إعلان

نتنياهو وإيران: ''مصير الصهيونية برمته على المحك''

08:40 ص الأربعاء 04 مارس 2015

روحاني ونتنياهو

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(سويس انفو):

بنيامين نتنياهو على حق: زيارته الأخيرة إلى واشنطن وخطابه أمام مجلسي الكونجرس الأمريكي، كانا بحق ''مصيريين وتاريخيين'' وفق كل المعايير.
هما مصيريّان، لأنهما دشنا معركة سياسية ضخمة بين الليكوديين الإسرائيليين والجمهوريين الأمريكيين (شبّهها جون كيري بـ ''مباراة كرة قدم سياسية كبرى'') حول الإتفاق النووي مع إيران. وهي معركة ينتظر أن تُستخدم فيها كل أنواع الاسلحة الفتاكة الإعلامية والإيديولوجية وحتى الدينية.

خطاب نتنياهو أعلن رسمياً بدء هذه المعركة. لكن مجلس الشيوخ (وأغلب أعضائه جمهوريون) كان سبقه إلى تدشين هذه الحرب، حين صادق على مشروع قانون يتيح للكونغرس ''مُراجعة أي إتفاق'' يتم التوصل إليه مع إيران في غضون خمسة أيام من إبرامه. كما يمنع أوباما من إلغاء أو تجميد العقوبات التي أجازها الكونغرس على طهران لمدة ستين يوماً بعد التوصل إلى اتفاق. وكل هذه إجراءات رفضها الرئيس أوباما وأكد أنه سيستخدم حق النقض (الفتيو) ضدها. ثم أتبع ذلك بنشر مقابلة مع وكالة رويترز، عشية خطاب نتنياهو، شن فيها حملة عنيفة على هذا الأخير واتهمه بـ ''تجاوز البروتوكول بين الدول'' وبـ ''استخدام خطابه لخدمة معركته الإنتخابية داخل إسرائيل''.

أما تاريخية الزيارة والخطاب، فيكمُنان في مكان قصيّ يبتعد كثيراً عن ''الحياة اليومية'' للشرق الأوسط الراهن، ويتعلقان بالبون الذي بات شاسعاً بين إسرائيل والولايات المتحدة (أو على الأقل بين الليكوديين والبيت الأبيض الديمقراطي) حيال هذا الإتفاق المرتقب.

فإسرائيل تخشى من أن تؤدي الصفقة النووية إلى مجرد تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية، مع إسباغ الشرعية الدولية على برنامجها النووي. وهذا سيقود في نهاية المطاف إلى كسر احتكار إسرائيل لسلاح يوم الآخرة (يقال أنها تملك 300 قنبلة نووية ''في القبو'') في الشرق الأوسط، وبالتالي إلى سقوط خط الدفاع العسكري الأخير عن الدولة العبرية. هذا في حين أن الولايات المتحدة لايهمها كثيراً في الواقع حتى لو امتلكت إيران للقنبلة، لأنها قادرة في أي مجابهة على محو إيران عن وجه البسيطة في غضون 20 دقيقة لا أكثر.

أبعد من الملف النووي..

البُعد النووي من الصراع موجود إذن، لكنه ليس في الواقع كل شيء. فما وراء هذا البُعد هو الأهم. كيف ذلك؟.

هنا، يقفز أمام أعيننا مباشرة المشهد التاريخي بجلاء. فتل أبيب تدرك أن إدارة أوباما تريد إبرام الإتفاق بأي ثمن، ليس فقط لأن أول رئيس أمريكي - إفريقي يريد أن يختتم ولايته بإنجاز دبلوماسي كبير في مجال السياسة الخارجية، يُقارع الإنجاز الذي حققه الرئيس نيكسون في بداية السبعينات حين أخرج الصين من الفلك الشيوعي وضمّها بالتدريج إلى المملكة الرأسمالية، بل أولاً وأساساً لأن المؤسسة الأمريكية تريد أن تكون الصفقة مع إيران ''بداية تحوّل استراتيجي كبير'' لتوجّهاتها في الشرق الأوسط وقارة أوراسيا.

محور هذا التغيير يتلخص في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بحيث تتمكن الولايات المتحدة من تخفيف أعبائها ومسؤولياتها فيها من دون المس بمصالحها الأساسية، ثم لنقل مركز الثقل في نشاطاتها إلى منطقة آسيا - الباسيفيك التي باتت عملياً، المركز التجاري والإقتصادي والعسكري الأول في العالم بدل أوروبا، وذلك للمرة الأولى منذ خمسة قرون. وهذا يتطلب، من ضمن ما يتطلب، الإعتراف بالأدوار الإقليمية للعناصر الرئيسة في هذه المنطقة، والتي شكّلت كل أنظمة الشرق الأوسط السابقة في التاريخ: الإيرانيون والأتراك والعرب، وفي الدرجة الثانية اليهود والأكراد والمسيحيون وباقي الأقليات.

لكن هذا بالتحديد هو ما تخشاه إسرائيل، لأنه سيعني ببساطة تقويض النظام الإقليمي السابق الذي أقيم غداة الهزيمة العربية في حرب 1967، والذي رسّخ السيطرة شبه المطلقة لإسرائيل على نظام الشرق الأوسط برعاية أمريكية ومباركة (آنذاك) من تركيا الأتاتوركية التي كانت تُدير الظهر لكل ما هو شرقي، ومن إيران الشاهنشاهية التي قبلت أن تصدر قواعد نفوذها الإقليمي من تل أبيب وواشنطن، ومن مصر الساداتية التي وافقت على الإنكفاء بعد معاهدة كامب ديفيد في خريف 1979 لصالح الهيمنة الإسرائيلية.

كل هذا الصرح، النووي والإستراتيجي، سيكون عرضة إلى الإنهيار، في حال تم التوصل أواخر شهر مارس الجاري إلى اتفاق بين القوى الخمس زائد واحد وبين إيران، ما سيؤدي في الواقع إلى تسديد ضربات قد تكون قاتلة للمشروع الإسرائيلي في حلّته الصهيونية، الذي استند بقضه وقضيضه إلى فكرة تفرّد الدولة العبرية بالتفوق العسكري والإستراتيجي والإقتصادي الإسرائيلي المطلق، في إطار ''إمبراطورية'' حقيقية تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج.

وهذا ما قد يفسِّر جانباً من الهستيريا الحقيقية التي تنتاب العديد من الدوائر الحاكمة في إسرائيل. فما هو على المحك لايقل عن كونه تغيير كل البنية الإستراتيجية التي انبثق من ثناياها جل مشروع الدولة اليهودية العام 1948، لكن بخاصة العام 1967. كما أنه يفسّر أسباب عدم قدرة النخبة الحاكمة الاسرائيلية على ابتلاع فكرة الجلوس إلى طاولة واحدة على قدم المساواة مع القوى الإقليمية الإيرانية والتركية، التي تطالب الآن بحصة واضحة من الكعكة الشرق أوسطية. إذ أن ذلك سيقلص حجم الدولة العبرية إلى مجرد قزم ديموغرافي وسط عمالقة إقليميين.

أسئلة مصيرية ورهانات تاريخية

لكن، ما هي الآفاق المُحتملة لهذه المعركة الكبرى؟ الإعتبارات كثيرة هنا، وتتناسل معها العديد من الأسئلة المحورية:

هل المؤسسة الأمريكية منقسمة بشكل حاد بالفعل حيال مسألة إعادة ترتيب نظام الشرق الأوسط لتسهيل الإنطلاقة الجديدة في رحاب آسيا- الباسيفيك، أم أن هذه مجرد مناورات جمهورية لاستعادة البيت الأبيض من الديمقراطيين؟. بكلمات أوضح: هل سيعمل أي رئيس جمهوري جديد في واشنطن على بث الروح مُجددا في النظام الإقليمي الإسرائيلي – الأمريكي، وإدارة الظهر للقوى الإقليمية الجديدة الصاعدة، على رغم أن ذلك قد يكلّف الولايات المتحدة غالياً ويضعها عملياً في مواجهة عالم إسلامي سبق لزبغنيو بريجينسكي أن حذّر (في كتابه ''رؤية استراتيجية جديدة'') من أنه قد يقوّض الزعامة الأمريكية في العالم؟
وهل النخبة الإسرائيلية، بيمينها ويسارها، مُوحّدة حقاً وراء معركة ''كسر العظم'' التي يخوضها نتنياهو مع إدارة أوباما، أم أن تردد أجهزة المخابرات الإسرائيلية في دعم هذا الأخير مؤشر على وجود اتجاهات واقعية ما بينها؟

ثم، أين يتموقع الحرس الثوري والقوى الإيديولوجية الإيرانية المتطرفة من آفاق الصفقة المحتملة مع الغرب؟ هل سيقبل هؤلاء بالثمن المؤكد الذي يجب عليهم أن يدفعوه مقابلها، وهو التخلي عن الثورة لصالح الدولة، وعن القرآن والإيديولوجيا عموما لصالح السوق الرأسمالي العالمي؟.

هذه الأسئلة، وربما غيرها الكثير، ستطل برأسها خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، وستكون إطلالتها حادة لأن ما هو في الميزان مصيري بالفعل، وتاريخي بالفعل، لأنه سيُعيد تركيب بنية الشرق الأوسط برمتها.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: