ومخوفتش".

ويضيف: "كنت بقضي اليوم هنا، وبصراحة في الأول كان شعر جسمي بيقف لوحده، وأوقات أسمع حاجات وأتهز، لكن كنت بجمد قلبي وأقول هما لما يلاقوني جامد مش هيخوفوني، وبعد كام يوم اتعودنا على بعض وبقيت كأني في بيتي.. ولا فيه خوف ولا أي حاجة تقلقني".

"بعد يومين ليا هنا دخلت علينا أول جثة للمشرحة.. بصراحة اتفاجئت لما لقيت إن الميت معرفة قديمة، كان مُدرس من عندنا من البلد، وكان مات من حوالي شهر، لكن حد من أهله شك في إنه مات مقتول، وخلى النيابة تستخرج جثته ويشرحوه من جديد علشان يحققوا في كلامه"؛ يتنهد قبل أن يتابع: "وقتها الطبيب الشرعي جه وفتح مكان الخبطة اللي كانت موجودة في الجثة وقفل في ساعتها وصرح بالدفن تاني، ومشي على طول".

وفجأة تصلبت عين عم سيد قبل أن يتابع: "على أد ما قعدت هنا وشوفت أشكال وألوان من الموت والجثث لكن بصراحة عمري ما أقدر أنسى جثة الطفل الرضيع اللي أمه اتنزع من قلبها الرحمة ورمته وسط الزراعات للكلاب تنهش فيه.. وقتها جابوا لنا اللفة اللي كان فيها الطفل وفيها حتة لحمة هي اللي بقيت منه".

وعن أوقات الذروة في المشرحة، يوضح عم سيد: "أوقات الحوادث بيبقى الجو هنا مُلك ولا المولد من الخلق الموجودين، كله بيبقى مستني اللي له، وأوقات بنستقبل 15 جثة وساعات 20 لما بتكون الحادثة كبيرة، لكن بصراحة كلهم بيخلصوا في وقتهم علشان أهاليهم بيبقوا خدوا خبر ومستعجلين على دفن اللي ليهم.. إنما الوضع بيبقى مختلف في الجثث المجهولة".

ويستطرد: "الجثة مجهولة الهوية بتفضل في المشرحة من يوم لأسبوعين تحت تصرف النيابة، وبعدها لو معرفوش يستدلوا على أهل الميت بيتدفن في مقابر الصدقة، وتبقى ليلة سودا لو حاجة تخص المتوفي (صاحب الجثة) ضاعت، سواء هدوم أو متعلقات.. بيبقى فيها سين وجيم وبلاوي ربنا يبعدنا عنها".

"زمان كان الحال غير الحال، كان الطبيب الشرعي بييجي يشرح الجثة ويكتب تقريره عن كل حالة، إنما الوضع اتغير وبقينا مجرد ثلاجة واستراحة للجثث"؛ يواصل: "دلوقتي مفتش الصحة بييجي وقت ما الجثة توصل هنا، يعاين ويصرح بالدفن على طول علشان مفيش حاجة تفضل في المشرحة.. وكله ببلاش، الكفن والغسيل، ولما بيكون العدد كبير كل ميت أهله أولى به، يغسلوه ويكفنوه وكله بيخلص في وقته".

ويستطرد: "بصراحة عندنا كل حاجة زي ما بتدخل زي ما بتخرج.. من وقت ما اشتغلت ولا في حاجة بتضيع ولا بتتباع زي ما بنسمع في الصحافة.. الجثث دي أمانة وهنتحاسب عليها أمام الله.. لو كل واحد يعرف آخرته مش هتشوفي حد يتمعظم أوي فيها.. لا القاتل ولا المقتول عارف إن اللي هيحصل هيحصل.. كل واحد بيجري على أجله واللي مكتوب له وفي الآخر التراب بيداري والجثث بتتساوى جنب بعضها".

وينهي العامل حديثه: "أغرب جثث بتيجي لنا اللي راحت حياتهم في حادثة، وجرائم القتل بتكون أهون في بشاعتها.. تسرح عيون الرجل تجاه الفراغ.. والله بنشوف أهوال في الجثث اللي بتيجي لنا يوماتي.. أشلاء وعظم وحاجات كتير، لكن ربنا أمر بالستر، وربنا يخرجنا منها على خير".

فيديو قد يعجبك: