إعلان

ما حكم الجهر بالبسملة في الصلاة؟

02:46 م الأحد 28 يونيو 2015

ما حكم الجهر بالبسملة في الصلاة؟

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تجيب لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

الجهر لغة: إعلان الشّيء وعلوّه، يقال: «جهرت بالكلام» أعلنت به، ورجل جهير الصّوت، أي عاليه، قال أبو هلال العسكريّ: وأصله رفع الصّوت، يقال: «جهر بالقراءة» إِذَا رفع صوته بها، ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ الأوّل وهو الإعلان.

والجَهْرُ في الصلاة في موضعه والإسرار فيها في موضعه من هَيْئَاتِ الصلاة التي لا ينبغي للمُسْلِم أَنْ ينشغل بها عن مقصود الصلاة الأسمى، وهو الخشوع والتدبر والمُنَاجاة.

والجهر بالبسملة في الصلاة جزء من هذه الهيئة وهي الجهر في الصلاة، ومع كونها من هيئات الصلاة، فهي مسألة خلافية غير مُجْمَعٍ عليها.

وقد يرجع الخلاف فيها إلى مدى إثبات البسملة قرآنية، قال ابن كثير بعد ذِكْرِه خلافَ العلماء في كونها قرآنًا: «هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا، فأمَّا ما يتعلق بالجهر بها، فمفرَّع على هذا، فمَن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يَجهر بها، وكذا مَن قال: إِنَّها آية من أوَّلها، وأمَّا مَن قال: بأنها من أوائل السور فاختلفوا؛ فذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سَلَفًا وخَلَفًا» (تفسير ابن كثير 1/ 117، ط. دار طيبة).

وقد يرجع الخلاف فيها إلى التعارض الظاهر بين الآثار فيها، وهو ما يقتضي الترجيح كأي مسألة فقهية خلافية، قال الإمام النووي في ذلك: «اعلم أَنَّ مسألة الجهر ليست مَبْنِيَّة على مسألة إثبات البسملة؛ لأَنَّ جماعة مِمَّن يرى الإسرارَ بها لا يعتقدونها قرآنًا، بل يرونـها مِن سننه كالتعوذ والتأمين، وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآنًا، وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجَّح عند كل فريق من الأخبار والآثار». (المجموع شرح المهذب 3/300، ط. دار الفكر).

ولا مانع من أن يكون الخلاف في مسألة ما مبنيًّا على أكثر من سبب، فحُكْمُ الجهرِ بالبسملة مترتِّبٌ على حكم قراءة البسملة في الصلاة، وحُكْمُ القراءةِ فرعُ الخلافِ في مسألة إثبات البسملة آيةً من الفاتحة، وذلك مع اختلافهم في الآثار الواردة في قراءتها جهرًا أو سرًّا.

ومذهب الشافعية وما نفتي به: استحباب الجهر بها حيث يُجْهَر بالقِرَاءَةِ في الفاتحة والسورة جميعًا، وهذا قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الفقهاء والقراء.

فأمَّا الصحابة فروي عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمار بن ياسر، وأبي بن كعب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي سعيد، وقيس بن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وشداد بن أوس، والحسين بن علي، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية وجماعة الـمهاجرين والأنصار الذين حضروه لمَّا صلَّى بالمدينة وتَرَكَ الجهر فأنكروا عليه فرجع إلى الجهر بها، رضي الله عنهم أجمعين.

قال ابن عبد البر: «فلم يُخْتَلف في الجهر في ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس أيضًا، وعليه جماعة أصحابه: سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وهو مذهب ابن شهاب الزهري وعمرو بن دينار، وابن جريج، ومسلم بن خالد، وسائر أهل مكة». (الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف ص160، ط. أضواء السلف).

وقال أيضًا: «وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك». (الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف ص 277). وقال الشيخ أبو محمد المقدسي: «والْجَهْرُ بالبسملة هو الذي قرَّرَهُ الأَئِمَّةُ الحفَّاظ، واختاروه وصنفوا فيه مثل: محمد بن نصر المروزي، وأبي بكر بن خزيمة، وأبي حاتم ابن حبان، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي، والخطيب، وأبي عمر بن عبد البر، وغيرهم رحمهم الله». (المجموع شرح المهذب 3/ 342).

وقد روي من الأحاديث ما يدل على صحة الجهر بالبسملة، نذكر منها: حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ثم قرأ بأم الكتاب، حتى إذا بلغ ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الاثنين قال: الله أكبر، ثم يقول إذا سَلَّم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم». (رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والدارقطني، وقال: هذا صحيح، ورواته كلهم ثقات. وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) قال الحافظ ابن حجر: «وهو أصحُّ حديثٍ وَرَدَ في ذلك». (فتح الباري 2/ 267، ط. دار المعرفة) يقصد الجَهْر بالبسملة.

وعن أبي هريرة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه كان إذا قَرَأ وهو يؤم الناس افتتح بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))، قال أبو هريرة: «هي آية من كتاب الله، اقرءوا إن شئتم فاتحة الكتاب، فإنها الآية السابعة». (أخرجه الدارقطني والبيهقي).

وفي رواية ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أَمَّ الناسَ قَرَأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) (أخرجه الدارقطني). وعن قتادة قال: سُئل أنس كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يَمُدُّ (بِسْمِ اللهِ) ويَمُدُّ (الرَّحْمَنِ) ويَمُدُّ (الرَّحِيمِ). (أخرجه البخاري في صحيحه).

قال الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي: «هذا حديث صحيح لا نعرف له علة، وفيه دلالة على الجهر مطلقًا يتناول الصلاة وغيرها؛ لأن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبيَّنها أنسٌ ولـما أطلق جوابَه، وحيث أجاب بالبسملة دَلَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم يَجْهر بها في قراءته، ولولا ذلك لأجاب أنس بـ «الحمد لله رب العالـمين» أو غيرها». (المجموع شرح المهذب 3/ 347).

قال الشيخ أبو محمد المقدسي: «فلا عذر لمن يترك صريح هذه الأحاديث عن أبي هريرة، ويعتمد رواية حديث: قسمت الصلاة، ويحمله على ترك التسمية مطلقًا، أو على الإسرار، وليس في ذلك تصريحٌ بشيءٍ منهما، والجميع رواية صحابي واحد، فالتوفيق بين رواياته أوْلى مِنِ اعتقاد اختلافها مع أن هذا الحديث الذي رواه الدارقطني بإسناد حديث «قسمت الصلاة» بعينه؛ فوجب حَمْلُ الحديثين على ما صرَّح به في أحدهما». (المجموع شرح المهذب 3/ 346).

ومذهب الإمام أبي حنيفة أنه يُسَنُّ قراءتُها سرًّا مع الفاتحة في كُلِّ ركعةٍ إن قرأها مع كل سورةٍ فحَسَنٌ، وكذلك عند الإمام أحمد يُسَنُّ قراءتُها سرًّا مع الفاتحة، فإنْ تَرَكَها -ولو عمدًا- حتى شَرَعَ في القرآن سقط طلبُها؛ لأنـها سنةٌ فات محلُّها. (الدر المختار 1/ 490- 491، ط. دار الفكر، كشاف القناع 1/335- 336، ط. دار الكتب العلمية).

والإمام مالك مَنَعَ قراءتـها في الصلاة الـمكتوبة جهرًا كانت أو سرًّا، لا في أول الفاتحة ولا في غيرها من السور، وأجاز قراءتها في النوافل؛ وذلك راجع لقوله: إنـها ليست آية من الفاتحة، ولاعتماده الأحاديث الدَّالة على عدم قراءتها في الصلاة. (شرح مختصر خليل للخرشي 1/ 289 وما بعدها).

وعلى هذا فنرى استحباب الجهر بقراءة البسملة في الصلاة في الفاتحة والسورة، لما ذكرناه من أدلة، مع التذكير بأن المسألة خلافية، فلا تستوجب الشقاق بين المسلمين.

والله تعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك: