إعلان

بالصور .. إلى روح شيخي أهدي هذه الكلمات

04:22 م الأربعاء 02 سبتمبر 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم – هاني ضوَّه :

نائب مستشار مفتي الجمهورية

عامان مرا على فراق شيخي ومربي روحي ووالدي بعد والدي سيدي الشيخ "محمد أكرم" عقيل مظهر .. عامان من الاشتياق الذي يتجدد يومًا بعد يوم ويزداد، ودموع القلب لا تزال تنهمر قبل دموع العين ..  ليس اشتياقًا لجسده الشريف وروحه النقيه فحسب، ولكن لكلماته ونصائحه وتوجيهاته التي ما اتبعتها في أمر من أمور ديني ودنياي إلا وتغير حالي إلى أحسن حال.

لم يكن شيخي رحمه الله "كهنوتيًا" في تعاملاته .. بل كان لشدة تواضعه وقربه من مريديه كأنه صديق حميم .. يشجعك على التباسط معه والمزاح رغم هيبته في قلوبنا وإجلالنا له .. وكان مجلسه المبارك يحضره جمع كبير من مختلف الطبقات الاجتماعية والمراتب العلمية لدرجة تدعوك للتحير، والكل يجلس متجاورًا لا أحد يعلو على الآخر .. فالكل في حضرة الشيخ فقير.

كان الشيخ رحمه الله يعلمنا معاني الرحمة في تعاملاتنا مع كل ذرة من ذرات الكون .. مع البشر .. مع الحيوانات .. مع النباتات بل حتى مع الجمادات ..

أرسى الشيخ فينا معاني الرفق بكل شئ حتى أنه في مرة طلب من أحد الإخوة الرفق بسيارته وعدم إهمالها .. بل حتى في وضع الطبق الذي هو جماد على الأرض كان يعلمنا أن نضعه في رفق تأدبًا مع شئ من خلق الله عز وجل رغم أنه جماد، مشيرًا إلى أن هذا الجماد له هو الآخر احترامه ومشاعره، مستلهمًا ذلك من قول الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبل أحد: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، ومن قوله تعالى: {عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا}.

علمنا الشيخ أن التواصل مع المخلوقات كلها بما فيها الجمادات التي نعلم أنها تسبح لله سبحانه وتعالى بهذا الفهم لا يبرز إلا من قلب امتلأ بالمحبة والرحمة.

تلقى سيدي الشيخ "محمد أكرم" عقيل مظهر –بعد أن درس الاقتصاد والعلوم السياسية- العلوم الشرعية على يد مجموعة من كبار العلماء على رأسهم فضيلة الإمام العلامة الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق -حفظه الله- فقرأ عليه كتاب الموطأ كاملًا وأخذ إجازته من فضيلة الشيخ، كما قرأ معه التمهيد للإسنوي وغيره من الكتب.

كما تلقى العلم من بعض تلامذة الإمام العلامة الشيخ علي جمعة مثل الشيخ الشهيد عماد عفت، والدكتور أسامة السيد الأزهري، والشيخ سيد شلتوت الشافعي، والدكتور عمرو الورداني مدير إدارة التدريب وأمين الفتوى بدار الإفتاء، والشيخ أحمد زاهر. وانتفع كذلك بمجالسة الكثير من العلماء في الحجاز والشام واليمن.

كان الشيخ رحمه الله صوفيًا صافيًا .. تصوفه سنيًا خالصًا .. فقد أخذ الشيخ طريق التصوف عن والده سيدي الشيخ عقيل إسماعيل مظهر على منهج السيد إبراهيم الدسوقي القرشي في التربية والسلوك.

واستكمل الشيخ مسيرة والده سيدي عقيل إسماعيل مظهر رحمه الله –ونحسب أنه أحد الأولياء الصالحين- الذي كان يدعو إلى الله بحاله ومقاله، فأسس مدرسة الحب التي قال عنها الشيخ محمد أكرم رحمه الله: "نشأت في مدرسة الحب لتتلقى روحي معاني الدين بالصحبة والمعاشرة، قبل أن تتلقاها أذني بالوعظ والإرشاد، فالحب للصانع سبحانه وتعالى نستمد منه الحب لصنعته، فيكون هذا الحب هو دليلك ومرشدك فى هذه الحياة".

 كما علمنا الشيخ رحمه الله كيف نحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف نحب ونود آل بيته الأطهار، وكيف نحب الصحابة الكرام جميعهم، وكيف نحب أهل الله والأولياء والصالحين والعلماء، وأن نعلق قلوبنا بهم ليكونوا قدوة لنا في طريقنا إلى الله سبحانه.

كان هم الشيخ طوال حياته التي امتدت لـ48 عامًا أن يرشد الناس إلى ربهم ويقربهم إليه حتى يأنسوا به، ويستغنوا به عن كل ما سواه، فعلمنا أن من يدخل في العبودية الحقيقية لله سبحانه وتعالى كفاه الله هم الدنيا والآخرة، ومن يكون في معية الله لا يحتاج غيره، وعلمنا أن من آنسه الله بقربه أعطاه غنىً بغير مال، وعلمًا بغير طلب، وأُنسًا بغير خلق، وعزًا بغير عشيرة.

ودائمًا ما حثنا الشيخ أكرم رحمه الله ورضي عنه على تحصيل العلم الشرعي والتزود منه، حتى تكون عبوديتنا لله سبحانه وتعالى على علم وبصيرة، وكان رضي الله عنه دائمًا ما يقول لنا: "إن أردنا الإصلاح فعلينا أن نبدأ بأنفسنا". حتى أنه رغم مكانته بين مريديه، كان لا يستنكف أن يحضر مجالس العلم متعلمًا بجوارهم بكامل هيئته كشيخ مربي بالعمامة والقميص والعصا التي يتكئ عليها، وكان من خفه ظله ربما يسأل أحد مريديه الذين يجلسون بجانبه في أحد مجالس العلم الشرعي مازحًا: "ممعكش قلم زيادة؟". فكان يعلمنا بحاله قبل مقاله.

حتى في أمورنا الدنيوية .. كان خير ناصح .. فما استشرته في شئ إلا ونصحني مخلصًا، وما عملت بنصيحته إلا رأيت الفلاح في أمري. ومن ذلك أنه بعد عودتي من انجلترا في رحلة دراسية وتدريبية، وكنت أعمل حينها في مجال الإعلام والصحافة، وبعد عودتي من لندن عرض عليَّ فضيلة الإمام العلامة علي جمعة حفظه الله، وكان حينها مفتيًا للديار المصرية، عن طريق مستشاره الدكتور إبراهيم نجم أن أعمل في دار الإفتاء المصرية كنائب للمستشار الإعلامي لفضيلته ولدار الإفتاء، وحينها تملكتني الحيرة، ولم أدر ما أفعل، فتوجهت إلى شيخي الشيخ محمد أكرم وأخبرته بالأمر، فقال لي بشكل قاطع: "إنت مجنون .. طبعًا وافق .. أنت ستكون على ثغر من ثغور الإسلام، وفي عملك هذا خدمة لطريق أهل الله".. وبالفعل قد كان، ومن يومها وأنا في فلاح ولله الحمد.

ولكن أيام الإنسان محدودة والأنفاس معدودة واللحظات في قبضة الملك سبحانه، وعندما يأتي أجل الإنسان فلا اعتراض على صاحب الشأن، فاسلم الشيخ رحمه الله روحه لخالقها يوم الاثنين 2 سبتمبر 2013.

انتقل شيخي محمد أكرم عقيل مظهر ليدفن في بقيع مصر في جبل المقطم بالقرب من مقام ومسجد سيدي ابن عطاء الله السكندري الذي اعتاد أن يعقد مجالسه فيه .. وقد ترك الشيخ أربعة من الأبناء هم: علي وهو أكبرهم سنًا وعقيل وهو الأوسط وفيه من والده الكثير، تليه مريم، ثم أصغرهم خديجة ذات الأربع سنوات، صاحبة الفطرة النقية، فرغم صغر سنها إلا أن روح أبيها رحمه الله تسري فيها وفي أفعالها، فما أن تراها حتى تتذكر الشيخ ونقاء روحه وجمال صفاته وطباعه.

الحديث عن شيخي يطول .. وكلماتي لا توفيه جزء ولو قليل من حقه .. والأفكار والمشاعر مضطربة لا تستطيع الكلمات أن تصفها.

فعذرًا شيخي ووالد قلبي .. فأنا في حضرتك درويش لا يجيد فن الرثاء أو المدح، ولكن تلك الكلمات كتبتها على عجاله وهي قاصرة  .. فيا شيخي الحبيب .. طبت وطاب مسعاك .. فقد رحلت إلى من أحببت وأحبوك .. وفي هذا عزاء لنا.

كان رحيلك صادمًا لولا تثبيت الله وما علمتنا وما رأينا من بشارات بعد انتقالك .. فكلما جزعنا نتذكر قولك: "كونوا مع الله على مايريده فيكم" .. فنسلم لله سبحانه إنتظارًا للقاء .. جمعنا الله بكم في الفردوس الأعلى على حوض جدكم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وجلعنا الله قرة عين لكم في الدنيا والآخرة، وثبتنا الله على ما علمتنا ونصحتنا.

فيديو قد يعجبك: