إعلان

ننشر نصّ كلمة نبيل العربي أمام القمة العربية بشرم الشيخ

11:43 ص السبت 28 مارس 2015

نبيل العربي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

شرم الشيخ - محمد مكاوي:

قال الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربي، إن العالم العربي يمر بتحديات غير مسبوقة، والقضية الفلسطينية كانت ولازالت تشكل التحدي الأكبر والأخطر للأمة العربية، ويجب على المجتمع الدولي دفع إسرائيل لمائدة المفاوضات من أجل حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس".

وأشار العربي في كلمته أمام القمة لعربية بشرم الشيخ، السبت، إلى أن وحدة العرب تمثلت في مشروع قرار يتمثل في إنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي، معبرا عن الأمل في أن تطلق عملية عاصفة الحزم لإنقاذ اليوم مقاربة جديدة للتعاون العربي.

وإلى نصّ الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، 

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

اسمحوا لي بدءاً أن أتوجه بالتحية والتهنئة والتقدير إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة ترؤسِه أعمال القمة العربية السادسة والعشرون، متمنياً لسيادته وللدبلوماسية المصرية تحت قيادته كل التوفيق والسداد في إدارة العمل العربي المشترك، في ظل ما نشهده من أوضاع شديدة الصعوبة وبالغة التعقيد، وفي ضوء الأخطار المُحدقة بالمنطقة العربية.

وأود أن أعرب عن بالغ الشكر والتقدير إلى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، الذي ترأس أعمال الدورة السابقة للقمة العربية، وقاد خلالها دفة العمل العربي المشترك بكل حكمةٍ وخبرةٍ وحرصٍ شديد على وحدة الموقف العربي.

السيد الرئيس،

يتغير العالم العربي بسرعة وبعمق، وهذا التغيير لابد وأن يطال الجامعة العربية، وهو ما حرصتُ على التأكيد عليه منذ بداية مهمتي في يوليو 2011، فإمّا أن نجعل من الجامعة أداةً للتغيير المسئول، أو نتركها للتيار العارم يجرفها في طريقه. وهنا تكمن ضرورة إعادة النظر في أداء الجامعة وبنيتها ومؤسساتها، إن أردنا لها مواكبة المتغيرات التي يشهدها العالم العربي اليوم.

ولقد استجابت القمة العربية لهذا النداء، وأمام حضراتكم اليوم الثمرة الأولى لهذه العملية، وهي مشروع الميثاق بصيغته المُعدّلة، ومشروع النظام الأساسي الجديد لمجلس السلم والأمن، للتفضل باتخاذ القرار اللازم بالنسبة لهما، مع ما يتطلبه ذلك من مواصلة المشاورات بين الدول الأعضاء، لاستكمال عملية تطوير الجامعة العربية وآليات عملها.

السيد الرئيس،

يواجه العالم العربي، ومنذ نشأة جامعة الدول العربية قبل سبعين عاما،ً تحديات جساماً، شهد خلالها العديد من محاولات التدخل في شئونه الداخلية وتهديد سيادة الدول، وتعرضت عدة دول للعدوان، بل وللاحتلال في بعض الأحيان، وفي مواجهة كل هذا، تضامنت الدول العربية ونسّقت جهودها قدر استطاعتها ووفقاً لما سمحت به الظروف المتاحة.

وفي خضم كل ذلك، كانت القضية الفلسطينية دائماً، ولا تزال، تُشكّل التحدي الأكبر والأخطر، فالمنطقة العربية على اتساعها لن تنعم بالسلم والاستقرار والأمن طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وطالما أن الجهود الدولية المبذولة لمعالجتها ما تزال تراوح مكانها، الأمر الذي يتطلب تبني مقاربة جديدة تهدف إلى تحقيق الحل الشامل والدائم والعادل، المستند إلى مبادرة السلام العربية وإلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقرار حل الدولتين، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

إن فرص تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة تتضاءل، ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني يتعرّض لأفدح المخاطر إذا لم يتحمل العرب والمجتمع الدولي ويتحمل مجلس الأمن المسئولية لوقف مسلسل المفاوضات العبثية، ودفع إسرائيل إلى إقامة حل الدولتين ووفق جدول زمني مُحدّد، وآلية تضمن الالتزام بالتنفيذ، وذلك تحت الإشراف المباشر لمجلس الأمن، باعتباره يتحمل المسئولية الرئيسية في المحافظة على السلم والأمن الدولي.

السيد الرئيس،

إن نظرة سريعة على واقع العالم العربي توضح عمق المأساة وحجم التحديات غير المسبوقة التي نشهدها. وليست مؤمرات الأعداء فحسب هي المسئولة عن ذلك، بل أيضاً تراكم المشكلات والأزمات التي تواجه دول المنطقة منذ عقود طويلة، وباتت تُهدّد كيانات الدول العربية ووحدتها الوطنية في الصميم، وتُنذر بمخاطر الانزلاق في هوة من الفوضى والدمار.

يحدونا الأمل اليوم، بأن تُطلِقَ عملية "عاصفة الحزم" التي بادرت المملكة العربية السعودية وأشقائها في التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن، مقاربةً جديدةً للتعامل العربي الجماعي الفعّال مع التهديدات الخطيرة التي تواجه الأمن القومي وسلامة واستقرار الدولة الوطنية العربية بمختلف مكوناتها.

وأود أن أُعرب عن التأييد التام لهذه المبادرة، باعتبارها إجراء لابد منه من أجل حماية أبناء الشعب اليمني وحكومته الشرعية، والتي جاءت استجابةً لطلب فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية، بعد فشل جميع الجهود التي بُذلت من أجل وضع حد لتمادي جماعة الحوثيين وانقلابهم على الشرعية اليمنية.

السيد الرئيس،

إن تداعي سلطة الدولة، وتفتت المجتمع واقتتال فئاته، يُمثّل خطراً داهماً لا يعادله خطر آخر، وهو ما نشهده اليوم في سورية التي يدخل النزاع فيها عامه الخامس، حيث تداعت ركائز الدولة وانهارت مقوماتها الوطنية، وباتت الأزمة السورية اليوم بتداعياتها الخطيرة، تُشكّل التهديد الأكبر للأمن القومي العربي. وبكل أسف، لم يتمكن المجتمع الدولي من إيجاد حلٍ لهذه الأزمة يكفل إعادة الاستقرار والأمن، ويُلّبي طموحات الشعب السوري في الحرية والتغيير السلمي والديمقراطية.

وليبيا أيضاً تمر في خضم حالة من الفوضى والاضطراب، ولا تزال المحاولات المبذولة والرامية إلى وضع الأزمة الليبية على مسار الحل السياسي تصطدم بالعديد من العقبات والصعوبات، ونرجو أن يتم التوصل إلى حل قريب يعيد بناء المؤسسات ويحفظ لليبيا وحدتها وسيادتها وسلامتها الإقليمية.

أمّا الصومال، فبعد عقود من الفوضى، بدأت خطوات إعادة بناء الدولة، وأرجو أن يستمر هذا الجهد، وهو ما نأمل أن تؤتى ثماره وبدعم عربي لا بد منه لمساعدة الأشقاء الصوماليين على النهوض بأعباء هذه المرحلة الانتقالية.

السيد الرئيس،

إن صيانة الأمن القومي العربي، الذي يشمل أمن المواطن وأمن المجتمع والدولة، يتطلب إستراتيجية متكاملة، لمواجهة التهديد الأمني الآني، والمتمثل في جيل جديد من التنظيمات الإرهابية المسلحة، التي تستفيد من تداعي سلطة الدولة والاحتقان الاجتماعي والسياسي، وتُجنّد أتباعها من بين الشباب ضحايا التطرف الفكري والغلّو الديني.

وأمام القمة اليوم، مشروع قرار هام يتعلق بإنشاء قوة عربية مشتركة، ويُمثّل هذا القرار تطوراً تاريخياً يرتقي بمستوى العمل العربي المشترك، ويُعبّر عن الإرادة الجماعية في صيانة الأمن القومي العربي. ونأمل أن يتم الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ، ولتكون هذه القوة على أهبة الاستعداد للاضطلاع بالمهام المُلقاة على عاتقها في مواجهة التحديات التي تواجه أمن وسلامة الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية والأمن القومي العربي برُمته.

إن التدابير الفورية المطلوب اتخاذها في إطار المواجهة الشاملة مع الإرهاب والتطرف لا تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية فقط، على أهميتها، بل تستدعي أيضاً اتخاذ إجراءات لا تقل أهمية، وتشمل النواحي الثقافية والفكرية والايديولوجية والإعلامية والمجتمعية الحاضنة والمُنتجة للتطرف والإرهاب بكافة أشكاله وصوره.

إن هذه الجهود يجب أن يرافقها مواجهة حقيقية مع أنفسنا، ووقفة صادقة مع المرجعيات الفكرية، فلا يمكن اجتثاث آفة الإرهاب ما لم نجتثه من العقول والقلوب والكُتب والمعاهد والمساجد.

كما أنه لا يمكن اجتثاث الإرهاب ما لم نضع برامج فعّالة لخفض الفقر ورفع مستويات المعيشة والرفاه العام للمواطنين، وخلق فرص وبدائل إيجابية أمام الأجيال الشابة ليكون لها أمل في غدٍ أفضل.

السيد الرئيس،

إننا نتحمل جميعاً مسئولية كبرى أمام الأجيال القادمة، فالقرارات التي تُتخذ اليوم سيكون لها آثار هامة على مُجمل قضايانا المصيرية ومستقبل الشعوب العربية.

لقد نشأنا جميعاً على حلم الوحدة العربية، وحدة التاريخ ووحدة المصير المشترك. واليوم يشعر شبابُنا بأن عالمنا العربي لم يُحقق كل هذه الأماني، ويُلقي باللوم حيناً على قادته، وحيناً على تآمر الأعداء.

واليوم، يضعنا التاريخ أمام الاختبار الحقيقي الذي وُضع فيه الجيل الذي سبقنا. ومن جديد، علينا الوقوف معاً ومواجهة هذا التحدي المصيري، فنحن أمة واحدة، تلك حقيقة ثابتة، إن أردنا لدولنا ومجتمعاتنا النجاة من الأخطار التي تهدد بقاءها، وتمكينها من ارتياد آفاق المستقبل ومواكبة روح العصر بثقة واقتدار.

وفقّكم الله في تحمل هذه المسئولية الكبرى،

وشكراً السيد الرئيس،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

فيديو قد يعجبك: