إعلان

قصة 5 باكستانيات قتلهن "الرقص"

04:59 م الأحد 18 ديسمبر 2016

قصة 5 باكستانيات قتلهن "الرقص"

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:
في مِقطع فيديو لم تتجاوز مُدته بِضع ثواني، ظهرت خمس فتيات تتعالى ضحكاتهُن بينما يُصفّقن على أنغام الموسيقى التي تدور في الخلفية، مُرتديات فساتين منقوشة بالزهور وأغطية رأس برتقاليّة، تُشير إلى وجودهُن في حفلة أو رُبما حفل زِفاف، ثم ظهر في المشهد بعد ثواني شاب يرقص بمُفرده، يبدو أنه في ذات الغُرفة التي يتواجد فيها الشابات.

تم تسجيل هذا الفيديو عبر الهاتف المحمول، قبل ستة أعوام، في إحدى قُرى كوهيستان، (مِنطقة وِعرة شمال غرب باكستان). وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي يُشاهد فيها الفتيات اللائي يحملن أسماء: "بازيغة، سارين جان، بيجم جان، أمينة، وشاهين" أحياء، بعد تعرّضهن للقتل في ظروف غامِصة، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكيّة.

ما حدث لهؤلاء الفتيات لا يزال سرًا غامضًا، في الوقت الذي تُشير خلاله الصحيفة إلى ارتباط ما آل إليه مصيرهُن بما يُطلق عليه جرائم الشرف، وتقول الصحيفة : "كُفّنت مصائر هؤلاء الفتيات على يدّ المُحرّمات الثقافيّة، الجمود الرسمي من قِبل الحكومة، والدعوات المُتطرّفة من جانب الشيوخ والزعماء الدينين المُشتبه في وقوفهم وراء ما حدث لهُن، وتبنّي الأُسر لتلك الدعوات الرامية إلى قتل الفتيات استنادًا إلى ذرائع واهية."

بعد مرور 6 أعوام على الحادِث، تقول الصحيفة، في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني، إن الحقيقة بدأت تتكشّف أخيرًا، بفضل جهود قام بها عدد من الأفراد، من بينهم الشاب أفضال كوهيستاني، الذي قُتِل اخوته بسبب الحادِث، بعد قضائه سنوات يسعى لطلب المُساعدة من المسؤولين المحليين، وتقديم التماسات إلى المحكمة العُليا، انتهت بإغلاق القضيّة ورفض الالتماسات في 2012،  ليشهد الشهر الماضي تغيّرًا مُفاجئًا في مجرى الأحداث بعد قيام المحكمة العُليا بإعادة فتح القضية مُجدّدًا وطلب فتح تحقيق جديد، خرج بنتائج صادِمة تقشعر لها الأبدان- على حدّ قول الصحيفة.

"هذا الحادِث دمّر عائلتي. فقد قُتِلت الفتيات وكذلك إخوتي، ومع هذا لم يحدث شيئًا يُحقّق العدالة أو يوفّر لنا الحماية"، قالها كوهيستاني، 26 عامًا، الذي تلقّى العديد من تهديدات بالقتل. "أعرف أنني سأُقتل عاجلًا أم آجلًا أيضًا، لكن لا يهِم، المُهم هو إدراك أن ما حدث خاطئ وينبغي تصويبه".

وكان قد تم تمرير قانون جديد في البرلمان، أكتوبر الماضي، يُعزّز صلاحيات القضاء في قضايا جرائم الشرف، لأن وصول تلك القضايا إلى المحاكم لا يضمن الحصول على عقاب رادِع؛ لأن القانون يسمح لأُسر الضحايا بـ"العفو" عن الجُناة، الذين غالبًا ما يكونون أقاربًا للمجني عليهِن.

بموجب القانون الجديد، يُمنح القُضاة صلاحية إصدار عقوبة الإعدام في جرائم الشرف في حالات قُصوى، باعتبارها "جرائم موجّهة ضد الدولة"، فيما يخشى مؤيّدوا القانون من استمرار المقاومة السياسية والثقافية في أساليب الضغط التي تُمارسها بما يُحيل دون تحقيق العدالة.
 
يقول المُحامي المُختض في قضايا حقوق المرأة، بن عازر جاتوي: "لا نعلم ما إذا كان القانون الجديد سيُحدِث اختلافًا. العقوبة لا تزال غير إلزاميّة، والصفح عن الجُناه ما يزال سيد الموقف". وأضاف: "إلى أن تقوى الإرادة السياسيّة لردع الجُناة في هذا النوع من الجرائم، فإنني لا أظن أن تتغيّر مصائر النساء اللائي يقعن تحت تهديد عُنف جرائم الشرف."

لم تكُن قضية "فتيات كوهيستان" ستعرف طريقها يومًا إلى أنظار العالم، لولا قيام أحدهم بنشر مِقطع الفيديو على الإنترنت، الذي انتشر كالنار في الهشيم بمجرد بثّه، مُسترعيًا انتباه سكان العالم الافتراضي الذين نظروا نظرات خِزي وعار إلى ذلك المُجتمع  الذي يعتبر الاختلاط بين الجنسين فيه من المُحرّمات، وهو الأمر الذي كان مفيلًا لأن يجعل تواجد الفتيات في حفل غنائي مُختلط أمرًا محفوفًا بالمخاطر.

وكان رئيس المجلس التقليدي "جيرغا"، قد أصدر مرسومًا دينيًا يقضي بقتل الخمس فتيات، على خلفيّة إهانة تقاليد قبيلتهم المُحافِظة وموروثها الثقافيّة، بتواجدهّن مع شاب في حفل راقِص، ولم يكُن هُناك مُعارضة من جانب المُجتمع على ذاك المرسوم. وبعد مقتل الفتيات أُلقي القبض على العديد من أشقاء الشاب وقتلهم، فيما لاذت بقية أفراد عائلته، بما فيهم كوهيستاني، إلى الخارج.    

تُسجّل باكستان المئات من جرائم الشرف كل عام، وإن كانت تُعد هذه القضيّة الأكثر تطرّفًا، بحسب الصحيفة، ووَفقًا للقضايا المُسجلّة في المحاكم ومُقابلات مع الأشخاص المنوطين بالنظر فيها، فهُناك أُسر في باكستان تقوم بتعذيب بناتها لأسابيع، بإلقاء الماء المغلي والجمر عليهُن، ثم قتلهن ودفنهن في أماكن في تلال كوهيستان.     

تُبرز تلك القصة العديد من الأسباب التي تؤدي إلى فشل المسؤولين في باكستان في الحدّ من جرائم الشرف، بما في ذلك هيمنة المجالس القبليّة التقليدّية، المعروفة باسم jirgas، وقبض سيطرتهم على القرويين غير المُتعلّمين، وبلوغ نفوذهم إلى الحدّ الذي يُمكّنهم من تحدّي سُلطة الدولة، والتحكّم في حقوق ومصائر الفتيات وحتى هويّاتهن.

فيديو قد يعجبك: