إعلان

أدب الدعاء في الهدي النبوي

04:44 م الأحد 22 مارس 2015

أدب الدعاء في الهدي النبوي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

أمرنا الله عز وجل بالدعاء ووعدنا بالإجابة ، ثم عقب بقوله ـ عز وجل ـ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.. [غافر :60].. وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (من لم يسأل الله يغضب عليه).. [رواه الترمذي]..

لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجة وسلِ الذي أبوابه لا تُحجبُ 

الله يغضب إن تركتَ سؤاله وإذا سألتَ بُنيَّ آدم يغضبُ

ولما كان الداعي يناجي ربه ـ ملك الملوك ، المعطي المانع ، الرحمن الرحيم {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.. [غافر :3 ]ـ كان لزاما عليه أن يتأدب بآداب ليكون دعاؤه أقرب للقبول ، فبحسن الأدب يُلبَّى الطلب ، وبتتبع أقوال وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يظهر لنا الكثير من آداب الدعاء ، ومنها :

الوضوء :

عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: (دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال : اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ، ورأيت بياض إبطيه فقال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس).. [رواه البخاري]. قال الحافظ : "يستفاد من الحديث استحباب التطهر لإرادة الدعاء".

استقبال القبلة : 

ورد في استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث كثيرة منها : عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : (لما كان يوم بدر نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل رسول الله القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ..).. (رواه البخاري).

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليهم ، فاستقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القبلة ورفع يديه فقال : الناس هلكوا ، فقال : اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم).. [رواه أحمد].

وقد ورد من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يدل على جواز عدم التوجه إلى القبلة في الدعاء ، ولهذا قال القرطبي : " .. والدعاء حسن كيفما تيسر وهو المطلوب من الإنسان لإظهار وضع الفقر والحاجة إلى الله ـ عز وجل ـ ، والتذلل له والخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن ، وإن شاء فلا ، فقد فعل ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسبما ورد في الأحاديث .." .

رفع اليدين : 

عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: (إن ربكم حيي كريم ، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا).. [رواه ابن ماجه]..

الخشوع والتذلل وخفض الصوت : 

عن هشام بن عروة ـ رضي الله عنه ـ قال : أخبرني أبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قوله عز وجل:({وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا}.. [الإسراء: 110]، نزلت في الدعاء).. [رواه النسائي].

وعن أبى موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم).. [رواه مسلم].

قال النووي : " (اربعوا).. معناه : ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة.. ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه .." .

وهناك مواضع يجهر فيها بالدعاء : كالدعاء في خطبة الجمعة ، وفي الاستسقاء ، وفي القنوت وغير ذلك من المواضع التي يناسبها الجهر .

البدء بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

عن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ قال : (سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلا يدعو في الصلاة ولم يذكر الله ـ عز وجل ـ ولم يصل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عَجِل هذا ، ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ، ثم ليصلِّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم ليدع بعد بما شاء..).. [رواه أحمد].

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : (كنت أصلي ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر معه ، فلما جلست بدأت بالثناء على الله ، ثم الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم دعوت لنفسي ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : سل تعطه، سل تعطه).. [رواه الترمذي].

ومن ثم كان عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول : " إذا أراد أحدُكم أن يسألَ ربَّه فليبدأ بالمدحة والثناء على الله بما هو أهلُه ، ثم ليصلِّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم يدعو بعدُ فإنه أجدر أن ينجح".

التوسل بأسماء الله وصفاته : 

يقول القرطبي: ".. وأصل الوسيلة : هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المطلوب .." .. وهي في الشرع : ما يُتقرب به إلى الله تعالى بما شرع من الواجبات والمستحبات ..

وكان من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعائه التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كربه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).. [رواه الترمذي].

وعن ربيعة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (ألظوا بياذا الجلال والإكرام).. [رواه أحمد].. ومعنى ( ألِظُّوا ) : أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها .

وبوب البخاري في صحيحه بابا سماه : (باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها) ، وذكر فيه تسعة أحاديث كلها في التبرك بالله والسؤال به والاستعاذة .

الإلحاح في الدعاء وتكراره مع اليقين بالاستجابة :

عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال في حديثه الطويل عن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قريش : (وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا).. [رواه مسلم].

قال ابن القيم : " ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء ، وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من لم يسأل الله يغضب عليه). ولذلك كان أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يقول : " من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له " .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه).. [رواه الترمذي].

وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه).. [رواه مسلم].

يبدأ الداعي بنفسه في الدعاء :

إذا أراد الداعي أن يدعو لأحد فليبدأ بنفسه ثم يدعو لغيره ، فعن أبى بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دعا بدأ بنفسه).. [رواه أبو داود].

لا يُضَّيِّق في دعائه :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : (قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة وقمنا معه ، فقال أعرابي وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فلما سلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للأعرابي : لقد حجرت واسعا) ـ يريد رحمة الله ـ).. [رواه البخاري]، فرحمة الله قد وسعت كل شيء ، قال ـ عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.. [الأعراف: 156].

قال ابن حجر: " قال ابن بطال : أنكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأعرابي لكونه بخل برحمة الله على خلقه ، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ }.. [الحشر: 10]".

عدم الاستعجال أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم :

عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم).. [رواه أبو داود].

وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (لا يزال يُسْتجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل يا رسول الله : ما الاستعجال؟، قال : يقول قد دعوتُ وقد دعوت فلم أر يستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء).. [رواه مسلم].

قال ابن بطال : " المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمآن بدعائه ، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة".

الدعاء في الرخاء :

من وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (تعَّرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).. [رواه أبو داود].

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء).. [رواه الترمذي].

قال ابن رجب : " وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ : إذا كان الرجل دعا في السر فنزلت به ضراء فدعا الله ـ تعالى ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له ، وقال رجل لأبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : أوصني ، فقال : اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ، فإن العبد إذا ذكر في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله ـ عز وجل ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له " .

الدعاء بالمأثور :

لا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يُدْعى به ، لأنها شاملة للخير كله ، في أفضل العبارات وأجمعها ، ولأن الغلط يعرض في الأدعية التي يختارها الناس.

قال ابن تيمية : " .. وينبغي للخَلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة ، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه ، وأنَّه الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسُن أولئك رفيقا " .

فائـــــــدة :

يقول ابن القيم : " وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي : الثلث الأخير من الليل ، وعند الأذان ، وبين الأذان والإقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة ، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم ، وصادف خشوعا في القلب ، وانكسارا بين يدي الرب وذلاً له وتضرعا ، ورقة ، واستقبل الداعي القبلة ، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة ، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدم بين يدي دعائه صدقة ، فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للإسم الأعظم " .

وإذا اشتمل الدعاء على هذه الآداب ولم تر أثراً للإجابة فاعلم أن الله صرف عنك من السوء ما هو أنفع لك ، أو ادَّخر لك في الآخرة ما تكون أحوج إليه ، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ما مِن مؤمن ينصب وجهه لله يسأله مسألة إلا أعطاه إياها : إما عجلها له في الدنيا ، وإما أخرها له في الآخرة ما لم يعجل يقول : قد دعوتُ و دعوت فلا أراه يستجاب لي ) .

المصدر: موقع اسلام ويب

فيديو قد يعجبك: