إعلان

"بين ذراعيك".. عندما يصبح الموت خياراً رحيماً

09:56 ص الإثنين 16 نوفمبر 2015

فيلم بين ذراعيك

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- منى الموجي:

لا يمكن أن يأخذ إنسان قراراً بإنهاء حياته بيده، إلا إذا تملكه اليأس، وحل الظلام بديلا عن النور، فكسى حياته بسوادٍ قاتم لا نقطة ضوء فيها، هكذا كانت حياة نيلز بطل الفيلم الدنماركي "بين ذراعيك- In your arms".

تدور أحداث الفيلم في إطار إنساني، حول فكرة "الموت الرحيم"، ولكن هل كان حقا "نيلز" يحتاج إلى هذه الخطوة، هل كان على "ماريا" تلك الممرضة العطوفة أن تساعده في تحقيق رغبته، بأن يرحل عن الدنيا؟.

الانتحار

نيلز شخص مريض عاجز عن تحريك أطرافه الأربعة، لا أمل في شفاءه، يحتاج إلى المساعدة في كل شيء، حتى ليلتقط أنفاسه ليلاً، فعندما يخلد للنوم يرافقه "جهاز الأكسجين"، يعيش في دار للتمريض، ويحاول التخلص من حياته بالانتحار، وكاد ان ينجح في بلوغ هدفه، لولا دخول الممرضة ماريا غرفته.

لماذا يتخذ إنسان قراراً بالانتحار ويصر على تنفيذه؟، سؤال طرحه المخرج سامانو ساهلستروم على نفسه، وبحسب حوار صحفي له قال سامانو "أعترف أني في البداية وضعت افتراضات ساذجة بان الشخص الراغب في الموت هو شخص لا يحب الحياة"، إلا أن خلال بحثه وإعداده للفيلم اكتشف أن الشخص الذي يختار لنفسه النهاية قد يكون مُدركا للأشياء الجميلة التي تقدمها له الحياة ورغم ذلك يُصر على الموت، "كيف يمكن لماريا التعامل مع شخص مدرك للجمال المحيط به وفي الوقت نفسه رافض له"، هذا السؤال واسئلة أخرى طرحها الفيلم، وتمنى المخرج أن تشغل ذهن الجمهور بعد المشاهدة، وهو ما تحقق.

تدخل ماريا غرفة نيلز فتجده ملقى على الأرض، وتكتشف من خلال الدم الذي يلطخ يداه أنه حاول الانتحار، فتصرخ لتستدعي أحداً يساعدها، تذهب لزيارته فتجده ينظر لها على أنها غريمته فقد منعته من بلوغ الحلم الذي كان بينه وبين تحقيقه لحظات، هذا تناقض أخر سيكتشفه المشاهد، بعدما توافق ماريا على مساعدة نيلز في السفر إلى سويسرا للحصول على العقار الذي ينهي به حياته.

الموت الرحيم

"الموت الرحيم" مسألة مرفوضة شكلا وموضوعا في مجتمعاتنا العربية، وهو المأخذ الذي أخذه عدد من المشاهدين على الفيلم، إلى جانب المشاهد الجنسية والعري الواضحة في الفيلم.

نجح المخرج في توظيف الطبيعة كمناظر الثلج المتساقط والنهر والسماء المائل لونها معظم الوقت للون الرمادي في خلق حالة من المشاعر تعكس حالة الجمود التي تحياها ماريا، ويشعر بها نيلز رغم إيمانه بالجمال المحيط به، ولكنه إيمان تشوبه السخرية، هذا ما بدا جلياً في حوار دار بينه وبين ماريا، عندما وقفت أمام نافذة غرفته بعد محاولة الانتحار الفاشلة تتحدث عن جمال المنظر "لقد فعلت ذلك حتى أتي إلى هذه الغرفة وأشاهد هذا المنظر".

الرحلة الأخيرة

نرتكب أحيانا أفعالا لا نعرف مبرراً لها، هكذا كانت ماريا لا تعرف سبباً في موافقتها على مرافقة نيلز في رحلته الأخيرة في الحياة، تعلنها صراحة "لا أظن ان هذا هو الصواب"، وخلال الرحلة تكتشف أنه يعرف عنها كل شيء، ويحاول استخدام ما يعرف في إيلامها، ربما كانت كلماته حادة لكنها تعكس بصورة ما اهتمامه بها.

قد لا تتعاطف مع نيلز، وتلوم ماريا على مساعدتها له، وقد يتسرب إليك شعور ببداية قصة حب تنشأ بين نيلز وماريا، وهو ما قد يرفضه البعض الآخر مؤكدين أن طريقة ماريا في التعامل مع نيلز لم تكن سوى جانب من شخصيتها العطوفة، معتبرين أن المشاهد التي ظهر فيها نيلز فج ينطق بكلمات حادة، الوصف الانسب لها انها "وقحة"، كانت رغبة منه أن ينتصر على طبيعتها العطوفة هذه ولا يجعلها تتراجع عن قرارها بمساعدته في تحقيق رغبته.

تأخذه ماريا ليشاهد للمرة الأولى ابنه عند خروجه من المدرسة بصحبة والدته التي رفضت أن يرى ابنها هذا الأب الذي تركها وتركه، خاصة بعدما عرفت نيته، فكيف لها أن تخبر ابنها بأن هذا هو والده، الذي لن يتمكن من رؤيته مرة أخرى لأنه سيرحل عن الدنيا خلال يومين.

تظهر مشاعر نراها للمرة الأولى على وجه نيلز ربما كانت دائما بداخله ويحاول إخفاءها أو كانت رؤيته ابنه للمرة الأولى هي السبب في خلقها.

القرار الصعب

يأتي مشهد أخر كان سببا رئيسيا في استمرار ماريا في مساندته، جعلها تؤمن بفكرته ورغبته، عندما اصطدمت سيارتها بحيوان الآيل، فتقف عاجزة عن تخفيف ألم الحيوان، ويكون عليها الاختيار بين رؤيته يتألم وبين القرار الصعب بإراحته من آلامه مستخدمة حجر تهوي به على رأسه، ليفارق الحياة.

يلتقي نيلز بطبيب يمنحه عقار يجعله يخلد لنوم عميق وينسحب من جسده الأكسجين ثم يتوقف قلبه عن الخفقان، ورغم الدموع الواضحة في عينيه أثناء تسجيله رغبته في تناول الدواء بمحض إرداته، نجده حاد غير متردد يعلن تخليه عن حياة يعتقد أنها تخلت عنه.

في اللحظة التي تنتهي فيها حياة نيلز بإرادته، نجد ماريا تبدأ حياتها الجديدة بالتخلص من كل ما مضى، تنزل للمياه عارية كنوع من أنواع التطهر، إيذانا ببداية تأمل أن تكون مختلفة، لينتهي الفيلم وتبقى التساؤلات "هل إذا أبدت ماريا اهتماما بنيلز وطالبته بالتراجع عن قراره لا لأنها ممرضة ولكن لأنها حبيبة هل كان سيتراجع، ربما؟، وهل كانت حالته تحتاج حقا للموت الرحيم، أم أنه كان يحتاج أن يشعر بالدفء الذي يفتقده؟.

"بين ذراعيك" فيلم دنماركي يشارك ضمن 16 فيلم في المسابقة الدولية، بالدورة السابعة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إخراج سامانو اشيش ساهلستروم، بطولة ليزا كارلهد، بيتر بلوجبرج، جوانا وكاليك.

فيديو قد يعجبك: