إعلان

سوء الأحوال العلمية والمادية تجعل مصر ''دولة طاردة للأطباء''

01:01 م الأحد 23 فبراير 2014

سوء الأحوال العلمية والمادية تجعل مصر ''دولة طاردة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير- ياسمين محمد وجهاد الشبيني:

هل تعرف جراح القلب مجدي يعقوب؟ أو سمعت عن الطبيب والعالم والكاتب عبد الهادي مصباح؟ هل قرأت أبحاث العالم أيمن عمر الذي اكتشف كيفية عمل الخلايا الأولية في المخ وتوجيهها لبناء الدوائر التالفة به قبل أن يتجاوز الأربعين؟ هل تعلم العامل المشترك بين كل هؤلاء بخلاف أنهم علماء؟

''الهجرة''.. إنها مرادف ''النجاح'' لدى العديد من أطباء مصر الذين كانت ''نعم سأسافر إذا أتيحت الفرصة'' إجابتهم الفورية على تساؤل ''هل ستوافق على السفر إلى الخارج سواء للدارسة أو للعمل؟''، فالأطباء المصريون وغيرهم كثيرون - كلٌ في تخصصه - قد حققوا إنجازات لمصر ولكن جميعها كانت خارجها.

''سوء الأحوال المادية والأمنية والعملية والمعنوية تجعل مصر بيئة طاردة للأطباء'' حسبما قال عمرو شورى، عضو مجلس نقابة الأطباء، الذي رأى أن الدولة تتبع سياسات تهجيرية للأطباء وتتعامل معهم باعتبارهم ''سلعة ليس أكثر'' - على حد تعبيره.

ويوضح شورى ''لقد أجرت وزارة الصحة اتفاقية مع نظيرتها السعودية عامي 2009 و2010، حيث كانت السعودية في حاجة إلى أطباء في ذلك الحين، ووفقًا للاتفاقية فقد تكفلت السعودية بتدريب عدد من الأطباء المصريين على نفقتها فيما أعطت وزارة الصحة المصرية حصة 5 آلاف جنيهًا على كل طبيب، وحالما انتهى التدريب سافر الأطباء إلى السعودية وعملوا هناك''.

فمن جانبه، كان علاء غنام، مسؤول الملف الصحي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، قد كشف في تصريحات صحفية أن عدد الأطباء المصريين المشتغلين بالسعودية فقط يبلغ حوالي 70 ألفًا، في ظل مطالبات من منصور الحواسي، نائب وزير الصحة السعودي، بزيادة عدد الأطباء المصريين الزائرين إلى السعودية في التخصصات النادرة والزمالة المصرية ومجال طب الأسرة وتعزيز التعاون بشكل أكبر.

رواتب هزيلة

''المرتبات الهزيلة للأطباء'' سبب آخر، رأت منى مينا، الأمين العام لمجلس نقابة الأطباء، أنه يجعل مصر بلدًا طاردًا للأطباء أيضًا، وقالت إن ''نصف أطباء مصر يعملون بالخارج؛ فالذين يعملون داخلها يضطرون للاشتغال في أكثر من مكان لسد احتياجاتهم المادية؛ من بينهم من تخطوا سن المعاش''.

وأضافت أمين عام نقابة أطباء مص لمصراوي، أن مرتب الطبيب حديث التخرج يبدأ من 400 جنيهًا؛ من بينهم 200 جنيًها راتبًا أساسيًا والباقي في شكل حوافز، ويصل الراتب الأساسي إلى 900 جنيهًا بعد مدة عمل 36 عامًا عند بلوغه سن المعاش'' - بحسب قولها.

ولاقى مشروع قانون ''المهن الطبية'' المُقدم من وزارتي الصحة والمالية والذي تم اقراره مؤخراً من قبل الرئيس المؤقت عدلي منصور، انتقادات واسعة من قِبل الأطباء، معتبرين أنه ''مشروع حوافز يرفع راتب الطبيب حديث التخرج إلى 1300 جنيهًا ، ولا يحقق لهم حدًا أدنى للأجور يتناسب مع طبيعة عملهم التي يتعرضون خلالها للعدوى وانتقال الأمراض''.

أزمة الدراسات العليا

الدراسات العليا للأطباء والوقت المتاح لهم للقيام به والنفقات المطلوبة لتنفيذها كانت مشكلة أخرى تحدث عنها بعض الأطباء الذين حاورهم ''مصراوي''، فيقول أحمد حسن، خريج طب أسنان القاهرة عام 2009، إن ''المشكلة الرئيسية فيما يخص الدراسات العليا هي الوقت، خصوصا مع الأطباء الذين لديهم تجنيد، فهناك رفض بأن تقل فترة تجنيدهم لعام واحد فقط''.

أمر آخر يتعلق بمشاكل الأطباء والدراسات العليا أوضحه محمد خلاف، خريج كلية طب المنصورة عام 2007 والذي يعمل حاليًا في السعودية، هو التقدير الذي يحصل عليه الطبيب في العام الأخير من دراسته وقبول من لهم تقدير أعلى فأقل، ما يصّعب الأمر على المتقدمين.

وقد لقي هذا الأمر- على وجه الخصوص - اعتراضات واسعة من قِبل دفعة 2013- 2014 للدراسات العليا في شهر يونيو الماضي ، حيث تم رفض أوراق بعض الأطباء في حركة الترشيح الوزاري للدراسات العليا لهذا العام لمن حصلوا على تقدير مقبول.

وبعد صدور قانون المهن الطبية الذي رفضه الاطباء، أوضحت النقابة أن المادة (7) من هذا القانون ، تجعل الحكومة تتنصل بشكل قانوني من تحمل تكاليف الدراسات العليا، حيث تتحمل تلك المصاريف بحدود موارد وزارة الصحة الذاتية، والتي تعنى صناديق تحسين الخدمة، وهو ما اعتبرته النقابة، تحريض مباشر لأعضاء المهن الطبية والعاملين بالقطاع الصحي على العمل إلى تخمة الصناديق، والتي تأتي حصيلتها من إنفاق المريض المصري على الخدمة الصحية، وذلك حتى يتأتى لهم استكمال دراساتهم العليا التي تعنى خلق كوادر طبية مؤهلة لتقديم الخدمة طبقاً للمعايير الدولية، وتطبيق هذه المادة يعنى حرمان أطباء التكليف ونواب الرعاية الأساسية في المناطق غير النائية.

وقد اقترحت النقابة ، تعديل تلك المادة بأن تلتزم وزارة الصحة بنفقات الدراسات العليا مقابل الاستمرار في العمل بالوزارة لمدة مماثلة لسنوات الدراسة، أو سداد كامل التكليف. ولكن القانون صدر بدون أي تعديل.

مطالب وحلول

''مؤمن السيد'' خريج طب القاهرة 2010 رأى أن أكبر المشكلات التي يواجهها خلال عمله كجراح أورام هي ''صفوف الانتظار الطويلة أمام معهد الأورام، الذي يمكن أن يمتد لشهور حتى يستطيع المريض أن يحدد ميعاد لجلسة علاجية، فضلًا عن الأعطال المتكررة للأجهزة في المستشفيات''، وطالب بتعليم طبي ''محترم'' وأن ''يتم تعميم الزمالة المصرية على نطاق واسع''.

التجهيزات الطبية أيضًا كانت من بين المشاكل التي أوضح ''أحمد حسن'' أنه يواجها في عمله، لافتًا إلى وجود ''قصور شديد في التجهيز، يبدأ من عدم وجود القطن والسرنجات وصولًا إلى الأجهزة الكبيرة المُكلفة وغير المتوافرة''، وطالب بـ''رفع ميزانية الصحة بالكامل، وتعديل نظام التعليم الطبي في الجامعات وتغييره بالكامل، وإقرار نظام تأمين صحي شامل، وإعادة هيكلة الأجور للعاملين بالهيئة، ودعم الطبيب في الدراسات العليا، وتوفير منح ودراسات بالخارج''.

حصر غير دقيق

لم تكن الإحصائيات الخاصة بعدد الأطباء المشتغلين في مصر واضحة ومحددة كمشكلاتهم السالف ذكرها، فعندما حاولنا مقارنة أعداد الأطباء المقيدين في النقابة والمشتغلين فعليًا داخل المستشفيات وجدنا تباينًا شديدًا بين الأرقام التي أعلنت عنها نقابة الأطباء وبين التي أعلنتها وزارة الصحة والثالثة التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

فبينما يقول مركز الحاسب الآلي بنقابة الأطباء أن عدد الأطباء المقيدين بالنقابة يبلغ 220 ألف طبيبًا، يزيدون كل عام بمعدل 10 آلاف طبيب مع كل سنة دراسية ، كشف آخر تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الأطباء (بشريين وأسنان) العاملين بالقطاع الحكومي يبلغ 51 ألف طبيب ، وهو ما تقارب مع ما أعلنت عنه وزارة الصحة من أن العاملين التابعين لها يبلغ 56 ألفًا .

الأمر الذي علق عليه عمرو الشورى، عضو مجلس النقابة ، قائلًا ''الرقم الذي أصدرته النقابة خاطئ ، لأن عدد الأطباء المسجلين بها لم يتغير منذ نشأتها في الأربعينيات، ويوجد في تلك السجلات من هو متوفى ومن هو لا يعمل بمصر، وبالتالي فهو لا يعبر بأي حال من الأحوال عن عدد الأطباء المشتغلين هنا''.

ورأى أن الرقم الصحيح سيكون تقريبيًا بين ما أصدره الجهاز وما أعلنت عنه وزارة الصحة، إلا أن الأطباء العاملين في القطاع الخاص لا يمكن الاستدلال عليهم بأي شكل.

فيما أوضح الدكتور خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء، أن حوالي 60% من الأطباء المصريين تركوا مصر خلال الـ20 سنة الأخيرة، وذلك حسب دراسة تقريبية قام بها الاطباء، مضيفا أنه تم عمل استطلاع رأي للشباب الأطباء والذين أجمعوا على خيار الهجرة.

وأشار أمين صندوق النقابة إلى أن المتفوقين من الأطباء ينون السفر إلى الدول الاوربية، والحاصلين على تقديرات متواضعة يتجهون إلى دول الخليج، محذرا من استمرار، تدهور أحوال الأطباء في مصر بقوله ''إذا استمر الوضع بهذا الشكل ، هايجي يوم مش هيبقى فيه أطباء في مصر ''

وأضاف سمير أن سوء الاحوال المادية والعلمية لا يجعل الاطباء يفكرون في الهجرة وفقط ، ولكنه يضطرهم أيضاً لترك التخصصات النادرة، مثل الطوارئ والعناية المركزة والمخ والاعصاب، لما تتطلبه تلك التخصصات من مسؤولية ومجهود وحاجة ملحة للتعليم الطبي المستمر، وهو ما ينذر بكوارث صحية قادمة على حد وصفه.

يبقى في النهاية القول أنه في الوقت الذي تم تحديد المعدل المتعارف عليه عالميًا بتخصيص طبيب لكل 400 مواطنًا، فإننا إذا قمنا بقياس نسبة عدد الاطباء وفق تقدير وزارة الصحة ''56.000'' إلى نسبة التعداد السكاني في مصر 90 مليون مواطن .. سنجد أنه في مصر يوجد طبيب واحد لكل ما يقارب من 1500 مواطنا.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: