إعلان

حميدة لا تتصفح الإنترنت

11:42 ص الخميس 26 ديسمبر 2013

حميدة لا تتصفح الإنترنت

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

القاهرة: أميرة عبدالرحمن – 'فيها إيه يعني لما يرجع من الشغل متضايق شوية.. فيضربني قلمين؟!' ترن الكلمات في أذني، كطرق أوانٍ نحاسية، رغم مرور 12 عاما أو يزيد على سماع تلك العبارة الراضية، الصادمة، المثيرة للشفقة والاستفزاز في آن.

كنت ضمن فريق عمل يستطلع آراء المواطنين في الشارع حول تعديلات مقترحة لقانون الأحوال الشخصية آنذاك. في محطة مصر (الاسم الذي يطلقه المصريون على محطة السكك الحديدية الرئيسية في القاهرة)، حيث تتقاطع وجوه بحري وقبلي، التقيتها. جسد هزيل متستر خلف ملابس ريفية سوداء فضفاضة، يعلوه وجه خمسيني القسمات، رغم أن السيدة، على حد قولها، لم تبلغ بعد الـ 25. صوتها عالٍ واثق مما تقول، ذراعاها لا تتوقفان عن شد طرحة شفافة تتدلى منها ضفيرتان لا تقلان هزالا عن صاحبتهما.

عن ضرب الأزواج لنسائهن طرحت سؤالي. حاولت تبسيط معلومة أن المشرع يسعى لسن قوانين رادعة لتلك الحالات. بسذاجتي، خلتها ستشتعل حماسا، ففاجأتني بتلك العبارة، التي قالتها موقنة مُسلمة مستسلمة مستدركة : 'طالما ضربني.. يبقى أكيد أنا غلطت!'

لم تجبرني حميدة على تأملها لدرجة رمي قلمي وأوراقي على 'الدكة' الخشبية في محطة مصر فقط، بل جعلتني أنحي قلمي جانبا لسنوات طويلة بعدها، سئمت خلالها التنظير العقيم في قضايا المرأة. كفرت بمنابر سيدات المجتمع وجمعيات حقوق النساء. لا تستهويني مؤتمراتهن ولا شعاراتهن. أستغرب نفسي الآن وأنا أكتب عنهن. فمن سيقرأ تلك الكلمات سواي وإياكم، أيها المتعلمون والمثقفون. حميدة لا تتصفح 'الإنترنت !

دام تأثير حميدة معي لسنوات طويلة أيقنت خلالها أن آخر ما تحتاجه المرأة في مجتمعاتنا الشرقية هو الخـُطب والشعارات. منذ فقدنا رمانة الميزان بين دور المرأة الحيوي في بيتها كأم مربية وزوجة حنون، ودورها خارج البيت كإنسانة تتمتع بكامل الحقوق والواجبات، غاب الخيط الرفيع الحاسم في إنتاج أجيال واعية تميز بوضوح ما للمرأة وللرجل، وما عليهما.

كلا الطرفان يكيل الاتهامات. المرأة خلال معركتها الطويلة لنيل حقوقها، كثيرا ما تقصر في واجبتها المنزلية، فاتحة المجال لانتقادات ذكورية نالت منها وانتقصت من مكتسباتها. أما النماذج الناجحة للمرأة التي استطاعت التوفيق داخل وخارج بيتها فدفعت ضعاف الثقة من الرجال المتكاسلين إلى الركون إليها، متواكلين على نجاحها وإسهاماتها المادية، ملقين بجُل المسؤولية على عاتقها.

تمثل حميدة بالنسبة لي نموذجا صارخا لأحد نقيضين منفرين. الأول، قطاع كبير من المجتمع لا يرى في المرأة سوى خادمة: تطبخ، تغسل، تمسح، تحتوي زوجها لدرجة تقبل إهانته لها بمناسبة أو بدون، بل والتسليم بأنها حتما مخطئة طالما أنه ضربها، لاغية حقها في إعمال عقلها ومحاسبة نفسها لمعرفة خطئها من عدمه. كل ذلك، مقابل إنفاقه عليها وعلى أولادها.

على النقيض المنفر، تمثل كثيرات من الفتيات السطحيات قسما ثانيا من المجتمع يتصور أن خروج المرأة للعمل يبرر لها إهمال مسؤوليات بيتها وأولادها، ومعايرة زوجها بالمشاركة في الإنفاق على الأسرة. للأسف، غالبية هؤلاء متعلمات منفتحات، مشكلتهن الافتقار لأبجديات إنسانية، وابتعادهن عن فطرة أنثوية جُبلن عليها.

حميدة وأخواتها لهن الله. ربما الأمل الوحيد الذي أراه - واقعيا - يتمثل في الأجيال القادمة، ذكورا وإناثا. كلاهما يحتاج لخطاب توعوي سهل ومباشر يبدأ معهم من تحت الصفر حيث يقبعون. إذا ما أردنا لهذا الوطن نهوضا ولمواطنيه ارتقاءً، علينا إعادة غرس قيم الماضي الجميل المعبرة عن روح الأديان، وتضفيرها بقيم لا تقل أخلاقية تعبر عن مستجدات ومتطلبات العصر الحديث. مطلوب ثقافة شرقية أصيلة متجددة تحل محل النظرة الاستعلائية للمرأة، والذكورية لكل ما عداها.

فيديو قد يعجبك: