إعلان

رؤية نقدية: الفيلم الأمريكي ''أيها البيض الأعزاء''

10:57 م الإثنين 24 نوفمبر 2014

فيلم أيها البيض الأعزاء

(بي بي سي)

يعد فيلم (أيها البيض الأعزاء) ''Dear White People'' كوميديا جديدة تدور حول قضيتي العرق والهوية في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما، وهو يجسد ''موكبا لا يتوقف من النكات الشائكة، والمشاهدات الاجتماعية اللاذعة لعدد من الطلاب،'' بحسب الناقد الفني أوين غلايبرمان.

يجسد فيلم ''أيها البيض الأعزاء'' لمخرجه جستن سيمين كوميديا نابضة وحادة الذكاء حول مسألة العرق والهوية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويحكي الفيلم قصة مجموعة من طلاب الجامعة من السود والبيض، يعيشون معا ما كان يبدو لهم في البداية حلم الاندماج والمساواة.

تقع أحداث الفيلم في جامعة ونشستر، حيث يوجد ''اتحاد آيفي'' الخيالي للطلبة في الحرم الجامعي، والذي يضم طلبة من الطبقة الاجتماعية فوق المتوسطة، والذين يقضون معا أوقاتهم في عالم مترف من المال والجاه. في تلك الجامعة، يمرح الشباب البيض والسود معا، ويمزحون، ويستفزون بعضهم البعض دون إحداث ضجة تُذكر.

تشبع الطلبة البيض بعقود من ثقافة البوب الخاصة بالسود – الهب هوب- وبفيلم أدي ميرفي ''القدوم إلى أمريكا''. ويتواصل هؤلاء بالطلبة السود عبر أساليب لفظية بدائية تبدو مرضية لهم بشكل ما، لكنها تحمل معان كثيرة يفهمونها أفضل من أقرانهم قبل جيل مضى.

ومع ذلك، فإن ثمرة كل هذا التواصل المستنير بين السود والبيض ليست التجانس والانسجام، لكنه مجتمع مثل قطار عنصري تعلو فيه الصراعات والمنافسات والاختلافات الثقافية لتكوِّن شكلاً من أشكال سياسات القوة والسلطة.

يتصرف كل شخص في الفيلم لكي يتفوق على غيره، ليكون أسودا أكثر إخلاصا لقضيته، أو أبيضاً أكثر عنصرية، وينسجمون معا بكثير من الفخر، أو ينعزلون عن بعضهم بفخر أيضا. يلبس جميعهم أقنعة معقدة من ''الأصالة''.

مرحباً بكم إلى الخدع التي تسبب الحيرة في عهد أوباما – وإلى أكثر الكوميديا صراحة وأناقة بشأن التوتر العنصري، منذ الظهور المفاجيء للمخرج ''سبايك لي'' على الساحة قبل ثلاثين سنة.

إنه الفيلم الأول لسيمين، ومع ذلك تبهرك كتابته بما فيها من عجرفة عارضة. الحوار في ذلك الفيلم يمثل موكبا لا يتوقف من النكات الشائكة والمشاهدات الاجتماعية اللاذعة لعدد من الطلاب، وحوارات يدبّ فيها النشاط بمرحٍ وألم.

يأخذ سيمين ما يشبه ملاحظات كوميدي رائع وينثرها في صورة مجموعة من طلاب الجامعة الطائشين، والذين يندر مشاهدتهم كناطقين متناغمين، لكن عندما يبدون كذلك، فإنك سترى فكاهة لا يمكنك رفضها.

''شخصية لاذعة''
كل شخصية في ذلك الفيلم تمثل تناقضا متحركا، وهذا ما يجعلهم جذابين. يحثك الفيلم بشكل متواصل على أن تحاول تصنيفهم، وكلما حاولت أكثر، كلما أدركت أن شخصيات الفيلم تشق طريقها المتعرج بعيداً عن السلوكيات المقولبة المتكررة.

خذ مثلاً شخصية سام وايت (تقوم بدورها النجمة تيسا تومبسون)، والتي تجسد شابة جميلة ومتهكمة، ورائدة في وسائل الإعلام وفي الفنون. وتقدم برنامجاً على الراديو تخاطب فيه بلطف مستمعيها حول التعصب والانحياز الذي لم يعلموا بوجوده في بلادهم.

''أيها البيض الأعزاء'' هي إحدى العبارات الافتتاحية اللاذعة لبرنامجها الإذاعي، وتعقبها بالقول: ''إن الحد الأدنى لعدد الأصدقاء السود الضروري لكي لا تُعدّ عنصرياً قد رُفع للتو ليكون إثنين. آسفة، فتاجر المخدرات الذي تتعامل معه لا يُحسب منهما.''

هذه شخصية لاذعة – لكن هل هي تسخر من المتصنعين البيض الذين ''يجمعون'' أصدقاءً من السود، أم أنها تسخر من ضغط أقرانها الذين يشجعونها للقيام بذلك؟ ربما الاثنان معا. لقد نصبت سام نفسها بصفتها متشددة، وأصبحت مهمتها هي أن تجعل كل من يستمع إليها يعتقد بفكرة أن أمريكا في عهد أوباما لا تعني ''انتهاء العنصرية''، بل بالأحرى هي مكان مليئ بأشكال جديدة مقنّعة من الكراهية والاضطهاد.

كما يبين الفيلم تعاطفاً مع نظرة سام، لكنه لا يدعها تهرب من أسلوبها الموعظي؛ فالفيلم يدرك أنها ناشطة وقد تكون أقل نزاهة في تطرفها مما تعتقد. فمن خلال حرصها على إيجاد مخرج لأسلوبها المولع بالجدل، ترشح سام نفسها لرئاسة السكن الجامعي للسود فقط، في مبنى أرمسترونغ-باركر. إنها بذلك تنافس حبيبها السابق، الوسيم، توري فيربانكس (ويمثله النجم براندن ب. بيلّ) الذي يرحب بالجميع بحرارة.

تفوز سام بصخب، وهي تكافح من أجل حق الحفاظ على السكن للسود فقط، ولكن طريقتها التي تعنف الأخرين تبدأ في إغضاب الطلاب في الحرم الجامعي. وتواجه سام في قاعة تناول الطعام صديقها كورت (يمثله كايل غالنر)، المحرر في المجلة الفكاهية للجامعة ''باستيش''. يقوم كورت باستعراض امتيازه لكونه شاباً أبيضا، فيصور نفسه وكأنه ضحية للعنصرية المعاكسة، وتنشأ بينهما مشادة لفظية متواصلة.

ومع ذلك، فإن جزءا من التعقيد الوجداني لفيلم ''أيها البيض الأعزاء'' يكمن في مقدار التعاطف الذي يبينه ليس فقط مع سام الوفية ولكن مع أولئك الذين لا أمل في انسجامهم أيضا، مثل توري، وكوكو كونرز.

وتجسد كونرز شخصية متملقة من خلفية اجتماعية فقيرة، ولا تعرف معنى الاعتذار، كما تريد، بثيابها الأنيقة وألفاظها الراقية، أن تبدو تماماً مثل الشباب البيض الأثرياء، وعندما يتهمونها بذلك، تسأل سؤالا أساسياً: ألا يحق لي ذلك؟

وتجسد الفنانة تيونا باريس شخصية كونرز ببراعة شديدة لتخطف الأضواء، وهي شخصية تحب التقليد، وذات نوايا خالصة إلى درجة أنها تحول طموحاً اجتماعياً مغروراً إلى أمر جدير بالإعجاب.

لا غرابة في أن منتج برنامج تلفزيون الواقع (مالكولم بارّات) يسعى من خلال ذلك الفيلم إلى أن يخلق حلقات تحريضية حول الحياة في السكن الجامعي الذي يضم أعراقا مختلطة، مثلما في جامعة ونشستر. إنه يدرك تماما أن تعبير الطلاب المباشر عن أنفسهم هو بحد ذاته نوع ما من أنواع المسرح.

وفي ذلك الفيلم، يعامل الجميع بهدوء الشخصية الوحيدة التي تحاول ببساطة أن تمثل نفسها وكأنها كائن مريخي، وهي شخصية ذلك المستغرق بالتفكير، ومثليّ الجنس، (تايلر جيمس وليامز).

يضع فيلم ''أيها البيض الأعزاء'' إطارا لحادثة مستفزة، وهي حفلة لعصابات من السود ينظمها محررو مجلة ''باستيش'' بالجامعة، الذين يدعون الطلبة للحضور وتحرير ''الزنجي الذي بداخلهم''‘.

يقوم السود الذين سردنا شخصياتهم هنا بتخريب الحفلة وتحويلها إلى أعمال شغب. من الواضح أن هذا يمثل تقديرا مبالغا فيه لذروة الأحداث في فيلم ''افعل الأمر الصحيح'' للمخرج سبايك لي. ويريد سيمين، تماما مثل سبايك لي، أن يحرر الشخصيات من التعصب، وأن يسلط الضوء على ما في دواخل الإنسان.

لكن سبايك لي، في أفلامه الأولى القاسية، كان غالباً المخرج الذي يشار إليه بالبِنان على أنه المحتج والمعترض؛ وكنا نعرف دوماً موقفه من الأمور.

ويكمن جمال ذلك الفيلم ''أيها البيض الأعزاء'' في أن سيمين قد رفع فيه مستوى اللعبة. إذ تلاحظ أن مواقف وسلوكيات شخصياته معقدة بشكل ماكر، حتى أنك لا تستطيع أن تنال منها. ويظل أبطال الفيلم في صراع مع بعضهم سعيا للهيمنة.

ويسخر الفيلم أيضا وبشكل جميل من نمط الحياة المتقدمة، والسطحية، والخانقة أيضا، والتي تعتمد على أجهزة الكمبيوتر بشكل كبير، وهو النمط الذي طغى على الحياة الجامعية في الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين الذي يشهد صراعا عرقيا شرسا.

ويصور الفيلم الأحداث التي تقع في جامعة ونشستر باعتبارها عالم مصغر لعهد الرئيس أوباما، والذي غالباً ما تمر فيه المواقف المتعجرفة على أنها مواقف مستنيرة. وتوضح هذه الشخصيات في الفيلم أن باستطاعتك ان تُشغل نفسك بمحاولة إنجاز الأمر الصحيح، لكن لدرجة لا تستطيع عندها إنجازه بالفعل.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: